الهند كدولة ذات تراث ديمقراطي وممارسة ديمقراطية عريقة وكذلك دبلوماسية مشهود لها بالكفاءة، ومراكز أبحاث لها دورها في اتخاذ القرار، وكقوة عسكريةواقتصادية وتكنولوجية صاعدة، فقد سعت لاعادة التوازن في علاقاتها مع العديد من القوي الدولية. وفي مقدمتها الصين التي زاد حجم التبادل التجاري إلي عشرين مليار دولار عام 8002، ويتوقع ان يصل إلي 03 مليارا بنهاية عام 0102، ومع باكستان سعت للحد من التوتر، ومع إيران سعت للحصول علي أهدافها في النفط والغاز والاستثمارات ومع دول الخليج نفس الشيء، بالاضافة للعمالة الهندية وهي أكبر الجاليات الأجنبية في دول الخليج، ولها دور بارز في العديد من المجالات الاقتصادية. ومع مصر حرصت الهند علي التعاون السياسي وعلي التركيز بدرجة أكبر علي تطوير استثماراتها مع مصر، وزيادات حجم تجارتها والتي بلغت 4.3 مليار دولار عام 9002. هذه لمحات عن تطور العلاقات الهندية بين العرب وإسرائيل وهي تؤكد علي خمس حقائق: الأولي: ان السياسة هي لغة المصالح وليست بالضرورة لغة المباديء التي مجالها الأخلاق والدعاية أو الدبلوماسية الساذجة والقيادات غير الواعية لطبيعة العلاقات الدولية وعبر العصور. الثانية: ان الهند حرصت علي تعزيز مصالحها وتطورها ومكانتها الدولية بتوازن دقيق ومع أولويات متنوعة عبر المراحل الثلاث، ففي مرحلة المد الوطني التحرري وقوة العرب كانت أقرب لمصر وللدول العربية، وقضية فلسطين، مرحلة التراجع العربي القومي اتجهت الهند للخليج لصعود قوته، ولإسرائيل لتزايد مكانتها الدولية والتكنولوجية، وفي مرحلة الهيمنة الأمريكية أقامت معها شراكة استراتيجية مع الحفاظ علي علاقات طيبة مع الاتحاد الروسي أما في مرحلة المد الوطني التحرري وعدم الانحياز، فكانت العلاقات الاستراتيجية الهندية مع الاتحاد السوفيتي وفي نفس الوقت اقامت علاقات اقتصادية وتجارية جيدة مع الولاياتالمتحدة، رغم انه في المجال السياسي كان يشوبها التوتر من حين لآخر لاختلاف الأهداف الدولية والاقليمية والوطنية لكلا الدولتين. الثالثة: ان السياسة الهندية تتحرك في إطار مصالحها ومع تحرك وتوجهات السياسة الدولية ومراكز القوة الدولية والاقليمية وهي تعتمد علي مؤسسات عريقة اقامتها الدولة منذ استقلالها أكثر من اعتمادها علي الافراد أو الزعامات، ومن ثم فإذا رغبت مصر أو الدول العربية ان تعيد مكانتها في العلاقات مع الهند فعليها ان تطور من فكرها الاستراتيجي وان تبني قوتها الاقتصادية والعسكرية والعلمية والتكنولوجية حتي يكون هناك قاسم مشترك حقيقي ومصلحة متبادلة بين الطرفين، كما هو حادث الآن في متانة العلاقات الهندية الإسرائيلية التي ترتبط بالمصالح الوطنية لكل من الدولتين. الرابعة: انه من الضروري ألا تفقد مصر خاصة والعرب عامة الهند بل لابد من تفعيل الحوار الاستراتيجي معها في إطار المصالح المشتركة والتعاون المشترك في الساحة الدولية ومحاولة تقليل نسبة الاختلاف وتوسيع دائرة الاتفاق فالهند هي احدي الدول الصاعدة في القرن الحادي والعشرين ومن مصلحة أي دولة ان تدعم علاقاتها بها. الخامسة : ان النموذج الهندي في التقدم هو نموذج فريد يسير في توجهات متوازية وإلي حد ما متوازنة فالتنمية فائقة التقدم تسير جنبا إلي جنب مع التخلف والفقر المدقع احيانا. الهند دولة نووية وتنتج أسلحة متطورة وتكنولوجيا متقدمة وهي علي استعداد للتعاون مع مصر والعرب شريطة توافر الظروف الملائمة وتفعيل العلاقات وتكثيف الزيارات علي مستوي رفيع وعلي مستوي المنفذين بجدية ومصداقية وهذا ما ينبغي ان يكون عليه موقف اية دولة جادة تبحث عن مصالحها وتسعي إلي تعزيز علاقاتها الدولية. ان دراسة حجم الاستثمارات الهندية في مصر نجدها أكبر من حجم استثمارات دولة كبري اخري في آسيا وهذا ربما مرجعه اعتياد رجال الأعمال المصريين والهنود علي بعضهم البعض والعلاقات التاريخية الوثيقة والتشابه الحضاري بدرجة جعل التراث الهندي وخاصة قصص كليلة ودمنة وكثير مما ورد في الأغاني للأصفهاني والمؤرخ العربي المشهور البيروني والذي لابد ان يقرأه كل من يريد ان يتعرف علي الهند في العصور الوسطي كما ان عامل القرب الجغرافي لعب دوره في هذا الصدد. ولكن من مناقشات مع سياسيين هنود ودبلوماسيين ورجال أعمال نلمس أربعة أمور: الأول الاستعداد للتعاون مع مصر بدرجة كبيرة، واعجاب هندي بالحضارة المصرية وبالتاريخ المصري القديم وفي عهد المد القومي العربي وانبثاق حركة عدم الانحياز. الثاني: ان هناك مجالات عديدة للتعاون التكنولوجي والعلمي ولكنهم يتطلعون لاستعداد مصر وانفتاحها الحقيقي علي الهند. الثالث: استعداد الهند لضخ مزيد من الاستثمارات الهندية في مصر في إطار من التعاون الذي يحقق مصالح الطرفين. الرابع: عتب هندي علي مصر لقلة الزيارات علي مستويات عليا للهند رغم ان كثيرا من قادة الهند زاروا مصر في السنوات السابقة وينبغي الا ننسي ان الهند بلد ديمقراطي يمكن لمصر الاستفادة من تجربته في الانتخابات الحرة النزيهة وفي تناوب السلطة بين الاحزاب السياسية المختلفة، ويقوم النموذج الهندي في الإدارة علي التوازن بين الحكم المحلي والعاصمة وبين المركزية واللا مركزية.