على خلفية الاشتباكات المسلحة في كربلاء والتي أدت إلى مقتل أكثر من 50 شخصا ، قرر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر تجميد نشاط جيش المهدي لمدة ستة أشهر، وذلك لإعادة تأهيل هذا التنظيم والتقاط الانفاس لترتيب الاوراق وتأهيله بالصورة التي تحفظ لهذا العنوان العقائدي هيبته.. وقف الأنشطة المسلحة والعسكرية يشمل أيضاً عدم الهجوم على القوات الأمريكية وقوات التحالف في العراق. رجل الدين الشيعي، المناهض للوجود الأمريكي في العراق، مقتدى الصدر أصدر اوامره بعد اندلاع معارك في كل من كربلاء وبغداد بين مليشيا جيش المهدي وعناصر من فيلق بدر، وهو تنظيم عسكري منافس يدين بالولاء للزعيم السياسي والديني الشيعي عبدالعزيز الحكيم، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي وزعيم الائتلاف العراقي الموحد. وفي خطوة تعبر عن إدانة الأحداث التي جرت في مدينة كربلاء الشيعية المقدسة،تضمن القرار فترة حداد عام لمدة ثلاثة أيام ولبس السواد واقامة مجالس العزاء احتجاجا على ما جرى في كربلاء ،وإغلاق كافة مكاتب التيار الصدري حيث يزورها حالياً قرابة مليون حاج شيعي، حاولت الحكومة العراقية إجلاءهم عقب الاشتباكات التي شهدتها المدينة يومي الاثنين والثلاثاء. من جانبها رحبت الحكومة العراقية بقرار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر بتجميد أنشطة جيش المهدي الذي يتبعه لمدة ستة أشهر، ووصفته بانه نبأ سار للغاية ، ويساهم في سلام واستقرار العراق. وكانت الحكومة العراقية قد اتهمت عناصر جيش المهدي بالدخول في اشتباكات مع عناصر الشرطة خلال مراسم شيعية في مدينة كربلاء المقدسة لاحياء ذكرى ولادة الامام المهدي، الامام الثاني عشر للشيعة، مما أسفر عن مقتل ما يزيد عن 50 شخصا واصابة نحو 300 اخرين بجروح، وفقا لمصادر طبية. وقد تسببت الاشتباكات المسلحة التي وقعت في كربلاء بإلغاء مراسم الزيارة "الشعبانية السنوية" حيث غادر الزوار -الذين قدر عددهم بمليونين- المدينة دون أداء مراسم الزيارة واضطر الزوار إلى ترك المدينة هربا من المواجهات التي اودت بحياة العشرات . لكن مقتدى الصدر نفى أن يكون أنصاره مسؤولين عن إراقة الدماء التي شهدتها كربلاء ، وطالب الحكومة بالتحقيق فيما حدث على ان يكون تحقيقا عادلا ومحايدا لكي لا تتكرر المأساة على حد قوله ،مشيرا الى وجود المحتل بينهم في بلادهم . ويرى المحللون ان قرار مقتدى الصدر يأتى فى اطار محاولته لاعادة سيطرته على الميليشيا المتشرذمة ،وفرز بعض العناصر التي تدعي انتمائها لجيش المهدي .. وكان مقتدى الصدر قد اسس جيش المهدي بعد الغزو والاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 بوقت قصير. ويعتبر جيش المهدي من اكبر الجهات المعارضة للوجود العسكري الامريكي والاجنبي في العراق، وكان له دور رئيسي في التصدى لقوات التحالف وقوات الامن العراقية في شهري ابريل واغسطس من عام 2004. ثم انضم جيش المهدى للتيارات السياسية الرئيسية ولعب دورا في وصول رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي للسلطة عام 2006. ولكنه انشق عن حكومة المالكي بعد ذلك وسحب الصدر وزراءه الستة من الحكومة في ابريل الماضى حينما رفض المالكي تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الامريكية من العراق. وكانت وزارة الدفاع الامريكية قد وصفت جيش المهدي في شهر ابريل الماضي بأنه يمثل التهديد الاكبر للأمن في العراق، وقالت حينها إن جيش المهدي احتل موقع تنظيم القاعدة بوصفه أخطر محرك للعنف الطائفي المستمر في البلاد. كما يتهم جيش المهدى بالتورط في العديد من الهجمات الطائفية التي استهدفت السنة العرب،والتى اصطدمت مرات عديدة مع ميليشيات شيعية اخرى. يشار الى ان جيش المهدى يقدر تعداده بنحو 60 الف مقاتل. على جانب آخروصل رئيس الوزراء نوري المالكي إلى كربلاء، وتعهد بملاحقة مثيري الأحداث الأخيرة في المدينة. وكان المالكي قد أمر بفرض حظر للتجول في مدينة كربلاء صباح أمس الأربعاء وحتى إشعار آخر. واتهم المالكي عصابات وصفها بالإجرامية وبقايا حزب البعث السابق بإشعال فتيل الاشتباكات التي استهدفت زوار كربلاء مؤكدا أن قوات الأمن العراقية تمكنت من السيطرة على الوضع في المدينة، وذلك بعد وصول تعزيزات عسكرية وانتشار قوات الجيش والشرطة والتدخل السريع والقوات الخاصة في كافة أنحاء المدينة. ويدير المالكى غرفة عمليات عسكرية بنفسه في مدينة كربلاء ، حيث أمر باعتقال كل من يخالف الأوامر. يشار الى ان مقر حزب الدعوة الذي ينتمي إليه المالكي قد تعرض لإطلاق نار. واصدر المالكى اوامره بتنحية قائد عمليات مدينة كربلاء وإحالته إلى التحقيق بسبب تقاعسه عن أداء واجبه أثناء الأحداث الدامية التي شهدتها المدينة. ويرى المراقبون انه يصعب النظر إلى تلك الأحداث بمعزل عن الصراع على النفوذ بين أكبر كتلتين شيعيتين تمتلكان جماهير مسلحة. يمثل احدهما جانب التيار الصدري الذي يعتبر "جيش المهدي" جناحه العسكري، والذي يحظى بشعبية واسعة في صفوف الشباب في المناطق الشعبية الفقيرة، خاصة في مدينة الصدر التي يسكنها حوالي مليونيي من السكان في بغداد، وكذلك الأحياء الشعبية في جميع مدن الجنوب الشيعي. وفي المقابل.. هناك التيار المؤيد لعبد العزيز الحكيم، الذي يسعى لكي يكون الزعيم المطلق للشيعة العراقيين، ويسيطر تياره على الحكومات المحلية في معظم المدن الشيعية، كما يسيطر إفراده على قوات الشرطة في تلك المدن. ويرى المراقبون ان تيار الحكيم يتميز بأنه أكثر تنظيماً وخبرة من أتباع الصدر، الذين هم تيار شعبي يفتقد القيادة المركزية، كما يفتقد الخبرة السياسية والتنظيمية، وينحدر معظم أتباعه من عائلات فقيرة، ومحدودة التعليم،فيما يرتبط التيار الذي يقوده عبد العزيز الحكيم بعلاقات جيدة مع الأمريكيين من جهة ومن جهة أخرى مع طهران، التي تأسس فيها وتلقت الميليشيا التابعة له فيها تدريباتها طوال العقدين اللذين سبقا الإطاحة بنظام صدّام حسين. . أما التيار الصدري كما يرى المراقبون فيغلب التخبط على مواقفه السياسية، والتوتر على علاقته بالأمريكيين، الذين يعتبرهم قوة احتلال معادية، وسبباً للعنف وخطراً على مشروعهم السياسي في العراق. وعن علاقة التيار الصدري بإيران فيشوبها الغموض كما يرى المحللون . فالتيار تأسس في عهد صدّام حسين، واتهمت إيران والعراقيون المقربون منها، مؤسسه، وهو والد زعيمه الحالي مقتدى الصدر، اتهمته بالعمالة للنظام آنذاك. وقد قتل مؤسس التيار، آية الله محمد محمد صادق الصدر في ما بعد، على أيدي عناصر أمن نظام صدام حسين. ويقول قياديون في التيار الصدري، أنهم لا يتبعون لإيران، وأن اتجاهاتهم وطنية عراقية، وقومية عربية، ملمحين إلى تخلي أتباع الحكيم عن هذه المشاعر لصالح علاقتهم مع إيران. لكن كثيراً من المراقبين يشككون في هذه الرؤية، ويؤكدون أن إيران تدعم الآن مختلف الفصائل الشيعية، بما فيها المتصارعة مع بعضها، تكريساً لنفوذها في العراق، وأن الإيرانيين أذكى من أن يضعوا كل بيضهم في سلة حزب شيعي واحد...