أود في البداية أن أشيد بالمقال الذي كتبه الأستاذ أسامة سرايا في أهرام الجمعة18 الجاري فهو مقال يعبر بحق عن نبض الشعب تجاه الضريبة العقارية, واتفق مع المعطيات التي طرحها. وهو دليل علي أن الصحافة القومية ورؤساء تحريرها ليسوا منفصلين عما يشعر به الشعب فهم مواطنون يعرفون الكثير من الحقائق ويدركون مصلحة الشعب ومشاكله, وحديث الاستاذ أسامة سرايا عن الازمة المالية والاقتصادية الراهنة خير دليل علي ذلك. وأود أن أشير إلي مجموعة من الملاحظات تتعلق بهذه الضريبة: الاولي: ان هذه الضريبة جاءت مفروضة بقانون أصدره مجلس الشعب الذي هو السلطة التشريعية التي تعبر عن الجماهير العريضة ومن ثم فانه من الناحية القانونية يعد قانونا سليما, ولاعيب فيه علي الاقل من ناحية الشكل. الثانية: أنه مع ذلك يفتقر للشرعية وكما هو معروف هناك فارق بين القانونية والشرعية. اما سبب افتقاد هذا القانون للشرعية فهو انه يتعارض مع المبادئ العامة للقانون والمالية العامة من أكثر من زاوية أولاها انه يكرر فرض الضريبة علي الوعاء الضريبي الواحد والاصل أن الضريبة تدفع مرة واحدة علي الوعاء الضريبي الواحد وثانيتها انه يتعارض مع ابسط مبادئ حقوق الانسان التي تعيشها مصر والعالم في القرن الحادي والعشرين والتي تجعل السكن حقا رئيسا من حقوق المواطن. وثالثتها أنه يثير الكثير من الشبهات لما فيه من غموض وتناقض بين الجداول الضريبية التي تحدث عنها سعادة الوزير في التليفزيون وبين الجداول لدي بعض مأموريات الضرائب, ومن ثم يتصوره بعض المواطنين انه يهدف إلي افقار الطبقة المتوسطة بوجه خاص وكذلك الطبقة الفقيرة, ذلك لانه يطالب كل فرد بأن يقدم الاقرار الضريبي عن أي كشك يمتلكه أو مأوي عشوائي ولعلنا شاهدنا رد فعل الجماهير في احدي المناطق العشوائية علي التوجهات السليمة شكليا ولكنها تفتقر للحس الاجتماعي ورابعتها أنه قانون مقتبس في فكره وفلسفته من الخارج وهو بهذا يعبر عن نوعية من الفكر المرفوض في البلاد النامية وفي مقدمتها مصر التي ترفض الافكار المستوردة وخاصة وصفات صندوق النقد الدولي التي أثارت الاضطرابات في الكثير من دول العالم ومن بينها البرازيل والمكسيك ودول افريقية وآسيوية عديدة, كما ان واضعيه يدعون أنه موجود في أمريكا والدول الاوروبية, وقد يكون ذلك صحيحا من حيث الشكل ولكنه خاطئ من حيث المضمون فهذه الدول عندما تفرض ضرائب لاتفرضها أكثر من مرة كما أنها تفرضها من أجل خدمات محددة معروف أوجه صرفها وتخلتف ظروفها ونظمها عن مصر. الثالثة: أنه يتعارض مع توجهات القيادة السياسية والرئيس مبارك شخصيا الذي ينحاز للفقراء والذي تضمن برنامجه الانتخابي تخفيف معاناة الجماهير العريضة فكيف يتسني تخفيف هذه المعاناة والقانون يفرض ضرائب جديدة علي المواطنين ويعاد تقييم عقاراتهم كل خمس سنوات وتفرض عليهم ضرائب جديدة, ان المنطق يقتضي فرض الضرائب علي القيمة المضافة أو الانتاج وليس علي ماهو قائم وتم سداد ضرائبه قبل ذلك فالقوانين لايمكن أن تكون بأثر رجعي. الرابعة: أنه يقتص من الطبقة المتوسطة التي كونت مدخرات بسيطة عبر السنين واشترت شقة سكنية أو بنت منزلا ويطالبها سعادة وزير المالية من خلال التليفزيون الرسمي في حديث له منذ بضعة أيام بأن من لم يستطع سداد الضريبة يبيع منزله ويشتري منزلا أصغر هل بمثل هذا المنطق يتم إسعاد الجماهير ويتحقق انتماؤها لوطنها؟ الخامسة: ان البعض يقول انه موجه في جانب منه ضد المصريين في الخارج الذين سافروا وعملوا في ظل ظروف نفسية واقتصادية صعبة في دول عديدة وادخروا بعض المال الذي أرسلوه لوطنهم لإنعاشه اقتصاديا, وتوفير ما يحتاجه من العملات الصعبة, كما أرسلوه لأسرهم لبناء منزل العمر أو شراء شقة العمر ليعيشوا فيها بعد طول معاناة وهم دفعوا ما عليهم من ضرائب عبر تصاريح العمل وعبر ضريبة الدخل العام وعبر العوائد القائمة علي المباني وغيرها من الرسوم المتعددة. السادسة: أنه يتعارض مع القوانين والسياسات السابقة وخاصة قوانين الجمعيات والصناديق الاجتماعية وتشجيع وزارة الاسكان للمواطنين علي الانخراط فيها واتاحة أراض لهم لبناء مساكنهم بأسعار تشجيعية لتعمير الصحراء, ومن ثم نشأت كثير من المدن الجديدة التي حصلت تلك الجمعيات الاجتماعية والفئوية علي مناطق بها, وقام أعضاؤها بسداد تكاليفها علي أقساط عبر السنين وتم سداد تكلفة مرافقها, بل ومع هذا تتفنن بعض المحليات في تحصيل رسوم متنوعة كل يوم علي تلك المباني والآن تأتي الضريبة العقارية الجديدة لتفرض مبالغ بدون مبرر حقيقي وبدون مقابل ملموس للمواطنين. من هنا فإنني أتوجه للسيد الرئيس المعروف بانحيازه للفقراء للتوجيه بإعادة النظر في هذا القانون من منطلق أن لكل قانون مبررا ومنطقا يرتبط بالمصلحة العامة التي هي مصلحة الجماهير التي انتخبت أعضاء مجلس الشعب والتي أيدت وتؤيد الرئيس مبارك لأنه يشعر ويتصرف من منطلق حرصه علي مواطنيه وشعبه بجميع فئاته ويمكن النظر في أن تفرض الضريبة العقارية اذا كانت الدولة في حاجة لاموال علي الذين أخذوا أراضي الدولة وقاموا بتسقيعها وبيعها, أو الذين أقاموا عليها منشآت صناعية أي أن هناك قيمة مضافة أو الذين أخذوا أموال البنوك كقروض وهربوا بها. ان الدولة تدعو للتصالح مع أصحاب المليارات الذين هربوا بها في حين يتم فرض ضرائب علي الفقراء والطبقة المتوسطة التي عملت بشرف في وطنها أو هاجرت وادخرت ووفرت أعباء علي ميزانية الدولة وكأن الأمر عقابا وليس مقابل خدمات كما هو المفهوم العام للضرائب. انني اتطلع للحس الوطني والجماهيري الصادق للرئيس مبارك والذي يتدخل كعادته في الأوقات الحاسمة واللحظات الحرجة لوضع حد لهذا المنطق غير السليم للضريبة العقارية الجديدة. النداء الثاني الذي أوجهه للسيد الرئيس مبارك هو دعوة مجلس الشعب لفك الحصار عن المباني القديمة التي تم تأجيرها بقروض زهيدة في عهد الاشتراكية القديم وأصبح سكانها المستأجرون هم ملاكها ويدفعون ملاليم ويعاني أصحابها من كبار السن ومن الفقراء الجدد ومن ورثتهم من هذه المأساة. وفي تقديري أن هذه هي الثروة العقارية الضائعة حقيقة, ويمكن الافراج عن المباني المؤجرة قديما ببيعها للسكان القاطنين فيها أو تأجيرها لهم وفقا للقانون الجديد ودفع ضرائب عليها لأن كثيرين من قاطني تلك المباني في مصر الجديدة والاحياء السكنية القديمة في الزمالك وجاردن سيتي وغيرها لديهم مساكن أخري ويرفضون اخلاء تلك المباني القديمة أو رفع ايجاراتها استنادا للقانون. وهذه المباني يمكن أن تتحول إلي أبراج وتخدم الكثير من السكان وتريح الملاك القدامي وتعيد الحق لأصحابه وتفرض عليها ضرائب تعود بالدخل للدولة. * نقلاً عن جريدة "الأهرام" المصرية