عندما قرر الإتحاد الأفريقي بالإجماع رفض قرار المحكمة الجنائية الذي اتهم به الرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير بارتكاب جرائم في دارفور، ورفض معه تنفيذ طلب المحكمة بالمساعدة في القبض علي الرئيس السوداني إذا حل بأية دولة من دول القارة، فعندما قرر الإتحاد الأفريقي ذلك، قال بعض المرجفين أن هذا القرار لا يعبر عن رأي كثير من الدول الأعضاء، واستدلوا علي ذلك بما قال به مسئول في جنوب أفريقيا عندما وجهت دعوة للرئيس السوداني لحضور حفل افتتاح مونديال كأس العالم 2010م بجنوب أفريقيا، وكان هذا المسئول الجنوب أفريقي قد هدد باعتقال الرئيس البشير إذا جاء إلي جوهانسبرج، وبعده قال مسئول في الخارجية الأوغندية قولاً مشابهاً عندما هدد باعتقال الرئيس البشير إذا جاء للمشاركة في القمة الأفريقية في كمبالا. واعتبر المرجفون أن قرار الإتحاد الأفريقي قرار فوقي لا يعبر عن دولة، وبناء علي ذلك توقعوا عزلة كاملة للرئيس السوداني، وقالوا إنه سيبقي رئيساً محاصراً في بلده لا يغادرها أبداً. وزيارة الرئيس عمر البشير الأخيرة والتي تأتي بعد زيارات مشابهة لكل من ليبيا وتشاد واريتريا تؤكد أن الموقف الأفريقي واحد وموحد في رفضه لقرار المحكمة الجنائية الدولية. وتكتسب زيارة البشير لكينيا أهمية خاصة، تميزها علي غيرها، وهي قد حققت أكثر من هدف، ولها أكثر من دلالة. ومعلوم أنه عندما قدمت كينيا الدعوة للرئيس البشير لحضور احتفالها بيومها الوطني، والذي يتم فيه التوقيع علي وثيقة الدستور الجديد لكينيا، حذرت دول كثيرة الحكومة الكينية من استقبال الرئيس السوداني المطلوب لما يسمي العدالة الدولية، وهددت هذه الدول كينيا بأن استقبالها للرئيس السوداني سوف يسبب لها حرجاً كبيراً مع المجتمع الدولي، وقد يجر عليها هذا الموقف غضباً لا تحمد عقباه، لاسيما وأن كينيا من الدول الموقعة علي قرار تشكيل المحكمة الجنائية الدولية، وهي بذلك ملزمة بتنفيذ قراراتها. إلا أن كينيا وبقيادة الرئيس موي كيباكي لم تعر هذه التهديدات أدني اهتمام. وقال كيباكي إن السودان دولة شقيقة، وأن العلاقة بين نيروبي والخرطوم علاقة إستراتيجية راسخة، ثم أن دولته ملتزمة بقرارات ومواقف الاتحاد الأفريقي الذي تعتبر من مؤسسيه الرئيسيين، أكثر من التزامها بأية قرارات أخري. هذا بالإضافة إلي أن كينيا تعتبر اتهام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي للرئيس السوداني عمر البشير اتهاماً باطلاً، لا يستند علي بينات موضوعية، ولا تسنده حجج منطقية فلذلك رفضت كينيا الانصياع للتهديدات الجوفاء، وأصرت علي استقبال الرئيس السوداني عمر البشير. ولقد وجد وصول الرئيس البشير للعاصمة الكينية نيروبي استحساناً كبيراً لدي الحكومة والشعب الكيني الذي أحسن استقبال الرئيس السوداني، واحتفي به احتفاء جليلاً. ولقد استحوذ الرئيس عمر البشير علي كل أضواء الاحتفال الذي صار نجمه الأسطع بلا منافس بما اتخذ من خطوة جريئة استجاب بها للدعوة الكريمة من دولة كينيا الشقيقة. ولعل هذا الموقف الاحتفالي هو الذي زاد من غضبة دول كثيرة، كانت تتوقع مهابة، ورهبة في صدور كل دول العالم بما تحوز من قوة، وما تعرف به من جبروت وتسلط. ولقد تجلي ذلك في رد الفعل الأمريكي الذي عبر عنه البيت الأبيض علي لسان الرئيس باراك أوباما شخصياً، حينما أدان السلوك الكيني وتحديها للإرادة الدولية القاهرة، وطلب منها أن تتقدم باعتذار فوري للمحكمة الجنائية علي صنيعها وتحديها لها. ولكن كينيا رفضت إلا أن تبقي شامخة مثل غاباتها الاستوائية، فرفضت حتي فكرة الاعتذار وقالت إن ما قامت به من استضافة واستقبال للرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير، هو بعض سيادتها، ولا توجد دولة تحترم نفسها تفرط في سيادتها، وكينيا تحترم نفسها، وتحترم التزامها مع دول قارتها.