وماذا بعد؟ .. سؤال يفرض نفسه في أعقاب المؤتمر الأخير لائتلاف أحزاب الوفد والناصري والتجمع والجبهة الديمقراطية ، وصدور وثيقة تضمنت نفس المطالب التي وردت في البيانات التحضيرية التي سبقت انعقاد المؤتمر ، وكان أهمها المطالبة بإدخال تعديلات علي بعض مواد الدستور ، وهي مطالب لا يختلف أحد علي أهميتها ، فما من لاعب أساسي في الحياة السياسية المصرية يرفض إقرار مبدأ تداول السلطة وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات والتأكيد علي ضرورة وأهمية نزاهة الإنتخابات ، ولكن يري بعض المتابعين أن هناك أولويات يجب الاهتمام بها وتحقيقها أولا بهدف جذب الرأي العام إلي المشاركة السياسية التي تدنت مستوياتها بشدة خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة عام 5002، إضافة إلي أن هناك من بين المطالب التي تضمنتها وثيقة ائتلاف أحزاب المعارضة ما هو متحقق بالفعل إقراره بمقتضي التعديلات التشريعية والدستورية التي تمت خلال عام 2007 والذي شهد تعديل 34 مادة من مواد الدستور ، ولعل أبرز ما تضمنته هذه التعديلات منح صلاحيات رقابية أوسع لمجلس الشعب في مواجهة السلطة التنفيذية وإقرار حق البرلمان في الاعتراض علي تشكيل الحكومة وسحب الثقة منها إذا ما وجد البرلمان ما يستوجب ذلك ، ومنح مجلس الشعب سلطة إدخال تعديلات علي الموازنة العامة للدولة وإتاحة صلاحيات تشريعية أكبر لمجلس الشوري ، ليصبح غرفة ثانية للبرلمان بعد أن كانت صلاحياته فيما سبق استشارية إلي حد كبير، وإضافة إلي ذلك أقرت التعديلات التشريعية والدستورية تشكيل لجان قضائية مستقلة تتولي الإشراف علي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وهي لجان تضم في عضويتها شخصيات قضائية حالية وسابقة مستقلة مشهود لها بالحياد والنزاهة . وفيما يتعلق بمطالبة أحزاب المعارضة بعودة الإشراف القضائي وفق مبدأ »قاض لكل صندوق«، فقد تباينت لها الأراء ما بين مؤيد ومعارض ولكل رأي وجاهته واهميته ، وهو أمر لا يتيح إطلاق أحكام استباقية تنال من نزاهة الإنتخابات المقبلة قبل أن تتم ، فالتاريخ المعاصر شهد إجراء انتخابات حيادية دون تطبيق إشراف قضائي كامل قاض لكل صندوق ، ولعل أبرز هذه الانتخابات تلك التي جرت عام 1976 . من جانب آخر يقول متابعون إن سعي القوي السياسية كافة ، المعارضة والأغلبية علي حد سواء ، لإدخال تعديلات دستورية إضافية ، يجب أن يتزامن مع احترام مواد الدستور القائم ، ويجب كذلك أن تبادر كافة القوي السياسية المشروعه بالتكاتف والسعي لمواجهة حالة الركود في الشارع السياسي المصري منذ عدة عقود ، ويري أولئك أن مواجهة حالة الركود هذه تتطلب ضرورة الإسراع بتحقيق ائتلاف لا يقتصر علي أحزاب يتم انتقاؤها أوتصنيفها علي أساس النشأة أو القدم بل يجب أن تشارك في الائتلاف المقترح كافة القوي السياسية المشروعة، بما فيها الحزب الحاكم ، الذي تفرض عليه الأغلبية التي يحوزها في البرلمان بمجلسيه الشعب والشوري وولايته لأمور السلطة التنفيذية بمقتضي هذه الاغلبية أن يتحمل العبء الأكبر في النهوض بالحياة السياسية من عثرتها الحالية ، ويذكر أولئك بأن الحزب الحاكم سبق وأن دعا لحوار موسع في بدايات عام 2005 شارك فيه جميع رؤساء الأحزاب الشرعية وأداره صفوت الشريف أمين عام الحزب الوطني وكمال الشاذلي الأمين العام المساعد في ذلك الوقت، واقترب عدد اللقاءات، التي جرت في إطار ما سمي بالحوار الوطني أنذاك ، من العشرين لقاء، اتفق خلالها علي إجراء تعديلات جوهرية علي بعض قوانين الممارسة السياسية وأهمها قانون مباشرة الحقوق السياسية، إضافة مادة لهذا القانون تلزم الناخب بوضع بصمته امام اسمه في جداول الناخبين وغمس إصبعه في حبر غير قابل للإزالة قبل 24 ساعة علي الأقل ، كما اتفقوا علي ضرورة تشكيل لجنة عليا للإنتخابات تتولي ضبط إيقاع العملية الانتخابية ومراقبة سلوك المرشحين وحجم الإنفاق الانتخابي. وتبقي المبادرة التي أطلقها الرئيس مبارك في السادس والعشرين من فبراير عام 2005 بتعديل المادة »67« من الدستور ليصبح اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب بدلا من الاستفتاء ، هي اللبنة الأولي لمرحلة الإصلاح السياسي الأوسع الذي سيسجله التاريخ للرئيس مبارك باحرف من نور، إضافة إلي أن هذه المبادرة هي التي دفعت بحالة الحراك السياسي التي شهدتها مصر خلال تلك السنوات والتي مازالت مستمرة . محمد صلاح الزهار