تعتبر معركة ذي قار واحدة من أشهر المعارك التاريخية بين العرب والعجم قبل الاسلام. وتحمل هذا الاسم اليوم محافظة ذي قار التي تقع علي بعد ( 380 كم) جنوبي بغداد ومركزها مدينة الناصرية. وتضم المحافظة تجمعات ومواقع أثرية تعود إلي خمسة آلاف سنة مضت وتوجد فيها مدينة أور القديمة، وهي الأرض التي كانت يسكنها السومريون والاكديون وغيرهم والتي ولد فيها سيدنا إبراهيم الخليل. وتتميز هذه المحافظة عن سائر المحافظات العراقية بأنها مهد أبرز الحركات السياسية في البلاد من الحزب الشيوعي العراقي الي حزب البعث الي حزب الاستقلال. كما ان قائمة طويلة من المبدعين العراقيين في مجالات الفن والادب والاعلام هم من مواليد الناصرية ومدنها المعروفة مثل الشطرة والرفاعي وسوق الشيوخ وقلعة سكر والجبايش، وفيها مستنقعات الاهوار التي كانت تعتبر من أكبر محميات الطيور الطبيعية في العالم قبل ان يقوم النظام العراقي السابق بتجفيفها وتغيير طبيعتها لمنع التسلل عبر الحدود مع ايران. الا ان الاحتلال الامريكي الظاهر وربيبه الاحتلال الايراني الباطن، كشفا عن نبوغ من نوع جديد في هذه المحافظة المستلقية علي ضفاف نهر الفرات. فقد أعلنت مديرية شرطة ذي قار عن القاء القبض علي زعيم جماعة دينية مسلحة مدعومة من ايران تدعي "جماعة سيف الحق". وطبعاً فان المقصود بسيف الحق هو سيف أحمدي نجاد وليس سيف الامام علي أو الشهيد الحسين. وهي جماعة تتستر خلف عباءة "الامر بالمعروف والنهي عن المنكر" التي ظهرت لها فروع في بعض المحافظات العراقية، ومن انجازاتها إعدام حلاقين وحلاقات وبائعي أشرطة صوتية وسينمائية ومدرسات ومحاميات وطبيبات وموظفات سافرات. والحكم بإعدام أي من هؤلاء الضحايا لا يحتاج الي محكمة ومحاكمة واتهام ودفاع وانما يكفي توجيه الاتهام لأي كان بان صفيحة زبالته الموضوعة أمام منزله تحتوي علبة بيرة فارغة! وصرح اللواء الركن مدير شرطة ذي قار بانه تم القبض علي زعيم "جماعة سيف الحق" وهو الرأس المدبر لها الذي يصدر التعليمات بمداهمة المنازل وقتل سكانها. وتم في يوليو الماضي اعدام مواطن لان أحد أفراد الجماعة لمح علبة بيرة فارغة في صفيحة زبالة ذلك الزنديق الكافر الذي دأب علي السخرية من ملالي قم وطهران! لكن الموضوع أكبر من هذا. فقد تبين ان زعيم "جماعة سيف الحق" هو مجرد شرطي في مديرية حماية المنشآت الحكومية في مدينة الناصرية! وهو أمر يذكرنا بعرفاء قاموا بانقلابات عسكرية في بعض الدول الافريقية قبل سنوات لاقامة الديمقراطية! وهذا الشرطي لم يكمل الدراسة الابتدائية ولا يعرف من اللغة الانجليزية غير كلمة الدولار، وهو يدعو ليس الي "الامر بالمعروف والنهي عن المنكر" في الناصرية فقط، وانما يطالب بتطبيق هذا الشعار وفقاً لنظرية علبة البيرة الفارغة. فإذا تم سماع صوت تصفيق في داخل أي بيت فمعني ذلك ان هناك راقصة ترقص -أو مغنية تغني- أو موسيقي يعزف، أو مخمور يترنح! والاعدام هو الحل! وياويل ويا سواد ليل كل من يدافع عن الضحايا أو يحاول حمل جثثهم من الشوارع والارصفة لان ذلك كفر وضلالة! لقد اصدر سيادة الشرطي قبل اعتقاله تعليمات مشددة الي انصاره بجمع المعلومات عن كل شخص يشتبه في انه شاهد نانسي عجرم في التلفزيون أو سمع هيفاء وهبي في الراديو أو شارك في الرقص في أحد الاعراس أو احتسي كأساً من الجعة أو أكثر من تناول "المزّة" عندما يأتي المساء ونجوم الليل تُنْثر.. علي رأي موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب. وكانت مدينة الناصرية قد تذمرت من قيام أفراد هذه الجماعة الكوميدية الذين يرتدون الملابس السوداء من قمة رؤوسهم الي أخمص اقدامهم بقطع الشوارع ليلاً ومداهمة المنازل واختطاف الضحايا ونهب أموالهم. وهم ينهبون تلك الاموال بحجة بناء حسينية أو اقامة شعائر عاشوراء أو زيارة المراقد الدينية في كربلاء والنجف والكاظمية وسامراء. ولولا اعتقال الشرطي المذكور في الوقت المناسب لسمعنا ان السياسيين العراقيين الحاليين اتفقوا علي اختياره رئيساً للوزراء لحل أزمة تشكيل الوزارة أو تعيينه سفيراً للعراق في الاممالمتحدة.. فمن قلة الخيول.. كما يقول المثل البغدادي.. شدّوا الاسرجة علي البغال! كاتب المقال: كاتب عراقي