كان غريباً أن تتابع بعض الفضائيات العربية زيارة الرئيس مبارك للجزائر الشقيقة لتقديم واجب العزاء للرئيس الجزائري في وفاة شقيقه، فإذا بها حريصة كل الحرص علي التأكيد أن المشاكل بين القطرين الشقيقين باقية، و أن الخلافات لم تحل، و أنها لن تحل في مستقبل قريب أو بعيد كما تري هذه الفضائيات.. أو كما تتمني!! مجرد ملاحظة ضمن ملاحظات كثيرة علي أدوار مشبوهة قد نتحملها عندما تكون الخلافات علي سياسات بين حكومات وأنظمة، و لكن الأمر يختلف حين يتم استغلال أخطاء هنا او هناك لزرع الفتنة بين شعوب جمع بينها التاريخ و الثقافة و الهوية العربية والنضال المشترك أجيالاً وراء أجيال.. ثم حين يريد »البعض« تثبيت هذا الوضع وضرب كل محاولة لتصحيح الأخطاء و إعادة العلاقات إلي طبيعتها بين الأشقاء. و لا أريد هنا أن أنكأ الجراح بالحديث عن أخطاء وقعت هنا و هناك و قادت إلي أزمة تجاوزت كل الحدود، و لا أريد أيضا أن نتصرف و كأن كل ما حدث قد تم تصحيحه، بل علينا أن نتصرف (علي الجانبين) منطلقين من ان باباً واسعاً لاستعادة الأوضاع الطبيعية قد انفتح، و ان علينا جميعاً أن نبذل كل الجهد في هذا السبيل، و أن نستوعب الدرس مما حدث، و نحرص علي ألا يتكرر مرة أخري. إن الخلافات في السياسات بين الحكومات و الأنظمة العربية أمر طبيعي، و المطلوب أن تكون هناك أداة لحل هذه الخلافات داخل البيت العربي و لعل هذا ما يتم بحثه الآن ضمن الجهود التي تبذل لإصلاح الجامعة العربية.. لكن الأخطر الذي تنبهنا إليه الأزمة التي وقعت بين مصر و الجزائر هو زرع الفتنة بين الشعوب العربية و تدمير جسور المودة بينها , و خلق المناخ الذي يمكن فيه لمباراة كرة أن تقود شعبين شقيقين إلي أزمة يغيب فيها العقل و توضع المسئولية في يد تحالف الجهل و التعصب والتضليل الإعلامي ليتحول الأمر إلي صفحة سوداء في العلاقات العربية نرجو أن نطويها قريباً... ليس فقط بأن تتم مباريات الكرة القادمة )وأولاها المنافسات بين الأهلي و الإسماعيلي و الشبيبة الجزائري ضمن بطولة أندية إفريقيا) في المناخ الرياضي اللائق بلقاءات الأشقاء، و لكن بمراجعة المواقف التي انساقت إليها أطراف ما كان لها ان تقع في هذا الفخ من المثقفين و الفنانين والمبدعين و قادة الرأي علي الجانبين، و الذين تناسوا دورهم الحقيقي في التعبير عن ضمير شعوب عربية ليس لها مستقبل حقيقي إلا من خلال تضامنها ووعيها بأن عروبتها ليست وهماً كما يردد أعداؤها، و ليست قيداً يقيد حركتها أو يعرقل تقدمها... بل العكس هو الصحيح، فالعمل المشترك هو القادر علي تحقيق مصالح كل العرب، و التكامل بين الأقطار العربية كان و سيظل ضرورة حياة لتوفير الأمن و الاستقرار و التقدم لها جميعاً.. لقاء مصر و الجزائر هام و ضروري... و الحوار السياسي بينهما لابد ان يتواصل، و التعاون الاقتصادي لابد أن يتدعم، ولكن ذلك ينبغي ألا ينسينا جانباً أساسياً سبق ان دعوت إليه في عز الأزمة و عندما كان المتعصبون من الجانبين يتحدثون بلا مسئولية عن الخصومة و المقاطعة.. و قلت يومها ما ينبغي أن يتكرر اليوم و غدا، و هو الحاجة الي المزيد من العلاقات و الحوار المتواصل بين الهيئات و النقابات و الجماعات المدنية و بين الكتاب و المبدعين و الفنانين في القطرين الشقيقين، و في كل الأقطار العربية... ليس فقط لتجاوز تلك الأزمة و إنما لمحاصرة اتجاهات تدعو للعزلة و تتنكر للعروبة و تضع العراقيل أمام أي عمل عربي مشترك، حتي بعد أن أدركت كل الأقطار العربية أنها في غيبة العمل العربي المشترك لا يمكن أن تحقق تقدماً حقيقياً، ولا ان تضمن أمنها و استقرارها، و لا أن توقف العربدة الإسرائيلية، أو تمنع تسابق القوي العالمية و الإقليمية علي ملء الفراغ في الساحة العربية و الذي ينبغي ألا يملأه إلا العرب أنفسهم ! لقاء مصر و الجزائر هام و ضروري... ليس لنداوي جراحاً حدثت، ولا لنؤمن مباريات كرة، و لكن لأنه يخلق قاعدة أساسية لعمل مطلوب من الدولتين معا في مواجهة تحديات هائلة سواء في البحر المتوسط الذي ينبغي أن يتأكد فيه الوجود العربي في مواجهة أطماع إسرائيل و حلفائها، أو في إفريقيا حيث مخاطر التقسيم و الإرهاب و حروب المياه تهدد دول الشمال العربية الإفريقية.. و من اجل هذا لن تسعد قوي كثيرة بأي لقاء بين مصر و الجزائر، وسوف تواصل وضع العراقيل أمام اللقاء كما سبق لها أن فعلت، و كما ستفعل أمام أي جهد لتصفية الخلافات العربية.. المهم أن نعرف ذلك و ان نواجهه بحسم و بيقين انه لا مستقبل لمصر إلا داخل دائرتها العربية، ولا تقدم أو استقرارا عربيا حقيقيا إلا بدور مصري فاعل لا يمكن تقدير حجم الخسائر التي تلحق بمصر و بالعرب حين لا يتحقق علي الوجه الأكمل! آخر كلام ربما كانت هذه الدورة هي الأضعف بين دورات كأس العالم لكرة القدم، اختفي النجوم مثل " ميسي " و كاكا" و"رونالدو "، و خرجت قوي كروية كبري من الأدوار الأولي مثل ايطاليا و فرنسا و انجلترا، ثم رحلت البهجة و الإثارة مع رحيل البرازيل و الأرجنتين، و هو خروج كان متوقعاً بالنسبة لي ولكن ليس من دور الثمانية بالنسبة للبرازيل علي الأقل.. لا أظن أن شيئاً سيتغير في الدورات القادمة إلا إلي الأسوأ... فالتوقيت اذا لم يتغير يعني ان يشارك اللاعبون مع منتخبات بلادهم بعد أن استنفدوا طاقتهم في موسم طويل مرهق مع أنديتهم يلعب فيه بعض النجوم سبعين مباراة في بطولات قوية و منافسات حاسمة..و الولاء لعلم البلاد لم يعد كما كان، بل أصبح بعد الولاء للنادي الذي يدفع الملايين، خاصة في الدول الفقيرة التي لا تملك تأمين نفقات الفريق او مكافأته.. فإذا أضفت إلي ذلك أن الحكاية كلها قد تحولت إلي »بيزنس« يتم فيه استثمار مليارات الدولارات، هو الذي يختار الكرة التي يتم اللعب بها حتي لو اشتكي منها الجميع، و هو الذي يختار الحكم حتي لو احتسب هدفاً تم تسجيله باليد او من تسلل واضح، فإن السؤال الذي يبقي هو: هل تستمر سطوة الأندية مدعومة ب »البيزنس« الذي أقام صناعة كاملة تستثمر فيه أموال طائلة، أم ان السياسة ستتدخل لتعيد للدولة بعض الهيبة و النفوذ خاصة بعد أن أصبحت الكرة جزءاً من اللعبة السياسية التي لم تعد تقتصر علي الدول الصغيرة أو النامية، بل أصبح الجميع يدرك تأثيرها علي الشعوب التي تعشق الكرة و تري فيها متعتها الأولي او فخرها الوطني ؟! كنت أتابع العزيز جمال الغيطاني و هو يتحدث في التليفزيون مع الزميل خيري رمضان.. انتابني القلق و أنا اسمع صوته. حاولت ان أطمئن نفسي بأن السبب قد يكون عطلاً في الميكرفون، ثم حاولت الاتصال به بعد البرنامج و كان هاتفه مغلقاً.. في الصباح علمت بالوعكة التي أصابته، و بأن المهندس أسامة الشيخ مشكوراً انتبه للامر في الوقت المناسب و تم نقل جمال الي المستشفي.. و هو مازال تحت الرعاية الطبية كان يسألني إن كان ما أراد أن يقوله في البرنامج التلفزيوني قد وصل إلي المشاهد، و كنت أطمئنه أن الرسالة الصادقة تصل دائماً إلي هدفها.. لهذا تحيطه قلوب الجميع و هي تحمد الله علي سلامته..