بلكمة علي الأنف استقبلت موسكو ملكة الخارجية الامريكية المتوجة هيلاري كلينتون ! بدلا ً من قبلة علي الوجنتين او ظاهر اليد كما تقضي الاعراف الدبلوماسية في العالم الشمالي ، تلكأ رئيس الوزراء الروسي ڤلاديمير پوتين في استقبال هيلاري حتي اللحظة الأخيرة من زيارتها لموسكو ..كان اللقاء فاترا ً وتم لمجرد التأكيد علي صلابة الموقف الروسي الذي بلغها اثناء لقائها مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لاڤروڤ بأن موسكو تعارض فرض عقوبات جديدة ومشددة علي طهران . لم يقتصر الامر علي مجرد الابلاغ الشفوي بالموقف الروسي بل تعداه الي تصرف عملي بالاعلان عن اطلاق اول وحدة من محطة ايران للطاقة النووية في صيف هذا العام علي ان تبدأ المرحلة التجريبية في ابريل القادم . هذه المحطة عبارة عن مفاعل نووي بقوة الف ميجاوات، وستكون اول محطة قبلت روسيا المساهمة في بنائها منذ التسعينيات في بوشهر جنوبي ايران، لكن اطلاقها تأخر كثيرا ً بسبب عدد من التأجيلات الروسية لحساسية الموقف الدولي من البرنامج النووي الايراني ، ولطالما استخدمت موسكو هذه الورقة للمساومة بها مع كل من ايران والولايات المتحدة . لم تقف آثار اللكمة الروسية عند حدود الأنف، لكن الآلام وصلت الي الجبهة والعيون فقد قذف پوتين في وجه ضيفته الامريكية بانتقادات تعكس استياء بلاده من هبوط التجارة الامريكية اثناء الأزمة الاقتصادية العالمية ، ومن المصاعب التي تواجهها روسيا في الانضمام لمنظمة التجارة الحرة ،ومن الآثار السلبية التي تعاني منها الشركات الروسية التي تتعامل مع كل من ايران وسوريا وكوريا الشمالية جراء العقوبات الامريكية . مع ان هيلاري أحست جيدا باللكمة ووعت مغزاها، الا انها تماسكت واعتبرت ان هذه المحاضرة ثقيلة الظل وربما المفعمة بالجليطة من رئيس الوزراء الروسي ما هي الا محاولة لجذب انتباه الاعلام الداخلي والاستهلاك المحلي، فأصرت علي اعلان الموقف الامريكي في مواجهة مضيفيها الروس بأنه" من المبكر الحديث عن برنامج نووي ايراني سلمي قبل ان تقدم طهران الضمانات المطلوبة للمجتمع الدولي"، فقد كان علي هيلاري مهمة اهم هي تهيئة التربة للبدء في مفاوضات اعادة صياغة اتفاقية بديلة ل "ستارت " المتعلقة بنشر الصواريخ واعطاء زخم لحملة العقوبات الجديدة علي ايران. موقف روسيا الأخير بدا مفاجئا ً بلاشك ومحيرا ، ًبل ومهينا لواشنطن ، ًفقد سبق ان استقبلت موسكو اول زيارة لأوباما بالإعلان عن استعدادها لقبول توقيع عقوبات علي ايران فيما لو فشلت المفاوضات معها . وقتها اعتبرت أمريكا هذا الموقف انتصارا لحملتها ضد طهران ونجاحا لها في شق جدار الممانعة الذي بنته كل من روسيا والصين في مجلس الأمن تأييداً لإيران . وقتها ايضاً فُسرت اللفتة الروسية بأنها رد علي اللفتة الامريكية بإعلان اوباما نقل الدرع الصاروخية الامريكية من بولندا وجمهورية التشيك الي البحر المتوسط . وكأن التقارب الامريكي الروسي في مسألة اعادة صياغة اتفاقية " ستارت " قد جاء علي حساب ايران. الا انه لم يمر شهر بعد زيارة اوباما تلك حتي عادت موسكو لسابق عهدها بمعارضة فكرة العقوبات علي طهران. وظهر جليا ان ايران مجرد ورقة من اوراق اللعب الروسية ، فقد كان معلوما ان روسيا وغيرها من بعض الدول الاوروبية كانت اول من تأثر سلبا ً من جولات العقوبات الاقتصادية السابقة التي فُرضت علي ايران بما احتوته من مقاطعة لكبريات شركات تلك الدول المتعاملة معها . وبدا مؤكدا انه لا علاقة للبرنامج النووي الايراني بالمسألة الثنائية المعلقة بين موسكووواشنطن ، فرغم الحفاوة والدعاية الاعلامية عن قرب صياغة معاهدة بديلة ل"ستارت" لتخفيض نشر الصواريخ النووية طويلة المدي الا ان الموعد النهائي لتوقيع المعاهدة الجديدة فات منذ ديسمبر الماضي وهو موعد انتهاء صلاحية معاهدة ستارت - التي وُقعت في 1991 دون ملاحظة اي تقدم. كان من اهم الآثار الواضحة للموقف الروسي الأخير ما لوحظ علي لغة خطاب الرئيس اوباما من تغير وتراجع في نبرة التشدد والتهديد نحو ايران والعودة الي سياسة اليد الممدودة . وبمناسبة السنة الفارسية الجديدة وجّه اوباما رسالة لطهران حملت ملمحين مهمين الأول :انها كانت عودة لمخاطبة الحكومة والشعب الايرانيين بشكل مباشر بعد ان تعثرت محاولاته لتشكيل جبهة دولية داعمة لفرض العقوبات علي طهران ، وهنا يمكن ان نلمح اعترافا ضمنياً بفشل نسبي في التعامل مع ايران الرسمية . الثاني وهو امتداد للملمح الأول اشارة اوباما الي مطلب حرية التعبير وتخفيف او الغاء الرقابة علي الانترنت ، فيما يومئ الي المعارضة الايرانية بإيماءة تشجيع علي مواصلة نضالها ضد النظام القمعي لملالي ايران . بريطانيا بدورها دخلت علي خط العلاقة مع المعارضة الايرانية حين كرر وزير الخارجية ديڤيد ميليباند حديثا شبيها بحديث الرئيس الامريكي اوباما ، فهمت منه الحكومة الايرانية ان لندن تؤيد واشنطن في رسالتها الشفرية للمعارضة وانها تقاسمها حصتها في التعامل مع المعارضة الايرانية لعل هذا الاسلوب يعوض تفكك الجبهة الدولية ضد ايران . استئناف المحادثات الروسية الامريكية في چنيڤ يوم الجمعة الماضي حول الموضوعات المعلقة في مسالة الاتفاقية البديلة دليل آخر علي ان الملف النووي الايراني برمته مجرد صفحة من صفحات المصالح الروسية مهما بدا ضاغطا او ملحّا في واشنطن . هالة العيسوي