في تطور جديد للأحداث على الساحة الفلسطينية، أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس الجمعة 17/8 مرسوما رئاسيا ينص على إلغاء كافة التعيينات والترقيات التي صدرت بعد اتفاق مكة بين حركتي التحرير الوطني الفلسطيني فتح وحركة المقاومة الإسلامية حماس. تفاصيلالمرسوم تقضى"بإلغاء كافة المراسيم الصادرةفي الفترة ما بين السابع من مارس 2007 والخامس عشر من أبريل2007 فيما يتعلق بالتعيين والترقية والترفيع والانتقال لموظفي الوزارات والإدارات والهيئات الحكومية، وسحب جميع الصلاحيات والامتيازات الممنوحة لهم بموجب القرارات الصادرة بهذا الخصوص". وكان اتفاق مكة تضمن تشكيل لجنة أطلق عليها اسم "لجنة الشراكة" من الحكومة والرئاسة الفلسطينية. وأصدر عباس بناء على توصيات تلك اللجنة مراسيم بترقية موظفين من حماس إلى مدراء ووكلاء وزارات في مختلف الوزارات. ولم يتضح عدد الأشخاص الذين شملهم قرار عباس، إلا أن مصادر من حماس قالت إنه يشمل العشرات من عناصر الحركة الذين تم ترقيتهم أو تعيينهم في تلك الفترة. وكانت حكومة تسيير الأعمال الفلسطينية برئاسة سلام فياض أصدرت الأسبوع الماضي قرارا تلغى بموجبه كافة التعيينات التي تم الاتفاق عليها في اتفاق مكة بين حركتي فتح وحماس في إطار "المحاصصة والشراكة". حماس، سارعت امس الى التنديد بهذا القرار واعتبرته (تعميقا للخلاف)،ووصف رئيس الوزراء الفلسطيني المقال إسماعيل هنية قرارات عباس بمجزرة إدارية، داعيا حكومة تسيير الأعمال إلى التحرر من ما أسماها قيودا أميركية لينطلق الحوار. النائب عن حركة حماس في المجلس التشريعي ايمن دراغمة وصف قرار عباس بأنه يزيد من حالة الاستقطاب في الساحة الفلسطينية، في وقت يحتاج فيه الفلسطينيون الى ترطيب الاجواء ليعودوا الى الحوار بدلاً من حالة الفوضى التي يعيشونها ،واعتبر الدراغمة ان الشراكة الان اصبحت خاضعة للمزاجية، خاصة من قبل الرئيس عباس ورئيس الحكومة فياض، وان قرار إلغاء هذه التعيينات يمس صلب الوظيفة العمومية . حماس ترد حماس من جانبها وفى تصعيداً جديداً لوتيرة الإجراءات الكيدية المتبادلة بين حركتي فتح وحماس ،أعلنت أمس على لسان رئيس وزرائها المقال في قطاع غزة اسماعيل هنية سحبها التفويض الذى كانت أعطته للرئيس محمود عباس، بعد اتفاق مكةالمكرمة، للتفاوض مع اسرائيل على تسوية سلمية، وذلك في اعقاب إصدارعباس المرسوم الخاص بإلغاء تعيينات كوادهار في دوائر السلطة الفلسطينية ومؤسساتها. اتفاق مكة وكانت الحركتان فتح وحماس وبرعاية العاهل السعودي الملك عبدالله، قد وقعتا اتفاقا بمدينة مكةالمكرمة،وبرعاية العاهل السعودى فى 8 فبراير 2007 يهدف الى وضع حد للإقتتال الفلسطيني و قضية التشارك السياسي في العمل بين حركتي فتح وحماس ،الى جانب محاولة توسيع إطار المشاركة السياسية الفلسطينية لتشمل منظمة التحرير الفلسطينية . اتفاق مكة تولى المهمة الأصعب وهى مهمة صياغة الموقف السياسي الفلسطيني الذي تبنته حكومة الوحدة الوطنية، حتى أنه صاغ كتاب التكليف الذي وجهه الرئيس محمود عباس إلى رئيس الحكومة المكلف إسماعيل هنية، وتضمن الاتفاق وكتاب التكليف صياغة الجواب حول قضية التسوية، وحول قضيتا "الاعتراف" و "الاحترام" لكل ما يتعلق بالقرارات الدولية، والقرارات العربية، والاتفاقات الفلسطينية المبرمة. ومثل كل ذلك صياغة توافقية فلسطينية تجيب على تساؤلات ومطالب الأطراف الدولية. الكثيرون وفي مقدمتهم الفلسطينيون والعرب اعتبروا أن اتفاق مكة حقق إنجازا كبيرا على هذا الصعيد، حتى أن الدول العربية كافة أعلنت ترحيبها باتفاق مكة وتأييدها له، ومن دون أن تربط التأييد بأي شيء آخر،ثم انطلقت في رام اللهوغزة مسيرة العمل لوضع اتفاق مكة موضع التنفيذ، فتوقف الاقتتال، وتم التكليف رسميا، وبدأت مشاورات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية اتفاق مكة الذى كان من أهم انجازاته وقف القتال الدموي في غزة ، برزت امامه تحديات كبرى خاصة أمام تحقيق الوفاق الوطني من أهمها ترتيب الملف الأمني، وإعادة تشكيل الأجهزة الأمنية على أسس وطنية. فبعد أقل من شهرين من إعلان حكومة الوحدة الوطنية استقال وزير الداخلية هاني القواسمي بسبب عدم منحه صلاحياته على الأجهزة الأمنية وبسبب الحيلولة بينه وبين تنفيذ خطته الأمنية التي أقرتها الحكومة ووافق عليها الرئيس، وبعد تحرك الأجهزة الأمنية التي يسيطر عليها قادة لفتح دون معرفته وانتشارها في الشوارع، ومساهمتها في ازدياد الفوضى بدلا من تصديها للانفلات الأمني من وجهة نظره. ومع تحول ملف الداخلية لرئيس الوزراء إسماعيل هنية، وعقده العزم على حسم ملف ترتيب الأجهزة الأمنية وإعادة تشكيلها على أسس وطنية، والمباشرة في تنفيذ الخطة الأمنية عبر تشكيل قوة مشتركة من مختلف الأجهزة بما فيها القوة التنفيذية تحت مسمى القوة المشتركة لتنفيذ الخطة الأمنية، انطلقت موجة جديدة من الفوضى ،ومع تطور الأحداث في اتجاه إشاعة الفلتان الأمني المتمثل بالقتل، والاختطاف، وحرق ومداهمة المنازل، واستهداف المؤسسات من قبل الأجهزة الامنية ، بل ووصل الأمر إلى استهداف مجلس الوزراء، ومنزل رئيس الوزراء بقذيفة أر بي جي اخترقت منزله، مما أنهى عمليا كل الخيارات أمام رئاسة الحكومة في غزة ووضعها أمام الخيار الوحيد وهو خيار الحسم.. محاولات إطلاق الحواربدأت من فتح ومن أطراف الوساطة المختلفة، وترتيب اللقاءات بين حركتي حماس وفتح بوساطة الوفد الأمني المصري وبعض الفصائل الفلسطينية.. كما حدث سابقا وتكرارا في كل جولة من جولات الفلتان الأمني السابقة، لكن المفاجاة كانت رفض حماس للجلوس إلى مائدة حوار مع العناصر المرشحة من فتح والتي تعترض علي شخصياتها الحركة،مؤكدة أن ما تم الاتفاق عليه سابقا في القاهرة 2005، وفي وثيقة الوفاق الوطني 2006، وفي اتفاق مكة 2007 فيه ما يكفي ، وإن ما ينبغي فعله هو تنفيذ ما تم الاتفاق عليه لا الدخول في حوارات عقيمة جديدة لا تفضي إلى شيء في واقع الحال على الأرض. حماس من ناحيتها سيطرت ابتداء من الخامس عشر من يونيو الماضي بشكل كامل على قطاع غزة بعد معارك دامية مع اجهزة الامن التابعة للرئاسة الفلسطينية.ويصر الرئيس الفلسطيني على اعادة الامور الى ما كانت عليه في قطاع غزة قبل الخامس عشر من يونيو قبل فتح حوار مع حماس. حركةحماس كانت قد فازت في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006بأغلبية كبيرة، وأقصت بهذا الفوز حركة فتح عن تصدر المشهد الفلسطيني لعقود طويلة، وشكلت حكومة برئاسة إسماعيل هنية. حماس واجهت إثر ذلك ضغوطا داخلية وخارجية لإفشالها، واندلعت بينها وبين حركة فتح صراعات دموية انتهت بسيطرة حماس على قطاع غزة، الأمر الذي دفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الإعلان عن حل حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت بعد اتفاق مكة، وتكليف سلام فياض بتشكيل حكومة طوارئ، ولا يزال الخلاف بين الحركتين قائما حتى الآن. حماس الان فى موقف صعب، فهى تتمسك بشرعيتها الانتخابية وشرعية الحكومة المقالة ودستوريتها وبالتالي تصبح مسئولة عن القطاع بالكامل وعليها أن تقوم على إطعام الناس، والإنفاق عليهم في ظل حصار يتوقع أن يخنق القطاع ويجهز عليه أو يكاد بأن يتركه دائما في الرمق الأخير بين الحياة والموت، وفي المقابل تنعم الضفة تحت ظل حكومة الطوارئ باستئناف المساعدات والتمتع بالحياة الطبيعية ،وذلك بالتوازي مع العمل على إنهاء وجود حماس بالضفة باستهداف قياداتها، وكوادرها، ومؤسساتها، وإقصائها من الحياة السياسية بالقوة عن طريق تغييبها من المشهد السياسي، والتعامل معها كمنظمة انقلابية خارجة عن الشرعية والإجماع الوطني. من هنا لا بد من العودة إلى اتفاق مكة ، وإلى الحوار الوطني ، وإلى تشكيل حكومة وحدة وطنية ، في ظل وحدة فلسطين كلها ، خاصة وأن أية تجزئه هي خطيئة عظمى ، تتحملها كل الأطراف ، لأنها ستسهم في تشكيل دويلتين هزيلتين تحت الاحتلال ، لن ينجحا فى شئ إلا إنهاء القضية الفلسطينية . 19/8/2007