وضع الرئيس الأميركي باراك أوباما بصمته الشخصية في الاستراتيجية الجديدة لوزارة الدفاع والتي تستوعب التخفيضات التي تبلغ مئات المليارات في ميزانية الدفاع، مما يشكل نقطة تحول رئيسية في السياسة الأمنية الأميركية بعد عقد من الحرب. وفي ظهور نادر في غرفة الصحافة التابعة للبنتاغون، قال أوباما إن شكل الجيش سيتم تعديله مع مرور الوقت، مع التركيز على مكافحة الإرهاب والحفاظ على الردع النووي وحماية الأراضي الأميركية من أجل "ردع العدوان وهزيمة أي هجوم محتمل". ولم يعلن أوباما عن أية مهام عسكرية جديدة أو عن قدرات أو مبادرات جديدة للدفاع، وكتب في مقدمة الاستراتيجية الجديدة التي تحمل عنوان "الحفاظ على قيادة الولاياتالمتحدة العالمية: أولويات دفاع القرن الحادي والعشرين" إنه مع إنهاء الحروب وإعادة تشكيل القوات المسلحة الأميركية فإن العمل سيكون "لضمان كون القوات العسكرية رشيقة ومرنة ومستعدة لجميع الاحتمالات". وأشارت الاستراتيجية إلى تخفيض الوجود العسكري في أوروبا، لأن آسيا ستكون أكبر أولولية، كما شددت على تحسين القدرات الأميركية في مجالي الحرب الإلكترونية والدفاع الصاروخي. وتشكل الصين مصدر قلق خاص لإدارة أوباما، بسبب صعودها الاقتصادي وبنائها المتسارع للدفاع. كذلك تشكل إيران همًّا ملحًا سواء بسبب تهديداتها بقطع تدفق النفط الدولي أو بسبب طموحها النووي. ويأتي إعلان أوباما للميزانية بنفسه ليلقي الضوء على البعد السياسي للنقاش الجاري في واشنطن بشأن تخفيض ميزانية الدفاع، حيث يرى أعضاء الإدارة ضرورة إجراء التخفيضات بشرط ألا يأتي الأمر على حساب القوة العسكرية للبلاد. ويحاول أوباما استغلال الأمر في الدفاع عن سياسته العسكرية قبل الانتخابات الرئاسية في ظل انتقادات موسعة من منافسيه الجمهوريين بشأن قضايا الأمن القومي، كالدفاع الصاروخي وإيران والتخفيضات المزمعة في القوات البرية. ويرغب أوباما في أن تكون الاستراتيجية الجديدة نقطة محورية في إدارته للسياسة الدفاعية، والتي كانت مثقلة طوال فترة رئاسته الأولى بالحروب التي ورثها عن الرئيس السابق لتسحب الموارد باستمرار. ولم تتضمن الاستراتيجية الجديدة أية إشارة للحجم المتوقع لخفض عدد القوات، لكن من المقرر أن يبدأ تخفيض عدد قوات الجيش والبحرية مع حلول العام 2015. وتقول الوثيقة إن على وزارة الدفاع أن تجد طرقًا للتوفير في الأجور ومزايا الرعايا الصحية، لكنها لم تقدم أية تفاصيل عن الأمر. وبينما بدا من الواضح تقليص عدد البعثات الحالية للجيش فإنه لن يتم إلغاء أي منها "بسبب الاستخدامات التاريخية والمتوقعة للقوات وعدم القدرة على التنبؤ بالمستقبل". وقد تمكنت الإدارة والكونغرس بالفعل من خفض الميزانيات لتعكس إنهاء الحرب في العراق والانسحاب من أفغانستان. فميزانية الدفاع الضخمة المقررة للعام المقبل، والبالغة 662 مليار دولار، تقل 27 مليار دولار عما أراده أوباما وتقل 43 مليار عما منحه الكونغرس للبنتاغون خلال العام الحالي. وقد ظهر وزير الدفاع ليون بانيتا ورئيس هيئة الأركان المشتركة مارتن ديمبسي مع الرئيس أوباما للرد على أسئلة الصحافيين. وكان بانيتا مُخططًا رئيسيًا لهذه الاستراتيجية خلال الأشهر الأخيرة بالتشديد على الحاجة لمواصلة الضغط على تنظيم القاعدة وإيلاء المزيد من الاهتمام للتحديات الأمنية الآسيوية بما في ذلك الصين وكوريا الشمالية. ولا تقتصر عوامل توجيه خفض الميزانية التي طرحتها إدارة أوباما على خوض الحروب الاستراتيجية، ولكن تشمل أيضًا كيفية احتواء التكاليف المتزايدة للرعاية الصحية والأجور ومعاشات التقاعد الخاصة بالعسكريين. ومن المتوقع أن تشكل الإدارة لجنة لدراسة مسألة مستحقات التقاعد قد يقودها عسكري متقاعد بارز. وتقوم الإدارة حاليًا بالخطوات الأخيرة لاتخاذ قرار التخفيض في ميزانية 2013 التي سيقدمها أوباما إلى الكونغرس خلال الشهر المقبل. ومن المفترض أن تتضمن الميزانية التي سيعلنها بانيتا وديمبسي خفضًا قدره 489 مليار دولار خلال الأعوام العشرة المقبلة كما قبل في اتفاق خاص بالميزانية عقد مع الكونغرس الصيف الماضي. وقد يطلب خفضًا إضافيًا قدره 500 مليار بداية من شهر كانون الثاني/يناير 2013. وبينما تعد السمة البارزة للاستراتيجية الجديدة هو ما أسماه بانيتا بالالتزام المتجدد بالأمن في منطقة آسيا والمحيط الهادي، فإن الإدارة لا تتوقع صراعًا عسكريًا في آسيا. ولكن بانيتا يعتقد أن تورط الولاياتالمتحدة في العراق وأفغانستان بعد أحداث 11 من أيلول/سبتمبر جعلها تهدر فرصها لتحسين موقفها في مناطق أخرى من العالم.