وقبل ان ندخل للاجابة علي السؤال الثالث في سياق بناء منهجية للمقارنة للخبرات التنويرية في العالم العربي كما تظهر في العربية السعودية وتونس وسوريا والمتصل للبحث في اعادة تأهيل قوي الدولة لنزع الصفة السلطوية عن منطق الدولة وممارساتها وبالتالي تجد الدولة مصادر جديدة لقوتها غير التسلط والقهر، ننهي الاجابة علي السؤال الثاني والمتصل بفرص اصلاح العلاقة بين الدين والسياسة والذي نعرفه بأنه لا يستخدم احدهما شرطا لوجود الاخر ومبررا له. ومقولة لدينا ان العلاقة بين متغير الفهم الفقهي للدين ومتغير الفهم الوظيفي للسياسة تسمح بنمو العربية السعودية كنموذج لتعاظم قوي السلطة المنظمة التي تأخذ شكل الدولة، ربما لهذا كان من السهل نسبيا للمملكة التطور علي طريق العصرية والحداثة الذي يولد التنوير كاطار مدني للحكم والدولة. ومؤشر ذلك الحاسم في الاتجاه الي ذلك يكون في اعتقادي في كيفية التطور في التعامل مع قضايا النوع او في قول اخر التعامل مع النساء وقضاياهم. فتاريخ المملكة الفقهي للدين قام علي احتكار قضية التعامل مع قضايا النساء فقط في إطار مذهبي ضيق وصارم. اذن كلما رأينا موضوع النساء يتحول الي ان يصبح موضوعا من موضوعات الفهم الوظيفي للسياسية كلما شاهدنا تكاثرا للمشاهدات التي تعبر عن التحرر نحو الاستقلالية وبالتالي التنوير الذي يفترضه الاطار المدني للحكم والدولة. ولنضرب مثلا من منطقة القصيم. تعتبر منطقة القصيم في المملكة منطقة عزيزة التشدد في التمسك المذهبي الضيق والمتمثل في الهدر الكاسح لحقوق المرأة بشكل شامل. فمن ثلاثين عاما مضت بلغ عدد السيدات العاملات في منطقة القصيم بحسب إحدي الدراسات الرسمية 804 فقط حصد القطاع التعليمي النسبة الأكبر منهن، مقابل 34 ألف امرأة لا تعمل، أي ما يعادل 28 ألف ربة منزل. من ابرز ملامح العقود الماضية عدم حماسة منطقة القصيم، وحتي بداية تعليم البنات، في تسجيل حالات مواليد الإناث لديها مقارنة بالذكور، حيث لم تشكل لدي رجال القصيم أهمية بالغة شهادة الميلاد للفتاة نتيجة شح مشاركتها العملية، علي عكس ما هو ذكر . الان استعادت المرأة القصيمية ملكتها التجارية التي ورثتها أبا عن جد، فبات زائر القصيم لا يغيب عن ناظره افتراش ستينيات وسبعينيات بضائعهن وسط سوق قبة رشيد وبين أروقة سوق مسوقف. وكأن لسان حالهن يقول اعادة ذكري الماضي والتي شهد لها أحد الرحالة الاوربيين بأن من بين أولئك الجالسين الذين يبيعون الخضراوات هناك الكثير من النساء، فقال ان " دمشق ليست علي هذه الدرجة من التحضر"، في إشارة إلي موقع المرأة الفاعل مبكرا، حيث كانت شريكة في السوق والتجارة والحضارة،. تمكنت المرأة من محافظات ومدن القصيم من التغلب علي مسألة اختلاط الديني بالاجتماعي بالأخلاقي. وعادت بقوة الي وسط مركز المال والأعمال رسخت خطواتها وسط جيوش العقاريين والمستثمرين والتجار الذين شَهرت بهم منطقة القصيم. كان صدور قرار وزارة التجارة 2009 الذي نص علي " المساواة بين المرأة تماما في نشاطاتها الاستثمارية مع الرجل" اقطاعا مؤلما لممارسة اجتماعية احتكارية من جانب الرجل لعقود طويلة. تمتعت المرأة في القصيم وعلي مختلف مراحل تعليمها برغبة في الاستثمار والاتجار كما ظهر لها حماسة إلي تحديث وعيها الاستثماري في محاولة لمواكبة التغيرات العصرية والخروج بأفكار استثمارية وتجارية تتميز بجرأتها إلي العلن بعد الحجر عليها لسنوات عديدة، لتمتد استثماراتها في أعوام قليلة إلي المجالات التعليمية والصحية بتخصصات مختلفة بالإضافة إلي إنشاء نواد رياضية وتأسيس وإدارة مصانع من بينها مصنع للوجبات الخفيفة. الامر الذي جعل المراة في القصيم ومن كافة المحافظات رقما مهما ولاعبا أساسيا علي الساحة الاستثمارية السعودية وقطاع المال والأعمال، والذي برز مثلا من خلال تأسيس "مركز سيدات الأعمال" في بريدة منذ عام 2008 ضمت سجلاته أكثر من 2000 رخصة استثمارية بأسماء النساء بعد أن عاني من حظر لفترة طويلة . وتذكر رئيسة " جمعية عنيزة الخيرية" الاستاذة فاطمة التركي ، والتي أنشأت حاليا جمعيتها في منزلها الخاص، عقب أن اقتطعت منه طابقا خاصا للجمعية، ما واجهته من رفض اجتماعي ورسمي لتأسيس جمعيتها خلال الثلاثين عاما الاخيرة. وتم اتهامها منذ بداية نشوء الفكرة بتهمة إخراج المرأة من منزلها . عادت الاستاذة فاطمة التركي ذات الطلب عقب خمسة أعوام، إلا أن التحفظ كان ذاته مع اتهامات بالعمالة لقوي خارجية، ورميها بالعلمانية واستيراد أفكار دخيلة علي المجتمع. وبعد التحفظ 3 مرات متتالية علي طلب إنشاء الجمعية جاءت اخيرا العام السابق الموافقه من قبل المحافظ الجديد للمنطقة. ومثلا آخر نجده في تأسيس دار الحماية "عون" في بريدة التابعة للجنة الحماية الاجتماعية الخاصة بوزارة الشؤون الاجتماعية ، والتي تقوم عليها عدد من المختصات النفسيات والاجتماعيات. كما اسست الجمعية التعاونية "حرفة"، والتي أسستها حرم أمير منطقة القصيم مؤخرا لتأهيل المرأة في القصيم من كافة الأعمار والمؤهلات وخاصه التي لم تلق حظا من المهارة او التعليم . استهدفت الخطوة إيجاد فرص عمل مختلفة لعدد كبير من السعوديات ومصدر رزق مستمر طوال العام لأعمار مختلفة من خلال إتقان مهن حرفية مختلفة من صناعة الأغذية الشعبية والتطريز بموضة عصرية ، ساعدت في إعالة أسر كاملة من خلال العمل في مصانع الأغذية والتغليف وغيرها، بالإضافة إلي دورها في مساندة مفهوم الأسر المنتجة. ونستمر في التحليل.