تربطني بالأديب الكبير جمال الغيطاني صداقة منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي فهو أحد اساتذتي الذين تعلمت فنون الكتابة علي أيديهم رغم انه يكبرني ب 7 سنوات فقط »جيمي« كما يحلو لي ان اناديه جعلني اعيش وكل اصدقائه في حالة قلق بعد ان »رأيناه« علي شاشة التليفزيون، وعلي الهواء يصاب بانتكاسة صحية فجائية استدعت نقله علي الفور إلي غرفة الانعاش بالمستشفي في حلقة الهواء بالتليفزيون المصري حيث كان ضيفا عليها. في المستشفي اتضح الأمر، فجمال يحتاج إلي عملية جراحية جديدة تعيد الحياة لقلبه المعتل وكانت تعليمات الطبيب المعالج بسرعة السفر لاجرائها في أمريكا دون تردد!! عرفت صديقي جمال قويا في إرادته عنيدا في مواجهة الصعاب ولكني هذه المرة رأيت جمال إنسانا آخر جعلني قلقا عليه لدرجة انه كتب يوميات الأسبوع الماضي والتي تنشرها جريدة الأخبار صباح كل أربعاء وعنونها بكلمة »سلام« وكأنه يريد ان يقول لنا انه أكثر منا قلقا علي المجهول الذي هو قادم عليه بالعملية الجراحية التي رأي الاطباء اجراءها له علي وجه السرعة. حاولنا بكل الجهد طمأنة الأديب الكبير ابن اخبار اليوم بأن الأمر سيكون بمشيئة الله فيه الخير وأنه سيتجاوز الخطر بل طمأنه الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي ان الأمر لن يتعدي مجرد اجراء توسيعات للشرايين سيعود بعدها معاف باذن الله ولكنه ظل علي قلقه. حان موعد السفر صباح الاربعاء الماضي اصر جمال ان نذهب للمطار انا وهو من السابعة صباحا مع ان الطائرة ستقلع في العاشرة والنصف وانهينا اجراءات السفر علي وجه السرعة ثم توجهنا للاستراحة انتظارا لاقلاع الطائرة. حاولت قدر جهدي ألا أكون متوترا مع ان بداخلي شعور خفي حاولت الا اظهره بالخوف علي جمال زاده يومياته التي كانت منشورة في صباح نفس اليوم، سألني جمال هل قرأتها وقلت له ليس بعد ثم احضرت الجريدة من مكتبة الاستراحة ولأول وهلة وجدتني اقرأ عنوانها.. سلام وبلا شعور وجدتني اقول لجيمي لماذا هذا التشاؤم! العنوان فيه ثورية غريبة عن شعور لجمال عن حالته وما ينتظره ووجدتني اقول له تفاءل بإذن الله ستعود بسلامة الله ولا داعي لأن تحمل معك في هذه السفرة كل هذا الحجم من القلق.. هذه الحالة ما هي الا نتاج للحالة النفسية التي تعيشها منذ فترة نتيجة للقلق الناتج عن مرض رفيقة العمر السيدة ماجدة »زوجته«. امسك جمال بالتليفون المحمول ليرد علي احدي المكالمات من صديق وصديقة يطمئنان عليه وبعد الانتهاء من المكالمتين امسك بالتليفون يستعرض الرسائل التي وصلته رسائل بالمئات تعبر عن حب ودعاء ان يمن الله عليه بالشفاء. في كل مرة يجري فيها جمال مكالمة أشعر وكأن الدموع ستنهمر من عينيه ولكنه يتماسك في آخر لحظة ثم اخرج التليفون وقال تيجي نطلب الخال الأبنودي وقلت له قد يكون مازال نائما فالساعة كانت التاسعة صباحا ولكنه قال: نحاول وجاء رد الخال عليه كالبرد والسلام ليطمئنه. وجاءت لحظة السفر والنداء علي الطائرة واحتضنت جمال وإذا بالدموع تغلبني وتغلبه ليقول لي كنت فاكر انك اجمد من ذلك وقلت له تعود لنا بالسلامة كل التمنيات بالشفاء لصديقي جيمي وليعذرني فلم استطع ان اغالب دموعي في لحظة سفره ولكني سأستقبله بنفس الدموع ولكنها للفرح عند العودة.