الخميس 18 ديسمبر: في بيرو.. في العاصمة ليما التي وصلنا إليها صباحا.. ويقال إنه اذا كان لكلمة التعدد وصف أو كلمة فهي دولة بيرو التي تضم اختلافات وتنوعات قد لايكون لها مثيل في العالم, ففي بيرو أكثر مناطق الصحراء جفافا في العالم وفيها ايضا أكثر الغابات شديدة المطر في العالم ولاتعادلها في ذلك سوي البرازيل, ومن بين 103 مناطق بيئية سجل العلماء وجودها في العالم يوجد 83 منطقة في بيرو! وبعد الغداء الفخيم في فندق سونستا وتذوق الاطباق العديدة التي أراد شيف الفندق إثبات قدراته في تأكيد ان مطبخ بيرو يعتبر خامس مطبخ في العالم بعد الايطالي والفرنسي والصيني والياباني, استأنفنا جولتنا لتكتمل زيارتنا في ليما وهي مدينة عمرها اقل من 500 سنة فقد انشأها عام 1535 فرانسسكو بيزرو الجنرال الاسباني الذي قضي علي الإنكا واطلق عليها مدينة الملوك: وقد اتيح ان نزور في ليما عددا من الكنائس والمتاحف منها متحف الذهب والمعدات الحربية museodeorodelperu وشاهدنا صورة من صور الحضارة القديمة التي تنتمي إلي حضارة شعب انكا وإلي فترة الاستعمار الاسباني التي انتهت في القرن التاسع عشر خاصة في بلازا مايور وهو ميدان له طابع خاص ويضم عددا من البيانات الاثرية القديمة التي يعكس كل مبني منها نوعية خاصة من الحضارات التي مرت بها بيرو, كما مررنا بقصور جميلة تعكس حالة الثراء التي يعيشها اصحابها, إلا انه رغم هذه الظواهر والصورة التي تعطي انطباعا بتقدم اقتصاد بيرو فحسب اخر الارقام يبلغ الناتج القومي 127 مليار دولار بمتوسط 8600 دولار للفرد وتصدر بيرو ما قيمته 28 مليار دولار مقابل واردات قيمتها19 مليار دولار, وهي ارقام جيدة ورغم ذلك فان أكثر من 44% من مجموع السكان البالغين 30 مليونا يعيشون تحت خط الفقر وذلك بسبب سوء توزيع الثروة وتضخم ثروات الاغنياء الذين تتصل اعمالهم بالمخدرات بينما الغالبية من الفقراء من الهنود الأمريكيين سكان البلاد الاصليين الذين ينحدرون من امبراطورية الإنكا والذين يتركزون في المناطق الجبلية وفي الغابات ويحافظون علي لغتهم القديمة الكوشية quechua وعلي تقاليدهم وعاداتهم المحافظة الموروثة من اطعمة واحتفالات وملابس, علي عكس المواطنين الذين شهدناهم في شوارع ليما والذين يبدون عاديين. وقد كان من بين التحذيرات التي وجهت إلينا عدم تصوير اي مواطن يرتدي الزي القومي القديم لانهم يعتبرون ذلك اهانة لتقاليدهم حينما ينظر إليها الآخرون نظرة تستغرب هذه الملابس وتقوم بتصويرها, ومع ذلك فهناك محترفون يقفون في الميادين وهم يرتدون الازياء التقليدية للانكا, ويعملون موديلات للتصوير ويتقاضون اجرا علي ذلك. ولم يكن هذا هو التحذير الوحيد ففي كل دولة من دول أمريكا الجنوبية كانت النصيحة البلد امان ولكن عليكم ألا تفرطوا في الثقة لكن الأهم جدا هو التحذير من الكوكايين فرغم الكميات الضخمة التي تنتجها بيرو من الكوكايين وتصدرها مهربة بالطبع إلي مختلف دول العالم, ورغم مشروعية هذه الزراعة, وعدم مضايقة الشرطة للسياح إلا ان الأمر يختلف بالنسبة للمخدرات فامتلاك اية كمية منها سواء كوكايين أوغيره يعتبر جريمة تعرض صاحبها للسجن مدة تصل إلي عشر سنوات, وهو ما يعني ان الدولة التي تنتج كل هذه الكمية من المخدرات حريصة علي حماية داخلها من استخدامها, اما تهريبها إلي الخارج فهذا امر تشجع عليه! وقد مرت بيرو كعادة كثير من الدول التي تحررت في أمريكا الجنوبية بمرحلة من الديكتاتوريات وتأميم معظم المشروعات الصناعية الخاصة وعلي رأسها الصناعات البترولية في نهاية الستينيات والحروب مع الدول المجاورة والدخول في دائرة الاتحاد السوفيتي في نهاية الستينيات والسبعينيات, ونتيجة لذلك زادت الديون ووصل التضخم إلي نسبة عشرة الاف في السنة وحقق القطاع العام فشلا كبيرا فبدأ منذ عام1980 التحول إلي الديمقراطية وتم وضع دستور جديد يطلق تكوين الاحزاب التي تزيد حاليا علي 30 حزبا, وأصبح الرئيس ينتخب لفترة واحدة فقط مدتها خمس سنوات ويكون له نائبان يجري انتخابهما معا, ومنذ التسعينيات عاد إحياء القطاع الخاص إلا ان هذه الفترة بداية التسعينيات شهدت اعمال إرهاب عديدة فكان ان قام الرئيس البرتوفوجيموري باتخاذ إجراءات استثنائية مشددة منها تعليق العمل بالدستور وحل البرلمان والقبض علي قادة المعارضة واعلان الحرب علي الإرهاب, وفي خلال اربعة اشهر تمكن من القبض علي قادة الجماعة الإرهابية واستعادت بيرو الاستقرار الذي فقدته بعودة الدستور, وفي الانتخابات التي خاضها البرتو علي الرئاسة في انتخابات1995 اعطي ثلثا الناخبين اصواتهم لالبرتو ضد منافسه, بيريزدي كويلار سكرتير عام الاممالمتحدة الأسبق. ومثل دول اخري في امريكا الجنوبية تعاني بيرو مخاطر الزلازل التي كان اخرها الزلزال الذي حدث بقوة8 ريختر واستمر ثلاث دقائق مساء يوم15 اغسطس2007 علي مسافة150 كيلومترا جنوب شرق العاصمة ليما وقد بلغ ضحاياه1885 ما بين قتيل وجريح إلي جانب انهيار40 الف بيت تشرد سكانها, ولكن منذ متي منعت الزلازل أو العواصف أو البراكين استمرار الحياة؟! * نقلا عن جريدة الاهرام المصرية