جريمة السرقة المذهلة التي تعرض لها متحف المرحوم محمود خليل، وأسفرت عن سرقة »رائعة« الفنان العالمي فان جوخ: »زهرة الخشخاش« أعادت الحديث عن مبررات مثل هذه السرقات التي يصعب بيعها، أو عرضها، أو حتي التباهي باقتنائها! لوحة »زهرة الخشخاش« تقدر قيمتها المالية بأكثر من 50 مليون دولار سبق سرقتها لأول مرة عام1977، من نفس متحفنا المصري، وفي ظل نفس الإهمال الجسيم الذي يجسد نظرة وزارة ثقافتنا المصرية إلي مقتنياتنا، وتعاملها مع ثرواتنا الموروثة عبر العقود والقرون والعصور والمفترض أنها أمينة عليها! وكان يمكن أن تضيع »زهرة الخشخاش« لولا أن اللصوص في السرقة الأولي خافوا من انكشاف جريمتهم، فاضطروا إلي التخلص منها بعد عام من احتفاظهم بها وأبلغوا الأمن عن مكانها، لتعود اللوحة إلي المتحف مرة أخري، وسط زفة من تصريحات كبار صغار وزارة ثقافتنا العتيقة، وكلها تجمع علي إتمام تحصين المتحف، وتزويده بآخر ما توصل العالم إليه من وسائل الأمن والأمان، بحيث يستحيل علي أعتي اللصوص الاقتراب من كنوز متاحفنا.. حتي وإن وضعوا »كاسكيت« الإخفاء علي رءوسهم! سرقة »زهرة الخشخاش« للمرة الثانية تمت يوم21أغسطس الحالي، وسط ذهول كل من سمع عنها، أو قرأ عن الاهمال الجسيم الذي تدار به متاحفنا وقصور ثقافتنا، أو تابعوا الجولة التي قام بها المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام التي تكشفت خلالها مظاهر كثيرة لهذا الإهمال الجسيم. الخبراء العالميون قدموا تفسيرات معتادة لما حدث. فهناك من يعتقد أن سارق اللوحة إما »معتوه« أو »ساذج«. فالكرة الأرضية، بدورانها حول نفسها، أصبحت علي علم الآن بسرقة »شجرة الخشخاش«. رجال المباحث في قارات الدنيا الخمس أحيطوا جميعاً علماً، عبر »الأنتربول« الشرطة الدولية بتفاصيل جريمة السرقة، وبصور مصغّرة أو مكبّرة للوحة فان جوخ الشهيرة، كما تم إخطار جميع متاحف العالم، وصالات عرض اللوحات والتحف للبيع بالمزاد، وكبار هواة جمعها.. وبالتالي سرعان ما يتأكد اللص من أنه لا ولن يستطيع الحصول علي عشرات الملايين من الدولارات في »سرقة العمر« التي قام بها! وهناك من الخبراء الدوليين من يري أن اللوحة الشهيرة يمكن أن تجد من يشتريها من بين »المهووسين« باقتناء اللوحات غير المعروضة للبيع رغم علمه بأنها مسروقة وذلك ليضعها في قبو منزله، ليستمتع وحده بالتطلع إليها بين الحين والحين! ويؤكد الخبراء أن هناك الكثير من هؤلاء المهاويس فاحشي الثراء، وأصبح معظمهم تحت »سمع وبصر« رجال »الإنتربول« كوقاية لأنفسهم من هوسهم! مجلة (ARTnews) المعنية بالفنون الأمريكية نشرت مؤخراً حديثاً أجرته مع خبير سابق في قسم مكافحة سرقة اللوحات والتحف الفنية النادرة التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) قدم فيه مبرراً جديداً، وغريباً، لمثل هذه السرقات.. استوحاه من سنوات خبرته السابقة في مكافحتها. يقول الخبير الأمني: »روبرت ويتمان« إن بعض لصوص اللوحات الشهيرة لا يعرضونها للبيع وإنما سرقوها للاحتفاظ بها ك »بدل مادي« لحريتهم. ويحكي خبير ال (FBI) عن نماذج من هؤلاء اللصوص الذين تم القبض عليهم في جرائم سرقات أخري، وأملاً منهم في الإفلات من عقوبة السجن أو التخفيف منها، والتقليل من سنواتها فإنهم يبادرون بالتلويح للمحققين باستعدادهم للإرشاد عن مخبأ لوحات نادرة سبق لهم سرقتها واحتفظوا بها بعيداً عن الأنظار، انتظاراً لمثل هذا اليوم الذي يقايضونها فيه بالإفلات من العقوبة! وهناك أيضاً دراسة مهمة أصدرها نفس الجهاز الأمني الأمريكي (FBI) في عام2000، وأكد فيها معلومات، محققة، تثبت أن 80 ٪ من سرقات المتاحف يتم ارتكابها بتورط، وتعاون، واحد أو أكثر من العاملين في تلك الأماكن، ومن مهام وظائفهم الاطلاع علي خصائص الأنظمة الأمنية، وأسرارها، وكيفية إبطالها، أو تضليلها! وحتي لا تظلم الدراسة العاملين في 80 ٪ من المتاحف التي تعرضت للسرقات، أضافت الدراسة قائلة: »أحياناً .. يكون الشخص المتورط، والمتعاون، ليس بالضرورة من العاملين في المتحف المسروق..فقد يكون قريباً، أو صديقاً، لأحد العاملين، عرف منه معلومات عن عمله، أو ربما يكون المتورط من الفنيين الخارجيين الذين يتم الاستعانة بهم لإصلاح خطأ أو خلل في النظام الأمني داخل المتحف«. ومن الطبيعي أن كل الخبراء العالميين الذين علقوا لوكالات الأنباء علي جريمة سرقة »زهرة الخشخاش« أبدوا دهشتهم، وتعجبهم، من أن الغالبية العظمي من »كاميرات« المتحف المصري كانت معطلة (..).