[email protected] هكذا تروج البضائع الفاسدة عندما يحسن بائعها تزيينها من الخارج وتزييف الحقيقة التي تنطوي عليها، وهولاء إمامهم الشيطان الذي إعتمد ومايزال علي التزيين والتزييف في كل أعماله التي يبتعلها الناس بسهولة ويستسيغونها لأنها تصادف أهواء لديهم ليست بقليلة، ثم لا يلبثون خلالها إلا زمناً ضئيلاً حتي يروا ما كسبت أيديهم من فساد في الأرض وضلال بعيد، ولم يك جوهر الإيمان إلا نافياً لكل هذه الضلالات التي اشاعها في الأرض الشيطان وأعوانه من الجنة والناس، وليس يؤلمني قدر هذا الذي أراه ويراه معي كل بصير من زيف قد تسرب للاسف الشديد الي صلب الدعوة وما يدعي بين يديها من أناس خلطوا الصالح بالطالح وأطلقوا أهواءهم وما تكتم صدورهم ليزيفوا للناس سوء أعمالهم، وأكاد يهلكني الحزن حين أري هذا الذي يدعوني إلي الطريق المستقيم ويرغبني في الصدق والاحسان وكل عمل صالح وهو يمتلك كثيراً من البراهين علي ذلك من القرآن والسنة، وإذا هو علي نقيض ذلك في ابسط الاشياء التي يدعونا اليها الإيمان ويحثنا عليها دون كلفة أو عناء، فإذا وجدته يخلف موعداً ويغتاب، ويستبق دائماً إلي مكاسب الدنيا بكل ما تحتمل الكلمة من معني، هل يستطيع أحد أن يقف قريباً من مشهد متناقض ولا يشعر بالألم والاحباط يلم به خاصة إذا كان ممن توسم فيهم الصلاح والتقوي، ومما يجرف القلب إلي ناقع الحزن ان تتحول الدعوة إلي الله الي حرفة يمكن أن يدخلها هذا النموذج الذي طرحته دون أن يمر علي مرشح التقييم الصعب والدقيق، فإذانا نجد من يجيد فنون التمثيل وقدرات الجذب المختلفة قد أصبح بين عشية وضحاها نجماً في القنوات الفضائية يدخل عليك في بيتك في أي لحظة وبغير استئذان ويرميك بكل التهم لأنك لم تساهم بأموالك فيما يدعون اليه، ومن هنا نشأت الفوضي واتخذت طريقاً إلي العقول الخاوية والأرواح التائهة، وهذا بالتحديد ما دعاني اليوم لكي أتكلم وقد فاض الكيل وأنا من المقتنعين أن الفكر لا يقرع الا بالفكر، فهل هذا الضلال فكر، وهل كل من جاءنا عبر التلفزيون صاحب فكر، ولكني أعزي هذا كله إلي الفراغ المروع الذي تعاني منه الساحة الإيمانية، وأن مصر علي أن الإيمان والتقوي، مشروع المسلمين الحقيقي الي نبذ هؤلاء الذين اوصدوا الابواب امام الانسان وأحبطوا تطلعه وآماله في رحمة الله، وإذا كان فساد الأخلاق قد ظهر في البر والبحر، فذلك يعني أن هناك تقصيراً واضحاً من الذين يقومون علي الدعوة، خاصة إذا توفرت لها الوسائل العظيمة المتاحة الآن من قنوات فضائية وتكنولوجيا اتصال غير مسبوقة في تاريخ الانسانية، ثم تأتي ، أيضاً إشكالية اخري في سياق مشابه ، وهؤلاء الذين لم يخرجوا بالدعوة من حدود الوظيفة الي براح وفضاء جعله الله واسعاً بقدر عظيمة الدين وجوهره الذي يتعالي عن الصغائر ويسمو به ان تقيده الشكليات والمظاهر الخداعة. وحسبنا اليوم أن فينا من يجاهد بصدق في هذا المعترك الشائك ويدافع عن الأصول الراسخة لمعاني الإيمان وتنقية مجراه العذب من كل أدران وشوب المرجفين، الذين اوصلونا إلي مرحلة صعبة جداً من أختلاط المفاهيم ولبس الحق بالباطل، لقد انتبهنا في أول الطريق إلي أن الله سبحانه إنما يتقبل من المتقين وكان هذا هو المقياس الأول الذي بني عليه تقبل قربان أحد ابني ادم ولم يتقبل من الآخر. ولا يمكن أبداً لعمل صالح مثل الدعوة إلي الايمان أن يأخذ سبيله الي القلوب الا إذا كان صادراً عن قلب تقي يعرف الصدق والوفاء بالعهد وكل الخصال الرفيعة قدرها وهي خصال تعرفها كل الأديان وتقرب صاحبها من التقوي الحقيقية التي تدحض باطل المخادعين، وهم في النهاية لا يخدعون إلا انفسهم. كاتب المقال : استاذ الطب بجامعة الازهر، عضو اتحاد كتاب مصر