لم تعد الخلافات السياسية وحدها احد اهم اشكال التجاذبات بين حركتي فتح وحماس او بين الحكومة المقالة في غزة برئاسة اسماعيل هنية وحكومة تسيير الاعمال في الضفة الغربية برئاسة سلام فياض بل دخلت معظم تفاصيل الحياة الفلسطينية في هذا التجاذب لتطال ابسط اشكال الحياة! فالمرسوم الرئاسي في رام الله يقابله قرار لحكومة هنية المقالة او اعتقال ناشط من حماس في الضفة يتردد ملاحقة اعضاء من فتح في القطاع والتضييق السياسي على قادة حماس في الضفة مقابل التضييق على نشاطات فتح في القطاع والصورة تتكرر في مشاهد مختلفة حتى دخلت الى معترك الصلاة، صلاة في العراء لانصار فتح واخرى في المساجد لمؤيدي حماس والاعتراض هو على توظيف الخطاب الديني لمصلحة طرف على حساب الطرف الاخر بينما لا مؤشرات على قرب الجلوس الى طاولة الحوار مرة اخرى! ليست وحدها المظاهر السياسية من يشكل مظهر التجاذبات السياسية بين طرفي الازمة اذ دخل الجانب الاجتماعي والثقافي على الخط بقوة. فالصحافيون يحتجون على تكميم الافواه وتقييد حرية التعبير ويخرجون بمسيرات تندد بذلك وكاميراتهم تصادر واصبحوا يحتكمون الى قواعد جديدة قد تكون مرتكزة على قانون المطبوعات والنشر. وتقول الحكومة المقالة بأنها سترتكز عليه لكن الصحافيين الاخرين يرون ان النقابة التي تقود حملة الاعتراضات انتهت صلاحية مجلس ادارتها وتستخدم الموضوع في اطار سياسي وهو ذات الحال في مواقف الكتاب والمثقفين الاخرين. بعيدا عن اللون السياسي للتجاذبات والبيانات المتتالية لكلا الفريقين واستمرار التناحر الاعلامي عبر المواقع الالكترونية لكل فصيل هناك المسيرات الجماهيرية لاظهار اختبار القوة بين فتح التي تريد ان تثبت لحماس ان جذورها راسخة في حياة الشعب وان الحسم لم يعد نهائيا وبين حماس التي تريد ان تظهر ان قطاعا كبيرا من الشعب لا يزال يؤيد خطواتها وسياساتها. نرى مسيرة لفتح تحتج على مطاردة عناصرها وملاحقتهم واخرى لحماس تطالب بفتح المعبر في رفح! صلاة في العراء لانصار فتح ومطاردة من التنفيذية! وصلاة لحماس في مساجد اخرى! وفتوى بعدم جواز الصلاة في العراء! فصل لموظفين من رام الله ورواتب لهم من حكومة هنية المقالة في غزة! حتى التربية والتعليم دخلت بقوة على الخط اجازات مدرسية في الضفة واخرى تختلف عنها في القطاع تعيينات لمدرسين جدد هنالك واخرين جدد هنا وطبعا حسب شروط ومقاييس كل طرف ووفقا لقانون الانفصال بين القطاع والضفة. في غزة اسماء لحجاج بيت الله الحرام ورسومهم باتت في البنوك وفي رام الله تأكيدات ان وزارة اوقاف حكومة تسيير الاعمال هي المخولة بذلك وان لا حج الا من خلال قرعتها فكيف سيسافر الناس الى بيت الله العتيق واي ابليس سيرجمون؟ اما المرضى واصحاب الحالات المزمنة فلا يعرفون كيف يمكن ان يحصلوا على تحويل مالي الى الخارج او الى اسرائيل والضفة الغربية لان وزارة الصحة اصبحت احد اهم ملاعب التجاذب السياسي اقالة مدير هنا وتعيين مدير هنالك، تعليمات من حكومة غزة المقالة ورد سريع من حكومة تسيير الاعمال في رام الله بينما غاب المجلس التشريعي كمرجعية رقابية وقانونية ناظمة! حتى في افراحهم بات الفلسطينيون يعيشون تفاصيل خلافاتهم السياسية واستمرار التجاذب بينهم، اغان تصدح لسميح المدهون احد قادة فتح في القطاع وقتلته حماس خلال الحسم العسكري للقطاع ورفض حمساوي لذلك، اطلاق نار في الافراح وتعليق اعلام فتح الصفراء ومهاجمة من التنفيذية للاعراس والقاعدة دوما لن نسمح بالفوضى وممنوع اطلاق النار حفاظا على حياة الناس وتهديد بعدم السماح بعودة الفوضى والفلتان الى القطاع والتهم المتبادلة جاهزة! حتى احاديث الناس الجانبية قد تقفز احيانا كثيرة عن موضوعات مهمة واستراتيجية في حياة الناس الى نقاش جدلي حول من هو على صواب من الفريقين. مجموعة النقاش هذه لا تقتصر على من يجلسون على الطرقات بلا عمل او بين مثقفين هنا وهنالك او داخل سيارة الاجرة او بين مجموعات من الاقارب بل يسمع صوت نقاشها الحاد في بيوت العزاء وكذلك الحال داخل الافراح والموضوع هو فتح وحماس هذه خطوة صحيحة وتلك خاطئة ويستمر الجدل مع استمرار الازمة! اما بيوت الغزاويين فباتت رايات الاحزاب ترفرف فوق اسطحها ما بين اعلام فتح الصفراء واعلام حماس الخضراء بينما لم يجد العلم الفلسطيني مكانا له الا في اماكن محدودة! اذا ظل الساسة من الطرفين على ذات الحال من الاختلاف المتواصل فإن الجدل في الشارع سيبقى متأصلا والشقاق الاجتماعي متشعبا وليس وحده المشروع الوطني من بات يهدده الفناء، بل ان الانسان الفلسطيني اصبح في معركته مع نفسه التي سيفقدها ان لم تتغير حاله الى الاحسن وعلى الفور!