نقلا عن :الاهرام 11/04/07 وصفه فضيلة شيخ الازهر بالمفكر الذي استطاع أن يجمع ببراعة بين عالمين متباعدين: عالم السياسة وعالم الإلهيات ووصفه وزير الأوقاف بالحكيم المعتدل ووصف نفسه بأستاذ الفلسفة عندما سئل أي الألقاب هي الأقرب الي قلبك: رئيس الجمهورية أم أستاذ الفلسفة؟ فاختار الأخيرة مبررا ذلك بأن الفلسفة اكسبته عمق الرؤية وشمولها والقدرة علي التحليل والنقد والانطلاق نحو آفاق إنسانية أرحب كما اكسبته قيم التسامح واعتبار الاختلاف في الرأي عامل إثراء وإخصاب للفكر وغيرها من القيم والأخلاقيات التي اكتسبها العالم والمفكر والرئيس الايراني السابق دكتور محمد خاتمي أثبت وبحق تملكه منها وتشربه لها واستطاع- وباقتدار- أن يترجمها إلي واقع منظور ومسطور ويتمثل المنظورفيما قام به- وهو الرئيس للجمهورية- من إصلاحات, بها عرف واشتهر بين الأعداء قبل الأصدقاء, وأصبح زعيم الحركة الإصلاحية في التاريخ الايراني المعاصر وتمثل الواقع المسطور في عشرات المؤلفات والمحاضرات واللقاءات والمؤتمرات التي قام ويقوم بها.وفي هذا الصدد نشير الي تلك المحاضرة القيمة التي ألقاها خاتمي في مكتبة الاسكندرية في السابع والعشرين من مارس الماضي حيث طرح خاتمي رؤي وأفكارا تؤكد انه نموذج للمفكر الإسلامي المستنير والذي بات ضروريا وجوده علي الساحة في هذه اللحظات الحاسمة والفارقة في تاريخ الأمة الاسلامية يأتي في مقدمتها:- 1- الاختلاف بين المذاهب الملل والنحل الاسلامية حيث يري أنها اختلافات عادية وطبيعية وتعمل علي الإثراء في الفكر والعقيدة ولا تشكل بالنسبة لنا كمسلمين أي مشكلة ولكن هناك قوي خارجية لها مصلحة في استغلال هذه الاختلافات خاصة بين السنة والشيعة وتحويلها الي نزاعات وصراعات تعرض استقرار العالم الاسلامي للخطر. وهنا يطالب خاتمي بضرورة التقريب بين هذه المذاهب والحد من الاختلافات المدمرة المعوقة للتكامل الاسلامي. وهنا- وكما يقول- يأتي دور الازهر الشريف- الذي كان له فضل السبق في هذا المضمار علي يد الشيخ الجليل محمود شلتوت وفي ايران علي يد العلامة البروجردي صاحب الجهد العظيم في هذا المجال. 2- التحديات التي تواجه العالم الاسلامي ويحصرها في تحديات آتية من الخارج ممثلة في ظاهرة الخوف من الإسلام واتهامه بالإرهاب وآتية من الداخل ممثلة فيما يعانيه المسلمون من جمود وتخلف بفعل عبادة التقليد التي أدت وتؤدي الي تقويض الإبداع والتقدم وبفعل عبادة الغرب التي أدت وتؤدي الي فقدان الثقة والتهديد بالذوبان في الآخر ومن ثم لا سبيل لنا إلا الخلاص من هذا التخلف الذي بات ينهش أحشاء المسلمين وذلك بامتلاك مقومات القوة ممثلة في العلم والتكنولوجيا وتجديد خطابنا الديني وتمثل قيم وأخلاقيات الحوار بين الثقافات والحضارات. 3- وهنا يؤكد خاتمي أن الخطاب الديني الاسلامي لايزال غير قادر علي التعامل مع معطيات العصر في حين كان هذا الخطاب يتصف بالاستنارة في أواخر القرن التاسع عشر وخلال القرن العشرين.أما بالنسبة للحوار بين الثقافات والحضارات فيطرح خاتمي رؤية تعبر عن إدراكه الواعي لجوهر الإسلام وتسامحه واستيعابه لمقاصد الأديان السماوية المستهدفة خير الإنسان والاقرار بالاختلافات لأنها تشكل عامل إخصاب وثراء وبالتالي تفرض الحوار لا الصدام والتصارع. ويؤكد خاتمي أن هذا الاختلاف جاء لحكمة إلهية مصداقا لقوله تعالي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفو.. وهذه المعرفة لا تتحقق إلا بالحوار والتفاعل.وهنا نقول إن ما يراه هذا المفكر والفيلسوف الإسلامي العظيم إنما يلتقي مع ما يطرحه كبار الفلاسفة والمفكرين الغربيين من أمثال كارل بوبر(1902-1994) الذي يري ضرورة الحوار بين الثقافات والحضارات مهما يكن بينها من اختلافات بل يري أنه كلما كانت الفجوات أوسع وأعمق كانت الحوارات أكثر ثراء وخصوبة وقدرة علي الإفادة والتعلم منها. ومن ثم تتأكد أهمية التسامح مع الآراء المخالفة. وهكذا يلتقي بوبر مع خاتمي في حديثه عن الحوار بين الثقافات والحضارات واستقر في وجدان الفلاسفة والمفكرين المستنيرين والسياسيين من أمثال ثباتيرو رئيس وزراء أسبانيا الذي أعلن من علي منبر القمة العربية العام الماضي ضرورة الحوار بين الشرق والغرب مثلما كان عليه الوضع في الماضي مشيرا إلي اسهامات الحضارة الإسلامية في تقدم الحضارة الغربية ومستشهدا في ذلك بالعديد من الوقائع خاصة ما قام به ابن خلدون المؤسس الاول لعلم الاجتماع.لكن ومع أهمية كل هذه الرؤي والأفكار حول ضرورة الحوار بين الثقافات والحضارات فإنه يبقي التطبيق علي أرض الواقع والتغلب علي عشرات المعوقات التي تحول دون هذا الحوار.