جدل شديد بين الكتاب بالصحف السعودية حول ما حدث في مدينة الخبر خلال الاحتفال بالعيد الوطني من اختلاط بين الرجال والنساء وهو مايعد من الممنوعات فى المجتمع السعودى لكن يبدو أنه فى الطريق للتغيير الكاتب عابد خزندار بجريدة الرياض يرى أن الاختلاط بين الرجال والنساء ضرورة من ضرورات الحياة، بل هو الأصل والقاعدة، ونحن نستدل عل ذلك بهذه الآية الكريمة من سورة القصص ( رقم 23 ) : " ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم أمرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير . " فالمرأتان تختلطان مع الرجال وتذودان عن غنمهما عن باقي غنم الرعاء ، وشريعة من قبلنا شريعة لنا إلا إذا قام دليل على غير ذلك، ولذلك لم يكن هناك حرج في أن تختلط المرأة مع الرجل في المسجد والطواف والسعي ورمي الجمرات والأسواق والسفر وخاصة في الطائرات واتوبيسات النقل الجماعي ، ولك أن تتصور الارهاق والمعاناة التي يمكن أن يخضع لهما زوجان، يسافر هو في طائرة خاصة بالرجال وزوجته في طائرة خاصة بالنساء ، أو ينقسم أولادهما إلى قسمين قسم يسافر مع الرجال وآخر مع النساء ، والاختلاط أيضا ضرورة في المستشفيات وغرف العمليات الجراحية والمعامل والمختبرات ، وندوات البحث بل المدارس أحيانا كما هو الحال في المدارس السعودية في الخارج، وابنتي كانت تدرّس في المدرسة السعودية في باريس وهي تابعة للحكومة السعودية، وكان الفصل يحتوي على بنين وبنات ، والحياة كلما تقدمت وتطورت تملي علينا ضروراتها، ومن هذه الضرورات الاختلاط ، ولهذا فمن المستحيل أن نمنع الاختلاط في جامعة كجامعة الملك عبدالله التي ستتخصص في البحوث العلمية والتقنية، وهو عمل لا يمكن أن نفصل فيه الرجال عن النساء ، فلعلنا نعي هذه الحقيقة وندركها . الجانب المُشرق في أحداث الخُبر.. الكاتب عبد الله الكعيد بجريدة الرياض يتساءل ألا يوجد في الحدث أيّ من الجوانب الإيجابيّة أو المكاسب التي يُمكن الخروج بها؟؟ مجموعة من الشباب المُحبين للعمل التطوعي أطلقوا على أنفسهم (الخبر بويز) قاموا بعد الأحداث مباشرة بحملة تطوعية تحت شعار (من أجل الخُبر.. نُريد حلاً) تهدف كما جاء في الخبر الذي نُشر في هذه الجريدة بتاريخ 28 سبتمبر 2009م للمساعدة في أعمال الصيانة للمطاعم والمحلات التجارية التي تضررت جرّاء أعمال الشغب، وقال مهدي هزّازي رئيس المجموعة للجريدة إن حملتهم تلك جاءت ردّاً على الأحداث وإن من مهامهم المساعدة في إعادة الحياة للكورنيش سواء بالمساهمة المباشرة في اصلاح التلفيات أو من خلال بث رسائل للمجتمع هدفها نشر الوعي وتوضيح حقيقة الشباب السعودي وبالتحديد سكان المنطقة الشرقية بأنهم على قدر كبير من المسؤلية والوعي. وقد نُشرت صورة مُعبرة لمجموعة من الشباب يُقدمون درعاً لأحد العاملين كُتب تحتها (شباب الخُبر يُقدمون اعتذارهم للمحلات المُتضررة).. تعظيم سلام يا شباب الخُبر الواعين وليت البقيّة يقتدون بكم وبمبادراتكم الرائعة التي تدل على حب الوطن فالوطنية ليست فقط بالاقوال ورفع الأعلام بل هي قول وفعل وقد أحسنتم الفعل. قد يُقلل البعض من فعل كهذا وهو أمر متوقع ولكني أجزم بأن هؤلاء الشباب لم يكونوا قد بادروا بهذا العمل التطوعي وهم ينتظرون الثناء من أحد إنما هو شعور منهم بالمسؤلية ولكي يثبتوا أن الدنيا بخير وستظل بخير طالما يوجد لدينا مثل هذه العقول الناضجة. الاختلاط بين الاصطلاح والشرع الكاتب يوسف أباالخيل كتب أن من أبرز ما تتجه إليه بوصلة اجتهادات بعض المحتسبين هذه الأيام ما يتصل بما يطلقون عليها"سياسة الاختلاط التي سوف تنتهجها جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في ثول". ومن أجل ذلك فقد تركزت مطالباتهم على مناشدة المسؤولين عن الجامعة القيام بما وصفوه ب"التحرك لوقف الاختلاط وفصل الجنسين في كل مرافق الجامعة ". والاحتساب على الاختلاط بوصفه"منكراً" من الفعل, يوحي للمتابع بأنه(=الاختلاط),كما يحددونه اليوم في كتاباتهم ومناشداتهم!, مصطلح قديم عرَّفه الفقهاء تعريفاً جامعاً مانعا,وحددوا,من ثم,حكمه على أنه محرم حرمة قطعية أبدية مطلقة,وهو ما لا يتفق ومعطيات المعهود اللغوي العربي,أو التراث الفقهي,كما سيتضح في ثنايا هذا المقال. الاختلاط,كما يتحدثون عنه اليوم, يشير,كما يُعرِّفه باحث معاصر هو الدكتور:محمود مجيد الكبيسي,إلى:"اجتماع رجال ونساء,لا يحرم التزاوج بينهم حرمة مؤبدة,في مكان واحد,يترتب عليه,غالباً, مقابلة بعضهم بعضاً, ونظر بعضهم إلى بعض, والمحادثة بينهم". وهذا التعريف الحديث ل"الاختلاط" لا بد وأن يجرنا إلى الأسئلة التالية:هل ل"الاختلاط"بهذا المعنى, أساس لغوي أو فقهي ؟. وما حكمه,سواءً كان له ذلك الأساس,أم كان طبعاً جبلياً,أم نازلة جديدة؟. لنبدأ بالجانب اللغوي ل"الاختلاط",سنجد أن ابن منظور عرفه في:(لسان العرب),عند حديثه عن مادة(خ ل ط) كما يلي:" خلط: خلط الشيء بالشيء يخلطه خلطاً وخلطه فاختلط:أي فاختلطا. وخالط الشيء مخالطة وخلاطا:مازجه". ومن التعاريف المعجمية الأخرى ل"الاختلاط",كما في( المصباح المنير والقاموس المحيط)ما يلي:" خلطت الشيء بغيره,سواءً كان المخلوطان مائعين أم أن أحدهما مائع والآخر جامد". هنا نجد أن التعريف المعجمي ل"الاختلاط" يشير,تحديداً, إلى اختلاط جماد بجماد, بحيث لا يرد مفهومه على الكائنات الحية,بما فيها الإنسان. ومنه قوله تعالى:" إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض". التراث الفقهي جاء متوافقاً بطبيعته مع المخزون اللغوي, فلم يتعرض للفقهاء, حسب الباحث الذي أشرنا إليه آنفا,ل"الاختلاط" بين الرجال والنساء, ولا لعنوان مرادف له. وما تعرضوا له,فيما يختص بعلاقة المرأة بالرجل, يتصل,تحديداً, بالعلاقة الفردية بينهما, مثل خلوة الرجل بالمرأة, وحكم سفر المرأة لوحدها. وهو ما يشير إلى أن المحظور شرعاً يستهدف,تحديدا,خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية لوحدهما, وليس اختلاط جمع من الرجال والنساء كما يحدده تعريف الاختلاط الآنف الذكر. نعم توجد نصوص جاء فيها ذكر الاختلاط, كحديث أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله وعليه وسلم يقول, وهو خارج من المسجد,وقد اختلط الرجال مع النساء في الطريق:" استأخرن فإنه ليس لكن أن تحْقُقْن الطريق,عليكن بحافات الطريق".وهذا الحديث,بالإضافة إلى ضعفه لوجود شداد بن أبي عمرو بن حماس الذي قال عنه الحافظ بن حجر في التهذيب أنه مجهول,فإنه لا يشير إلى الاختلاط كما يتحدثون عنه اليوم, وإنما يشير إلى رجال ونسوة يمشون برهة في طريق ضيق ربما أدى إلى ملامسة أجساد بعضهم لأجساد بعض. وبالتالي, فغاية الحديث,لو صح,حث النساء على الابتعاد عن الرجال مخافة التصاق أجسادهن بأجساد الرجال.وكحديث البخاري الذي أخرجه في باب:( طواف النساء مع الرجال) عن عطاء بن أبي رباح عن ابن جريج في أن النساء في الطواف"لم يكن يخالطن الرجال,كانت عائشة تطوف حَجْرة من الرجال لا تخالطهم". وهذا الأثر كسابقه,فبالإضافة إلى عدم انطباقه على الاختلاط بمعناه المحدد آنفا,فإنه لا حجة فيه إذ هو منسوب لعائشة لوحدها:( هنا يمكن استصحاب مقولة:هل قول أو فعل الصحابي حجة أم لا؟). وإذا كان حجة,فقد يكون,في أحسن أحواله, خاصاً بأمهات المؤمنين, هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فلم يكن مضمونه موضع تطبيق عملي في الأزمنة التالية, بدليل أن ابن حجر أشار,في فتح الباري,إلى اختلاف العلماء حول أول من منع طواف النساء مع الرجال,أهو والي المدينة:إبراهيم بن هشام ,أم عمر بن الخطاب,أم خالد القسري!. والظاهر أن المنع,في حالة حدوثه تاريخيا, كان موقتاً, بدليل قول ابن حجر,بعدما ذكر أن خالداً القسري,فيما يرويه ابن عيينة,كان أول من فرق بين الرجال والنساء في الطواف,:"وهذا إن ثبت فلعله منع ذلك (وقتا) ثم تركه فإنه كان أمير مكة في زمن عبد الملك بن مروان". كما,من ناحية أخرى, لا زال الرجال والنساء من عهد الرسول والصحابة وإلى يومنا هذا يختلطون ببعضهم أثناء الطواف.والخلاصة: ليس في مخزون العرب اللغوي, وبالتالي التراث الفقهي الإسلامي, ما يشير إلى الاختلاط بمعناه المعاصر. والنتيجة التي تترتب على خلو المخزونين,اللغوي والفقهي, من مصطلح الاختلاط, يعني أن الفقهاء نظروا له على أنه من جنس تلك الأمور الفطرية الضرورية التي مبناها الإباحة, والتي,بطبيعتها, لم تكن تستدعي منهم البحث عن تكييف شرعي لها. والذين يطالبون اليوم بمنعه مطلقا(=الاختلاط), يبررون مطالبتهم بما (قد) يصاحبه من أشياء أخرى محرمة لذاتها. ولكن,وحسب القاعدة الفقهية,فإن اليقين, الذي هو هنا جواز الاختلاط باعتباره أمراً فطرياً طبيعياً, لا يزول بالشك المتمثل فيما قد يترتب عليه من أشياء محظورة لذاتها. مع ذلك فثمة نصوص قاطعة,سواءً كانت من القرآن أو من السنة أو من أقوال الفقهاء,لا تؤكد جواز الاختلاط,باعتباره أمراً فطرياً فحسب,بل ضروريته لبعض المجالات. نذكر منها ما يلي: قوله تعالى في آية توثيق المبايعات:" واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء.إلخ". والشهادة على المداينات والمبايعات ستضطر النساء, بلا شك, إلى الاختلاط بالبائعين والمشترين في الأسواق, وفي المحاكم أو كتابات العدل عند توثيق الشهادات. قوله تعالى:" ولا جناح عليكم فيما عرَّضتم به من خطبة النساء أوأكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سراً إلا أن تقولوا قولاً معروفا". فهذا اختلاط بين رجال ونساء, لا لأجل شأن عام, بل لأجل شأن خاص هو الحديث عن الزواج. بل والتعريض به كما ذكر الطبري نقلاً عن ابن عباس ومجاهد بأن المقصود بالتعريض هو أن يقول للمرأة في عدتها:"إني لا أريد أن أتزوج غيرك إن شاء الله,ولوددت أني وجدت امرأة صالحة,ولا ينصب:(يصرح) لها ما دامت في عدتها". وأيضاً يقول لها:"إنك لجميلة , وإنك لنافقة:(مرغوب فيك) , وإنك إلى خير". قوله تعالى:" ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير" وفي الآية التي تأتي لاحقاً بعدها قال تعالى:" فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا.إلخ". فهذا موسى عليه السلام يختلط بالفتاتين ويسألهما لماذا يذودان غنمهما عن الناس ولا يسقيانها معهم. وبعد ذلك,يختلط بإحدى الفتاتين لوحدها فتدعوه إلى لقاء والدها لشكره على ما صنعه لها ولأختها. قوله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي,إلخ". ولعل مناسبة نزول هذه الآية تكشف عن غايتها. فقد نزلت عندما (أولم) النبي صلى الله عليه وسلم لزواجه من زينب بنت جحش ودعا ضيوفه فتناولوا الطعام في حجرة زينب,ثم خرجوا وبقي ثلاثة منهم يتبادلون أطراف الحديث في الحجرة,فخرج النبي(ص) إلى حُجَر أزواجه حتى خرجوا فعاد إلى عروسه. فنزلت هذه الآية ومعها حجاب أمهات المؤمنين. فهاهم ضيوف المعصوم يختلطون بأهله في بيته. ولم يستثن القرآن مما حدث في المناسبة إلا حجاب أمهات المؤمنين, بدليل حضور النبي(ص) لمناسبة عرس فيها اختلاط على ما يأتي لاحقا. روى مسلم في صحيحه في باب: ( تحريم الخلوة بالأجنبية)" أن نفراً من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس فدخل أبو بكر الصديق وهي تحته يومئذ, فرآهم فكره ذلك فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لم أر إلا خيرا, ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان". ويعلق الإمام النووي على هذا الحديث بقوله:"ثم إن ظاهر هذا الحديث جواز خلوة الرجلين أو الثلاثة بالمرأة الأجنبية". فهذا حديث صحيح صريح في جواز الاختلاط بين الرجال والنساء الأجانب. روى البخارى وأصحاب السنن وأحمد عن ابن عمر قال:"إن كان الرجال والنساء في زمان رسول الله(ص) ليتوضؤون جميعا". وقد علق أبو الوليد الباجي في كتابه: (المنتقى) على هذا الأثر بقوله:"يعني مجتمعين في فور(إناء)واحد,وهذا أظهر ما يحمل عليه اللفظ". فهذا اختلاط بين الرجال والنساء في مكان حساس هو مكان الوضوء. وهي مناسبة لا تستدعي كشف الوجه فقط,بل والشعر وبعض أجزاء الجسم. ما أخرجه الشيخان من حديث سهل بن سعد من أن أبا أُسيد الساعدي"دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكانت امرأته يومئذ خادمهم , وهي عروس ,إلخ." وقد أخرج البخاري هذا الحديث في باب: (قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس). فهذا اختلاط ,ليس في مكان عام كأماكن العلاج أو التعليم فحسب, بل بين أصحاب بيت وضيوفهم!. أحداث الخبر: إخفاقات مجتمعي على الجانب الرافض لما حدث كتب مشاري بن عبدالله النعيم بنفس الجريدة لم أكن أتمنى في يوم أن أشاهد ما شاهدته في الخبر في اليوم الوطني وفي يوم احتفالنا بانطلاق جامعة الملك عبدالله، فقد قام مجموعة من الشباب الصغار بأعمال شغب وتكسير لواجهات محلات وإحداث تلفيات في الممتلكات العامة والخاصة دون سبب واضح (رغم أنه لا يمكن أن يكون هناك أي أسباب تبرر هذا الفعل المشين)، فما حدث هو مؤشر خطير لحالة اجتماعية نواجهها اليوم ويمكن أن تتفاقم في المستقبل وتحتاج إلى مواجهة صارمة، لكن المواجهة من وجهة نظري ليست مع هؤلاء الشبان الذين قاموا بهذه الاحداث وإن كانوا يستحقون العقاب ولكن يجب أن نواجه الاسباب التي جعلتهم يقومون بهذا الفعل غير المبرر. لقد شعرت وأنا أشاهد الصور والافلام التي صورت الاحداث وكأنني أمام فيلم سينمائي يصور صداما بين "متظاهرين" ورجال امن، وأن هناك أمرا جللا حدث دفع بهؤلاء الشباب لفقد الوعي والانفلات لكنني لم أجد شيئا يستدعي كل ما حدث (هذا إذا ما افترضنا أن بعض الاحداث الميدانية قد تثير الغضب وتدفع الاخرين للقيام بردة فعل غير محسوبة) وحسب علمي أنه لا أحد ضايق هؤلاء الفتية ولم يتحرش بهم رجال الامن، لكن يبدو أن الأمر بدأ كمغامرة واستهوت الشباب المغامرة فاعتدوا على المال العام والخاص وأخلوا بالامن دون فهم حقيقي لما تعنيه هذا الافعال من زعزعة لأي مجتمع وتصوير سيىء لبلد يحتفل بيومه الوطني وبانطلاقة تنموية جديدة. لقد جعلتني المشاهد أفكر طويلا فيما نحن مقبلون عليه، لأن سؤالا مثل: لماذا يقوم شباب متعلم ومتربّ بهذه الاعمال؟ أهو اندفاع الشباب أم روح المغامرة المكبوتة في مجتمعنا أم هي حالة المجتمع الساكنة التي تجعل من هؤلاء يفتعلون الاحداث من أجل تحريك السكون. لا أريد أن استرسل في الدوافع الكثيرة التي يمكن أن تجعل البعض ينفجر ليخرج عن الخط الروتيني والمتكرر الذي يعيشه مجتمعنا ودون أي حراك أو تغيير، حتى أن عنصر المفاجأة في المجتمع أصبح مفقودا، ولعل ما حدث هو المفاجأة الكبرى، لأنه غير متوقع ولم نتعود على سوابق مماثلة له. أنا لا ابحث عن مبررات لهؤلاء الفتية الذي قاموا بأحداث الشغب لكن من الضروري أن نضع أنفسنا في مكانهم ونفكر كما يفكرون. ولنبدأ بالموضوع الأهم هو كيف تشكلت عقليات هؤلاء الشباب في المدارس وفي البيت وفي المجتمع ككل. شخصيا أعتقد أن هؤلاء الشباب وصلوا لسن اليأس مبكرا، وأقصد أنهم فقدوا الامل في المستقبل مبكرا لذلك مارسوا أعمال شغب دون هدف ودون رسالة واضحة (رغم أنه لايمكن تبرير اعمال الشغب) ولكن لو فرضنا أن هناك مطالبات أو أهدافا لهذه الاعمال يمكن تفهم الحدث على ضوئها قد يكون هذا مقبولا ويمكن مناقشته والبحث فيه وله عن حلول لكننا أمام أحداث دون أسباب ودون مطالبات، انها مجرد مغامرة أو كما يقول المثل الدارج "معاهم معاهم، عليهم عليهم"، اي أن هؤلاء الشباب "استحلوا" الفكرة وتدافعوا للقيام بها دون وعي ودون أن يعي من قام بالتخريب لماذا يقوم بهذا العمل، وهذا بالطبع لايعفيهم من المسؤولية. ولكن لماذا يفقد هؤلاء الأمل في المستقبل، لا بد أن هناك تقصيرا في بناء صورة المستقبل التي جعلت كثيرا من شبابنا يصل إلى مرحلة اليأس. ويبدو من وجهة نظري أن الأمر مرتبط بقيم الأسرة بشكل عام التي تحولت إلى أسرة مستهلكة ومرفهة ولا ترغب في العمل والانتاج وتحث ابناءها على التفكير الاستهلاكي الذي يعتمد على موارد الدولة (أي البحث عن وظيفة حكومية فقط)، كون الصورة الذهنية السائدة عن العمل في مؤسسات الدولة هي الحصول على دخل دون عمل. وفي اعتقادي أن أسلوب التربية الأسري عمق هذه الصورة في أذهان الابناء حتى أننا صرنا نصم الشباب السعوديين بالكسل وبعدم الالتزام وبعدم الرغبة في العمل لأنهم يبحثون عن المريح والثابت. ويبدو أن تناقص فرص العمل الحكومي اوجد إحباطا عند هؤلاء الشباب فدفعهم إلى بعض المغامرات غير المحسوبة لأن معنى الحياة لديهم تقلص كثيرا. الإشكالية الثانية هي أن التعليم نفسه أخفق في أمرين مهمين أحدهما بسيط ولا يحتاج إلى امكانات كبيرة لكنه يحتاج إلى رؤية وإخلاص وهو الموضوع المرتبط بتعميق روح المواطنة بعيدا عن مناهج بالية تدرس في المدارس اسمها "الوطنية" فالوطنية لا تدرس ولكنها ممارسة يومية يشاهدها ويعيشها الاطفال الشباب والكهول والشيوخ، الذكور والاناث، وهو أمر أرى أنه يستوجب تعديلا شاملا في السلوك الاجتماعي داخل المدرسة. هذا الامر لا يتطلب الكثير من العمل لكنه يتطلب تغييرا داخل نفوسنا فنحن من نصنع المواطنة ونحن من يحث على المحافظة على المال العام ونحن من نعمق احترام حقوق الاخرين وممتلكاتهم ونحن من نشكل أسلوب التعامل مع بعضنا البعض، وكل هذا يعني "المواطنة" التي يجب أن نمارسها لا نعلمها ونحفظها لأبنائنا. الأمر الثاني، هو أمر كتبت عنه كثيرا ومازلت أريد الكتابة حوله وهو إعداد الطلاب للعمل بعد الثانوية العامة الامر الذي يتطلب تغييرا شاملا في أسلوب التعليم العام لدينا، فنحن نريد أن نخلط التدريب بالتعليم، بل نريد أن نحول أسلوب التعليم منذ مرحلة ما قبل الابتدائية إلى أسلوب "التعليم بالعمل" أو "التعليم باللعب" ويمكن استخدام لفظة "لعب" حتى نهاية المرحلة الابتدائية، ثم تكون اللفظة "عمل" بعد ذلك وتبدأ حتى نهاية المرحلة الثانوية ليكون ابناؤنا وبناتنا قد تشربوا روح العمل القائم على المنافسة والانتاج لا الكسل وانتظار الدخل المريح المضمون. الاشكالية الثالثة هي المجتمع وما يبنيه من قيم، ويبدو أن أحداث الخبر كشفت لي أننا نعاني من تآكل للقيم التي تحث على بناء التضامن الداخلي، فنحن لا نعرف أن ندعم بعضنا بعضا، كما أن هذه القيم لاتحث على بناء روح المنافسة الشريفة، لأن هناك تراجعا حادا لتأثير الكفاءة في العمل والانتاج وارتفاع أكثر حدة للواسطة والمحسوبية، وبالتالي ساهم المجتمع من خلال تقوقع افراده على مصالحهم الشخصية وتراجع قيم الانتماء لديهم إلى تفشي ظاهرة خطيرة قد تتفاقم في المستقبل إذا لم نلحق أنفسنا ونكاشف بعضنا بعضا بهذه الظاهرة التي لايمكن أن تبني مستقبلا مطمئنا. المهم بالنسبة لنا جميعا أن نتعلم مما حدث لا أن نعاقب هؤلاء الشباب، فالعقاب لن يجدي ولا يعني هذا أن نتهاون مع ما حدث، فأنا مع الحزم لكني أكثر مع التربية وفهم الدوافع والبحث عن حلول جذرية تجفف منابع الشغب، لا أن ننتظر كما انتظرنا سنوات طويلة وبعد ذلك اكتشفنا أن بين شبابنا إرهابيين هددوا أمن العالم.