نصل الي السؤال الثالث في بناء منهجية للمقارنة بين الخبرات التنورية المختلفة في كل من السعودية وتونس وسوريا فنبحث في اعادة تأهيل قوي الدولة لنزع الصفة السلطوية عن منطق الدولة وممارساتها وبالتالي تجد الدولة مصادر جديدة لقوتها غير التسلط والقهر. هذا السؤال هو جزء، للتذكرة ، من خطة واستراتيجية بحثية لتخدم هدفين اولهما، الي تقييم ممكنات التنوير المختلفة في كل حالة من الحالات الدراسية الثلاث، وثانيهما، التقدم برؤية ناحية بناء فعل للعمل التنويري العام في البلدان العربية اخذا في الاعتبار مقتضيات نمط تفاعل العلاقات بين الدولة والمجتمع في كل دولة من الدول العربية. الاسئلة البحثية هي: 1- البحث في العوائق التي تعوق وتأسر الصراع الاجتماعي العام من اقامة اتصال مدني فعال بين الدولة والمجتمع. 2- البحث في بناء الفرص التاريخيه لاصلاح العلاقة بين الدين والسياسية بحيث لا يتم استعمال احدهما كشرط للاخر او مبرر له. 3- البحث في اعادة تأهيل قوي الدولة لنزع الصفة السلطوية عن منطق الدولة وممارساتها ، وبالتالي تجد الدولة مصادر جديدة لقوتها غير التسلط والقهر. نقترب من هذا السؤال بطرح اشكاليين من داخل التقاليد البحثية في فرع الثقافة السياسية، من ناحية، ومن داخل التقاليد البحثية في فرع التنمية السياسية وما يرتبط بها من بناء انماط من السياسات العامة من خلالها، من ناحية اخري . الاشكالية الاولي نبحث من خلالها في بناء نظام عام او فلسفة عامة لنظام الحكم يقوم علي التعدد المفتوح، بينما الاشكالية الثانية ترتبط ببناء قدرات توزيعية للنظام السياسي تسمح بتخصيص ديمقراطي مستمر من خلال فاعليات السياسة العامة. عدنا نتحدث في الحالة السعودية عن الاشكالية الاولي وهي الصراع حول بناء نظام عام مدني. يذكر أن الدولة السعودية الثالثة بدأت في 15 يناير 1902 وبدأ مؤسسها الملك عبدالعزيز في توحيد البلاد في إطار دولة سعودية حديثة تعيد المناطق والأقاليم التي كانت تابعة للدولة السعودية الأولي والثانية، واستمر حكمه إلي عام 1953. وعهد الملك عبدالعزيز ينقسم إلي قسمين خلال مدة تزيد عن 50 عاما ، بالنسبة للقسم الأول من عام 1902 إلي عام 1924 ولم تكن هناك حركة نشر ملحوظة في الدولة السعودية، لأن البلاد كانت مشغولة بالعمل العسكري والأمر الثاني لم تكن هناك وسائل للطبع والنشر، أما بعد عام 1924 الذي تزامن مع انضمام الحجاز إلي الدولة السعودية فالوضع اختلف بسبب نهاية الأعمال العسكرية وظهور وسائل النشر. و كانت توجد مطابع وصحف قائمة في كل من مكةالمكرمةوالمدينةوجدة، ومن المعروف أن وسائل النشر قد بدأت تظهر في الحجاز منذ عام 1908 ميلادية وذلك بصدور أول جريدة في الحجاز وهي جريدة حجاز العثمانية، ثم صدرت صحف في أواخر العهد العثماني والعهد الهاشمي أخرها صحيفة القبلة. خلال الربع قرن هذا بدأ في الحجاز عام 1924 وإلي نهاية عهد الملك عبدالعزيز والذي يمثل بداية النصف الثاني من عهد عبدالعزيز الذي استمر إلي عام 1953ومرورا بعام توحيد المملكة عام 1932 ظهرت أكثر من11 صحيفة ومجلة سعودية بعضها لايزال حتي اليوم منها المدينة والبلاد وأم القري ومجلة اليمامة، وصدرت بعض من أمهات الكتب في الأدب السعودي وبعضها يعد من الكتب الرائدة التي بقي تأثيرها وأهميتها إلي اليوم مثل كتب محمد سرور الصبان وكتب محمد حسن عواد وحمزة شحاتة. هذه الاسماء اشعلت موقد التنوير السعودي. نحن نتصور أن تلك الفترة كانت بها محافظة كبيرة ، نعم، ولكن كان هناك ايضا محاولات وكتب تنويرية حثيثة كان اصحابها من أبرز رموز التنوير في العهد السعودي كله وليس فقط في عهد عبدالعزيز، لأنهم تحدثوا عن قضايا سياسية واجتماعية بكل صراحة ، وتحدثوا عن المرأة والمشاركة السياسية. بعد الخمسينات و توفي الملك عبدالعزيز عام 1953 ظهرت كتب تثير الجدل والاهتمام مثل مؤلفات محمد حسن عواد وعزيز ضياء وحمد الجاسر، وعبدالله عبد الجبار وهي الكتب التي أثارت ضجة فكرية الا ان مناخ القطبية الثنائية العالمي الذي قاد المملكة ساهم في احتوائها وتقييدها. تفيد القصص المتداولة في السعودية أن هناك من أرسل إلي الملك عبدالعزيز يطالب برأس محمد حسن عواد أو سجنه علي الاقل أو نفيه بسبب افكاره، إلا أن الملك أحال الرسالة إلي نائبه في الحجاز آنذاك-الأمير فيصل- فكان رده أن الفكر يقارع بالفكر. يذكر أن من اشهر كتب محمد حسن عواد "خواطر مصرحة" وفي الصفحة 113 من الأعمال الكاملة يقول "كم جلبت لنا من المصائب تلك العمائم المشيدة فوق الرؤوس"، وأخذ عليه منتقدوه أن لديه غلوا في مديح الغرب، كما أنه في الجزء الثاني من خواطر مصرحة يقول للنساء "زحزحن بأيديكن الحجاب الدخيل علي عادات العرب ومبادئ الدين". الملك عبدالعزيز كان متنورا وأسس التعليم المدني قبل الديني ، وقال الملك : "أنا بحاجة إلي رجال يعرفون كيف يكتبون في الصحافة". ويستمر التحليل.