فرضت هموم العراق من حرب وعنف وقتل ودمار واحتلال نفسها على اعمال معرض فني عراقي كبير اقيم في عمان بمشاركة 80 فنانا ونحاتا يمثلون مختلف المدارس والحركات الفنية في هذا البلد الذي كان يوما اكثر المجتمعات تفتحا في الشرق الاوسط. ويعرض الفنانون المشاركون في المعرض 80 عملا فنيا من منحوتات ولوحات ورسوم لفنانين رواد مثل وداد الاورفلي ومحمد غني حكمت وابراهيم العبدلي وسالم الدباغ ومحمد عارف وحسن عبد علوان وآخرين شباب امام الجمهور في جاليري "رؤى" وسط عمان. ويعكس عدد من اللوحات معاناة العراقيين في بلد تخلص لتوه من سنوات الحرب الطائفية ويمشي بخطى مترددة نحو السلام رغم الصورة القاتمة. وعند مدخل المعرض علقت لوحة "العربة والحصان" للفنان ابراهيم العبدلي على شكل حصان رشيق القوام يقف صامتا امام العربة التي كان يجرها وقد تحطمت وتقطعت اوصالها. ويقول العبدلي والذي يبلغ من العمر 69 عاما استاذا في كلية العمارة والفنون في جامعة البتراء ان فكرة اللوحة تلخص وضعنا الحالي في العراق فالعربة هي العراق والحصان يبدو حزينا وكأنه يريد ان يقول شيء الا انه يقف صامتا مندهشا امام هول المشهد. واضاف ان اللون الاحمر الذي يغلب على اللوحة دليل على النار وجو الحرب والقتل والدمار والدم. وفي احدى زوايا المعرض تقف لوحة اخرى للفنان العراقي فاضل الحربي الذي اصيب خلال الحرب العراقية الايرانية "1980-1988"، تسرد ما مر به وضع العراق من مآسي وحروب تحت الاحتلال الامريكي. وفي اللوحة التي كتب عليها بالانجليزية "بلا أمل" تبدو جلية آثار اقدام الجنود الامريكيين الى جانبها آثار اقدام اناس حفاة وقد تلونت باللون الاحمر، وفي اعلى اليمين واليسار قبضان حديدية وقد خرجت منا ايادي ضعيفة هزيلة مكبلة بالقيود. وليس ببعيد عن هذه اللوحة لوحة "الجسد المهشم" للفنانة العراقية بتول الفكيكي التي ولدت في بغداد وتقيم في لندن منذ 15 عاما، وتعكس لوحتها التي غلب عليها اللون الاسود، معاناة المرأة التي تواجه هواجس مصيرها وحيدة في خضم ازمات متعددة. وتقول الفكيكي التي رسمت جداريات كبيرة في مطار بغداد الدولي وفي دار الازياء العراقية في بغداد ان المرأة العراقية وما يقع عليها من ظلم وجور ووجع هي اساس لوحاتي. وتضيف ان هذه المرأة هي مثال لملايين النساء العراقيات المهمشات اللواتي يواجهن مصيرهن في بلد متعدد الازمات والمشاكل الا انها تستمد من الضعف قوة معنوية تدفعها الى التشبث بالامل والحياة. وتتابع ان هناك دائما رجلا في لوحاتي لكنه مهمش لان هم المرأة بالنسبة لي اكبر من هم الرجل وماتعانيه هو اكبر بكثير مما يعانيه الرجل. اما زاوية فن النحت، فعبرت بمنحوتاتها عن مجسمات وكتابات وتماثيل ودمى ونماذج عن آلهة من بلاد وادي الرافدين. وشاركت في اعمال النحت اسماء لها باع طويل امثال محمد غني حكمت 80 عاما الذي سرق 150 تمثالا من البرونز والخشب والحجر والجبس من اعماله خلال الاجتياح الامريكي للعراق 2003 ومنعم فرات وصادق ربيع وعبد الجبار البنا وليث فتاح الترك. ويقول النحات خالد عزت والبالغ من العمر 72 عاماً اردنا ان نثبت للعالم ان العراق باق بحضارته التي تمتد ل 6000 سنة وان شريعة حمورابي هي التي علمت الانسانية الحقوق والواجبات وما يحصل في العراق الان لا يعبر عن حقيقة هذا البلد الضارب في القدم. ويقول الناقد العراقي صلاح عباس ان بعض لوحات المعرض حاولت بطريقة او بأخرى معالجة الجرح والالم العراقي بعد سنوات طويلة من الحرب والاقتتال وخلفتها من آثار مؤلمة ومدمرة على المجتمع العراقي. واوضح ان اغلب الاعمال التي اتت من العراق تحكي قلقا وألما وحزنا وموتا ومأساة، مشيرا الى ان مكنونات الفن التشكيلي العراقي معروف عنها انها هائلة في الترميز والايحاء. من جهته، رأى الناقد العراقي عادل كامل الذي سبق وان ألف اكثر من 40 كتابا عن الفن العراقي ان هذه التجارب تعكس روحية انسان العراق ومخيلته وذاكرته الزاخرة بالجراح والكسور والتصادم والفوضى والعنف. واوضحت سعاد الحوراني ان 80 فنانا عراقيا "56 رساما و24 نحاتا" من بغداد والبصرة واربيل وعمان ولندن ستوكهولهم واسلو يشاركون في المعرض، موضحة ان قسما منهم فنانون كبار رواد لهم اسمائهم وتاريخهم واخرين صغار شبان، واضافت ان اعمال جميع هؤلاء الفنانين وضعت اعمالهم جنبا الى جنب بدون استثناء.