نقلاً عن الاهرام 10/11/2007 شكونا ألف مرة, بكينا وتباكينا, من تباعد شبابنا عن القيمة الوطنية والشعور الحقيقي بالانتماء لهذا التراب وهذا النيل, لاحظنا وتابعنا دون أن ننطق, محاولات دؤوبا للجماعة المحظورة لاستبعاد شباب هذا الوطن عن ساحة الوطنية, بزعم أن الوطنية هي نقيض الإسلامية! ناسين جميعا قول شيخنا وأستاذنا رفاعة الطهطاوي حب الوطن من الإيمان, فتشنا عن أسباب ذلك الجموح المتباعد عن مشاعر عشق الوطن وقلنا وكنا علي حق تماما بضرورة تدريس التاريخ المصري تدريسا حقيقيا وليس شكليا في كل مدارسنا وكل مراحل تعليمنا, تحدثنا عن الشعور بالتفرقة بسبب الدين أو الجنس أو الوضع الاجتماعي, وقلنا: البطالة وافتقاد القدوة واختفاء أفق المستقبل, لكننا نسينا شيئا بالغ الأهمية. فنحن وبأيدينا تلاعبنا علي مجري تاريخنا الحديث والمعاصر بالكثير والمهم من حوافز ومعايير الوطنية المصرية.. تصوروا بلدا يصمم حكامه ولأسباب سياسية علي تغيير اسمه,وهو أمر لم يحدث إلا في بعض الدول الإفريقية التي تمردت علي أسماء فرضها الاستعمار, فأتت بأسماء وطنية الانتماء.. فمصر أصبحت الجمهورية العربية المتحدة, وأشير إليها أنها الإقليم الجنوبي, فإخفاء اسم سوريا( التي أصبحت الإقليم الشمالي) استوجب إخفاء اسم مصر, ولعل الكثيرين لا يعلمون أن تعليمات مشددة ورقابة صارمة منعت ذكر اسم مصر في وسائل الإعلام والكتب والمناهج الدراسية, ثم ومع انفصام الوحدة أصبح الاسم جمهورية مصر العربية, وأضيفت العربية بلا مبرر, فمصر كانت, ولم تزل وستظل عربية قبل الإضافة وبدونها. وحتي العلم المصري الذي عاشت أجيال تستظل برقعته الخضراء وهلاله الذي يحتضن النجوم الثلاث كرمز لتآخي أبناء الديانات السماوية الثلاث, حتي هذا العلم أطيح به عام1952 لتحل محله رقعة من ثلاثة ألوان الأحمر والأبيض والأسود, ولست أري أي مغزي فيها, قد نفهم الأحمر وكذلك الأبيض, فلماذا الأسود؟.. لكنه, وعلي أي حال, صار علما ثم أضيفت نجمتان, ثم ثلاث, ثم نجمتان, ثم النسر. أما النشيد الوطني فله حكايات طويلة.. لعل بداياتها كانت مع أول من نسج لمصر أو حاول نشيدا وطنيا, شيخنا رفاعة الطهطاوي, الذي شاهد طلبة مدرسة البوليتيكنيك الباريسية وهم يصطفون كل صباح أمام العلم الفرنسي( الذي لم يتغير حتي الآن) لينشدوا المارسيلييز( الذي لم يتغير هو أيضا), فقرر أن يغرس في قلوب تلاميذ مدرسة الألسن محبة وطنهم, فوقف تلاميذه لينشدوا كل صباح: مال المصري كذا دمه مبذول في شرف الوطن تفديه العين بناظرها والنفس بخير ذخائرها ولأن الأمر كان منوطا برفاعة وحده, فما أن نفاه الخديو عباس إلي السودان ليعمل خوجة في مدرسة طوكر, حتي سكت صوت النشيد الوطني الأول, وظل ساكتا حتي زار مصر في عام1908 وفد من الشباب الروماني, وفي أحد الاحتفالات التقاهم طلاب المدارس العليا, أنشد الرومانيون نشيدهم الوطني وصمت المصريون في خجل, لكن طلاب الحزب الوطني لجأوا إلي شاعرهم الشيخ علي الغاياتي فصاغ لهم نشيدا يقول: نحن للمجد نسير ولنا الله نصير ليس يثنينا نذير عن بلاد تستجير وينشر النشيد في ديوان وطنيتي الذي تصادره سلطات الاحتلال وتسجن المؤلف ويمنع الطلاب من ترديد النشيد. وإذ تشتعل ثورة1919 صاغ بديع خيري نشيدا للثورة ولحنه سيد درويش: قوم يا مصري مصر دايما بتناديك. ثم شكل طلعت حرب لجنة لاختيار نشيد وطني فاختارت نشيدين أحدهما يقول: دعت مصر فلبينا نداها لكنه أيضا ما لبث أن اختفي, لأن الحكومات تعاقبت وتجاهلته, حتي كان اشتراك مصر في الدورة الأوليمبية عام1936 وأصدرت وزارة المعارف قرارا جاء فيه نظرا لما للأناشيد القومية من الأثر القومي في إيقاظ شعور الشعب حين يتناشدها, فالحاجة ماسة إلي نشيد أسوة بالدول المتحضرة.. ونظمت مسابقة فاز فيها الشاعر محمود محمد صادق ولحن النشيد عبدالحميد توفيق: بلادي بلادي فداك دمي وهبت حياتي فدا فأسلمي غرامك أول ما في الفؤاد ونجواك آخر ما في فمي ثم جاءت ثورة يوليو.. وتردد مع أصدائها أكثر من نشيد, فقررت وزارة المعارف نشيدين يرددهما التلاميذ: مصر التي في خاطري وفي فمي أحبها من كل روحي ودمي والآخر: علي الإله القوي الاعتماد بالنظام والعمل والاتحاد وبعد العدوان الثلاثي أصبح النشيد الوطني: والله زمان يا سلاحي ومع كامب ديفيد أصبحت كلمة سلاحي غير مرغوب فيها, فاختار الرئيس السادات نشيدا قديما ألفه الشيخ يونس القاضي ولحنه سيد درويش ليستقبل به المصريون سعد زغلول العائد من المنفي: بلادي بلادي بلادي لك حبي وفؤادي وأعتقد أن أغلب المصريين لا يحفظون إلا هذا المطلع وحده ثم يتلعثمون بعد ذلك بما يمنح أعضاء الجماعة المحظورة في المدارس فرصة فرض نشيدهم بدلا من هذا النشيد( تصوروا أنهم مازالوا وحتي الآن يفعلونها دون حساب)؟ وأخيرا وبعد كل هذا التلاعب بالاسم والعلم والنشيد, نطلب إلي الناس احترام مقدسات الوطن ورموزه.. أليس هذا صعبا؟