في اسباب تشتت التنوير ووتزقه وانحرافه في العالم العربي كما يظهر في الحالة السعودية يأتي السؤال الثاني المتعلق في البحث في بناء الفرص التاريخيه لاصلاح العلاقة بين الدين والسياسية بحيث لا يتم استعمال احدهما كشرط للاخر او مبرر له. في هذا السياق نقول: تأتي العلاقة بين متغير الفهم الديني ومتغير الفهم السياسي، نظريا وتحليليا، في اربع مجموعات من العلاقات، وهي: اولا، هيمنة التصور الفقهي للدين علي التصور الوظيفي للسياسة، ثانيها، هيمنة التصور الوظيفي للسياسة علي التصور الفقهي للدين، ثالثها، الانفصال المؤسسي النسبي للتصور الفقهي للدين عن التصور الوظيفي للسياسة، رابعها، محدودية وتغير كل من التصور الفقهي للدين والتصور الوظيفي للسياسة في اطار مدنية الحكم والدولة. دعني اشرح ديناميات التطور الداخليه لهذه المجموعات من العلاقات من حيث كيف يبزغ التنوير كأساس للاصلاح للعلاقة بين الدوله والمجتمع، وهذا علي النحو التالي: 1- يعرف متغير الفهم السياسي باعتباره المتعلق اساسا بعمليات الحكم في السلطة السياسية التي في نضوجها تظهر كنظام سياسي، ويعرف متغيرالفهم الديني باعتباره متعلقا جوهريا بعمليات الحكم الفقهي علي مختلف مظاهر الحياه في المجتمع، 2- في التاريخ الاسلامي للعالم العربي ظهرت الثلاث مجموعات الاولي من العلاقة بين التصور الوظيفي للسياسة والتصور الفقهي للدين. هذه الحالات الثلاث لم تفسح الطريق بل عملت في بعض النواحي واثبتت نفسها كعائق رئيسي لبزوغ المجموعة الرابعة للعلاقات بين المتغيرين، 3- في اطار المجموعة الرابعة للعلاقات بين المتغيرين التي تظهر في ظلها عمليات التنوير كاطار مدني للحكم والدوله يتم فهم التنوير كعمليات مستمرة للنقد الذاتي والاجتماعي من منظور السياسات العامه، هذه العمليات تفترض عند استمرارها، بلوغها مستوي من الرقي والتعقيد، وان تؤدي الي بعث الحياه في المجتمع والدولة كحياة نسبيه بشكل عام وفي فهم تجليات المتغيرين، بالاضافة الي وضوح محدودية اثر المتغيران علي السياق العام لتطور الدولة والمجتمع. بعبارة اخري، يكون استمرار التنوير شرطا متساوقا لاستمرار مدنية الحكم والدوله، هذا في ضوء فهم الشرط المتساوق باعتباره الشرط الذي الذي لا يربط بين المتغيرين كسبب ونتيحة متلازمين بالضرورة موقفيا فحسب، ولكن ايضا الذي يقوم باعتبار هذا التلازم يبتعث في اوصال العلاقه ديمومه تراكمية تولد نتائج تفاعلية، بحيث تتحول الضرورة الموقفه الي حالة تبدو دائمة وطبيعية، 4- والسؤال الان كيف يتم الانتقال من حالة احدي حالات المجموعات الثلاث الي حالة احدي حالات المجموعة الرابعة للعلاقات بين المتغيرين؟ بالطبع هناك متغيرات تاريخية وموقفية عدة ومتعددة، ولكن دعني من منظور تنوير السياسات العامة اقول بضرورة وجود متغيرين متداخلين رئيسين مع استمرار عملهما يولد اثرهما وينمو فتتم هيكلة العلاقة ناحية تبزع حالة من حالات المجموعة الرابعة وتتطور. المتغيراين المداخلان اللذان يتدخلان بين الاسباب والنتائج فتتغير النتيجة الاجمالية والنهائية، هما، اولهما، متغير القياده-الخبة الاستراتيجية، ثانيهما، ومتغيرالفرصة الهيكلة الاقتصادية الدولية. بعبارة اخري، اننا هنا ننقل، وربما لاول مرة، في الفهم العربي للتطور التاريخي في العالم العربي والاسلامي من مجال الاسباب والنتائج الي مجال الاسباب المتداخلة الرئيسية كأساس للتطور ناحية التنوير كاطار مدني للحكم والدولة، علما ان الدولة هنا نفهمها كهيكل مجتمعي ممتد للسيطرة علي الموارد العامه باشكالها المختلفه ولتنظيم الموارد الخاصة في احوالها المتعددة، 5- في قول اخر، اذا نظرنا للعربية سعودية نجد ان العلاقة الفهم الفقهي للدين والفهم الوظيفي للسياسة دارت تاريخيا لتماثل نماذج هيمنه التصور الوظيفي للسياسة علي التصور الفقهي للدين، ويمكن القول بانه منذ حروب الردة عن الرسالة الالهية لسيدنا محمد علي الصلاه والسلام سارت العلاقة بين المتغيرين وفق هذا النمط العام. وان جريان منطق او نمط هيمنه التصور الفقهي للدين علي التصور الوظيفي للسياسيه كان في الاغلب الاعم يأتي في سياق الاعتراض الفقهي علي السلطه السياسية. بعبارة مختلفة ، ان السلطة السعودية كانت منذ اللحظة الاولي لابنبعاثها في سياق عملية سياسية واسعة النطاق بقصد السيطرة علي المجتمع مستخدمة في ذلك المقولات الفقهية المذهبية، فلم تكن السعودية تاريخيا تماثل دول الزنج والقرامطة والفرق الشيعة المختلفه التي كانت تعكس هيمنه التصور الفقهي للدين علي التصور الوظيفي للسياسة. وهذا ايضا يتوافق مع ما خلصنا اليه في ضمن الاجابة عن السؤال الاول عند القول بان: العربية السعودية في مقولة مختصرة من الناحية التاريخية يتضائل فيها العنصر المدني سواء المسلح او الديني لصالح تعاظم قوي السلطة المنظمة التي تأخذ شكل الدولة، وهذا بخلاف مع معظم الحالات العربية التي نلاحظ في الكثير منها محاولات لنمو قوي المجتمع في مواجة بيروقراطية الدولة المسيطرة. ربما لهذا كان من السهل نسبيا للملكه ان تتطور الي العصرية والحداثة بينما اختفت الدول المذهبية الاخري في التاريخ الاسلامي. والسؤال الان هل يمكن للملكه ان تطور الي حالة من حالات التنوير كاطار مدني للحكم والدولة؟ اعتقد ان المملكه ضمن مجموعة الدول العربية القريبة الي ذلك. تفصيل ذلك في المقال القادم.