تستحق المسألة السكانية مكانا متقدما في أجندة العمل الوطني علي المستويين الرسمي والشعبي لأن كل المؤشرات حول معدل الزيادة السكانية في مصر تبعث علي القلق وقد توقفت بالتأمل والحيرة أمام رقم مخيف يؤكد القائلون به استنادا لإحصائيات دقيقة أن عدد سكان مصر مرشح لأن يتجاوز حاجز ال100 مليون عام2020 أي بعد11 عاما فقط من الآن! وهذا الرقم التقديري قد يزيد أو يقل لكنه يعطي دلالات بحجم التحدي الذي تفرضه هذه الزيادة السكانية التي تقترب من نحو مليون نسمة إضافية كل عام يحتاجون إلي مساكن جديدة ومدارس جديدة وخدمات أساسية في الصحة والطرق والمواصلات باعتمادات مالية ضخمة تفوق طاقة الاقتصاد الوطني. وإنصافا للحقيقة فإن هذه المشكلة السكانية ليست وليدة اليوم وإنما هي نتاج حالة من الغفلة عاشتها معظم الحكومات السابقة علي مدي يزيد علي نصف قرن حيث كان عدد سكان مصر حتي منتصف الخمسينات من القرن الماضي في حدود20 مليون نسمة تقريبا, فإذا به يتضاعف اليوم4 مرات حيث يقترب عدد سكان مصر حاليا من ال80 مليون نسمة. وإذا قيل والقول صحيح بأن جهودا واسعة قد بذلت في ال25 عاما الأخيرة وهبطت بمعدل الزيادة السكانية من أكثر من3% سنويا إلي أقل من2% سنويا فإن هذا الانخفاض لم يعد كافيا في ضوء السقف الذي يصعب تجاوزه لمعدل النمو السنوي من ناحية, وبالقياس لتزايد حجم المطالب والاحتياجات والطموحات الاستهلاكية التي فرضتها ثقافة عصر العولمة من ناحية أخري! لقد أصبحنا في مواجهة تحد بالغ الخطورة بعد أن انتقلت تحديات الزيادة السكانية من كونها تشكل عبئا علي متطلبات التنمية إلي خطر قد يعيق عمليات التنمية من أساسها, لأن غول الزيادة السكانية الذي ابتلع في جوفه كل ما حققه الاقتصاد المصري من طفرات في السنوات الأخيرة سوف يبتلع كل مخصصات الاستثمار والتنمية من أجل توفير احتياجات المعيشة الأساسية, خصوصا علي صعيد المأكل والملبس والمسكن وهي احتياجات غير قابلة للتأجيل أو الترحيل في أي موازنة. أريد أن أقول بوضوح إن معدلات الزيادة السكانية في مصر فاقت كل التقديرات والتوقعات وتجاوزت بكثير كل الزيادات الهائلة في موارد الدولة, ومن العبث أن يقول البعض بأن الزيادة السكانية يمكن أن تشكل قوة إضافية لمصر لأن هذه النظرية قد يصح الأخذ بها في الدول الغنية التي لا تعاني مشكلة سكانية بينما لا تصلح للدول الطامحة في النمو رغم مواردها المحدودة التي لا تفي بمتطلبات التنمية.. وعلينا أن نحمي طموحنا المشروع بخطوات جادة! * الاهرام