قبل أسابيع لم يكن أحد يعتقد بأن الأزمة بين صنعاء و طرابلسوطهران ستصل إلى هذه الدرجة من الحدة بسبب ما يتردد عن دعم العاصمتين لحركة تمرد الحوثي في مواجهتها للدولة في محافظة صعدة والتي سقط على إثرها الآلاف بين قتيل وجريح بين الجانبين. لكن تواتر الإتهامات من قبل صنعاء ضد العاصمتين بدعم حركة تمرد الحوثيين لزعزعة أمن اليمن واستقراره أظهر أن الأزمة عميقة وليست مجرد خلافات يمكن حلها. وخلال الأيام الاخيرة شهدت صنعاء تحركات ديبلوماسية وكلها آتية من طهرانوطرابلس، إذ لم يكد مبعوث الزعيم الليبي معمر القذافي يغادر صنعاء عائداً إلى بلاده بعد تسليمه رسالة من القذافي، حتى كان مبعوثاً جديداً لطهران يصل العاصمة صنعاء ، وكانت الرسالة من البلدين واحدة وهي التأكيد على موقفهما من قضية استقرار اليمن وأمنه وعدم دعم حركة تمرد الحوثي في صعدة والتي يقاتل أنصارها الدولة منذ نحو أربعة أعوام. وجاء المبعوثان إلى صنعاء وسط غضب يمني من دعم إيراني وليبي لحركة تمرد الحوثي ، وهو ما أكده نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية رشاد العليمي الذي قال إن لدى بلاده ما يؤكد تورط البلدين بدعم المتمردين بالمال والإعلام وأن هذا الدعم استفاد منه الحوثيون من خلال شراء أسلحة متطورة يقاتلون بها الجيش اليمني في أكثر من منطقة. وتشير المعطيات على الأرض في المعارك مع الحوثيين إلى أن صنعاء وجدت بما لا يدع مجالاً للشك ما يؤكد مخاوفها بوجود دعم من طهرانوطرابلس لجماعة الحوثيين. وبحسب مصادر قريبة من صناعة القرار في اليمن، فإن قوات الجيش في صعدة عثرت على أسلحة يستخدمها المتمردون ضد الجيش مصنعة في إيران. وبالنسبة لليبيا، فإن صنعاء أكدت من خلال وزير داخليتها رشاد العليمي أن يحيى الحوثي ، شقيق عبد الملك الحوثي والذي يقود المواجهات في صعدة زار ليبيا أكثر من مرة وأنه تسلم أموالاً من الجماهيرية استخدمت في ما بعد لشراء أسلحة للحوثيين. ولم يقتصر الأمر على قضية دعم الحوثيين بل امتدت لتشمل اتهامات لليبيا بدعم الإنقلاب الذي استهدف الرئيس علي عبد الله صالح بعد أشهر قليلة من توليه السلطة العام 1978 ودعم المعارضة في المناطق الوسطى التي كانت توجه السلاح إلى صدر النظام الجديد في صنعاء. ويبدو أن صنعاء قررت إعلان المواجهة الديبلوماسية مع البلدين قبل أن تتأزم العلاقات بينها وكل من طرابلسوطهران بشكل سيء خصوصا أن هناك استعداداً شعبياً لتصعيد الصراع إلى مستويات أعلى، بعد أن منعت السلطات الأمنية جهات كانت تتهيأ لتسيير تظاهرات إلى كل من سفارتي البلدين تطالب بإغلاقها إحتجاجاً على ما يتردد من دعم الحوثيين. وكانت الخطوة الأولى للحكومة اليمنية في هذا الإتجاه يتمثل في استدعاء سفيري اليمن في كل من طرابلسوطهران للتشاور، ما صعد التوتر إلى أقصى مدى له. وجاءت زيارة المبعوثين الليبي والإيراني إلى صنعاء في محاولة لتخفيف حدة الإحتقان بين الأطراف الثلاثة ، وهو الإحتقان الذي خلفته تصريحات رئيس الوزراء الجديد علي محمد مجور بعد أيام قليلة من تعيينه رئيساً للوزراء، واتهم صراحة النظامين الليبي والإيراني بدعم المتمردين في صعدة، الأمر الذي دفع النظامين إلى إطلاق تصريحات مضادة كانت كفيلة بجعل علاقاتهما مع صنعاء تتجه نحو الأسوأ. لكن طرابلس سارعت إلى احتواء الموقف ولحقتها إيران، حيث بعثتا برسائل تؤكد أن اليمن طرف مهم في المعادلة السياسية والجغرافية في المنطقة وأنهما ضد أي توجه يهدف إلى الإضرار بوحدته وبسيادته ، والأهم من ذلك أنهما ليست لهما مصلحة في دعم تمرد الحوثي في صعدة.