وسط تزايد التوتر السياسي وموجة العنف الاسلامي التي تعصف بالبلاد،أعلن الرئيس الباكستانى برويز مشرّف أمس، بصفته قائد الجيش، فرض حال الطوارئ وتعطيل العمل بالدستور. كما عزل رئيس المحكمة العليا، افتخار تشودري وذلك قبل يومين من بت المحكمة العليا في شرعية انتخابه لولاية ثانية، بعدما خاض الانتخابات محتفظاً بمنصبه العسكري. وفيما دافع الرئيس مشرف عن قراره ،وبرراتخاذ هذا الاجراء بأنه نتيجة «تزايد واضح في أنشطة المتطرفين والحوادث الناجمة عن هجمات إرهابية»،و"تدخل السلطة القضائية" في صلاحيات السلطة التنفيذية مشيراً الى أن «بعض أعضاء القضاء عملوا ضد أهداف السلطتين التنفيذية والتشريعية في حربها على الإرهاب والتطرف ما أثر على فاعلية تحركهما لاحتواء هذا التهديد»،باشرت سلطات إسلام آباد إجراءات تنفيذه بتحديد إقامة زعيم حزب الحركة من أجل العدالة عمران خان في منزله بلاهور، وبدء التضييق على وسائل الإعلام. المعارضة من جانبها نددت بالإجراء وتعهدت بالعمل ضده، واعتبرنواز شريف رئيس الوزراء الباكستاني السابق الذي يقيم في المنفى ان عهد الفوضى قد بدأ في باكستان.واضاف "على مشرف ان يستقيل اليوم ويمهد لانتخابات سليمة". و يذكر أن القرار يأتي استباقا لقرار المحكمة العليا المتوقع بعد ثلاثة أيام حول قانونية ترشح مشرف لمنصب الرئاسة للمرة الثانية الشهر الماضي مع بقائه قائدا للجيش قانونيا. ورجح مراقبون أن يكون هناك مخاوف في أوساط الحكومة من أن يكون قرار المحكمة العليا مخالفا لمصلحة مشرف. ويمكن للقرار أن يوفّر لمشرّف حجّة للاستمرار في منصبه كقائد أعلى للقوات المسلحة رغم أنّه وعد بالتخلي عنه في حال انتخابه مجددا رئيسا للبلاد. هذا القرار أيضا ممكن أن يرجئ الانتخابات البرلمانية المقررة في غضون الأشهر القريبة المقبلة. ورغم ان القرار يأتي قبل قرار حكم المحكمة العليا الا انه جاء ايضا وسط تصاعد حدة الأزمة السياسية وزيادة أعمال العنف والمواجهة مع جماعات قبلية مسلحة منذ اقتحام الجيش المسجد الأحمر في إسلام آباد في يوليو الماضي. ويرى المراقبون انه بهذا القرار، تكون باكستان قد دخلت منعطفاً خطيراً ينذر بمزيد من الإضطرابات ويطرح علامات استفهام حول مصير الانتخابات التشريعية مطلع 2008 ومصير تماسك المؤسسة العسكرية التي باشرت تطبيق المرسوم الذى أصدره مشرّف بإعلان حال الطوارئ وتعطيل الدستور.كما حذر خبراء فى المال من ان الطوارئ ستؤثر سلبا على الاقتصاد وسوق البورصة الذي كان من بين اقوى الاقتصادات في اسيا.وقالوا "سيتوقف تقدم البلاد. البورصة ستنخفض وستزداد نسبة البطالة والتضخم. توقعات قوية أيضاً لدى المراقبين بأن يطيح إعلان حال الطوارئ بالمفاوضات الجارية بين بوتو ومشرف لتقاسم السلطة والتى تدعمها لندنوواشنطن والتي يفترض بها ان تفضي الى تولي بوتو رئاسة الوزراء واحتفاظ مشرف بالرئاسة بعد تخليه عن قيادة الجيش ليصبح رئيسا مدنيا. وكانت بوتو اعلنت الاربعاء خشيتها من اعلان "حال الطوارئ" والغت كل مشاريع سفرها الى الخارج،ولكنها عادت عن قرارها الخميس وسافرت الى دبي حيث تقيم اسرتها. وبالرغم من إعلان بوتو عن عودتها الى باكستان في 8 نوفمبر، الا ان قرار الرئيس مشرف عجل في عودتها،وعادت بوتو على الفور الى باكستان اتية من دبي. وكان في استقبالها في مطار كراتشي في جنوب البلاد عدد قليل من انصارها، وتوجهت بعدها الى منزلها ترافقها قوة من الشرطة. بوتو رئيسة الوزراء السابقة وصفت إعلان مشرف بأنه "أحكام عرفية مصغرة". وتعهدت فور عودتها باحتجاج حزب الشعب الذي تتزعمه عليها.واعتبرت أن الاعلان يهدف الى إرجاء الانتخابات "عاما أو اثنين على الاقل"،كما طالبت بوتو أيضا بوضع حد لتعليق العمل بالدستور ودعت إلى تنظيم انتخابات حرة ونزيهة في موعدها المقرر في يناير/كانون الثاني القادم. يشار إلى أن بوتو التي عاشت ثماني سنوات في المنفى كانت تتفاوض مع حكومة مشرف حول انتقال البلاد إلى حكم مدني وديمقراطي، وكان الجنرال برويز مشرف استولى على السلطة في انقلاب أبيض عام 1999. ويذكر أنه منذ يوليو/تموزتحديداً تشهد باكستان موجة لا سابق لها من العنف شملت حتى اليوم عشرين تفجيرا انتحاريا اسفرت عن مقتل 420 شخصا وارتكبها متطرفون او نسبت اليهم. وكان اسوأ هذه الاعتداءات الانتحارية هجوم اوقع في 18 اكتوبر/تشرين الاول في مدينة كراتشي الواقعة جنوب البلاد 139 قتيلا. واستهدف هذا الهجوم موكب رئيسة الوزراء السابقة بنازير بوتو مساء عودتها من المنفى بناء على مفاوضات سياسية مع الجنرال مشرف من المقرران تفضي الى تقاسمها للسلطة واياه. قلق دولى من الطوارئ بالرغم من مطالبة الرئيس الباكستانىالولاياتالمتحدة ومن أسماهم أصدقاء باكستان في الغرب بتفهم دوافع القرار مؤكدا أنه لولا القرار لانجرت بلاده إلى "الانتحار، إلا أن قرار فرض حال الطوارىء في باكستان اثار ردود فعل قلقة في واشنطنولندن ونيودلهي وغيرها من الدول، التي دعت كلها الرئيس برويز مشرف الى انتهاج طريق الديموقراطية. الولاياتالمتحدة اعتبرت ان اعلان حال الطوارىء في باكستان "مخيب جدا للامال". وجاء في بيان صادر عن البيت الابيض "هذا الاجراء مخيب جدا للامال، على الرئيس مشرف احترام وعده باجراء انتخابات حرة وسليمة في كانون الثاني/يناير ومغادرة منصبه قائدا للجيش قبل ان يؤدي اليمين الرئاسية مجددا". كما عبرت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس اثناء مشاركتها في اسطنبول في مؤتمر دول جوار العراق، عن اسفها لاعلان الرئيس مشرف اعلان حال الطوارىء ودعته الى العودة عن قراره. وجدير بالذكر أن واشنطن كانت قلقة منذ فترة طويلة ازاء تردد الجنرال مشرف في اعتماد اجراءات تعزز الديموقراطية في البلاد رغم اعتمادها بقوة عليه في مكافحة عناصر القاعدة وطالبان في باكستان وافغانستان المجاورة. وتدخلت رايس شخصيا في مطلع اب/اغسطس لدى الجنرال مشرف لاقناعه بالعدول عن اعلان حال الطوارىء. واتصلت به مرتين وبعد عدة ايام من التردد وافق على طلبها. لكن الضغوط الأمريكية هذه المرة يبدو انها لم تؤثر عليه، وفشلت الولاياتالمتحدة فى إقناع الرئيس الباكستاني الذي تنتهي ولايته رسميا في 15 تشرين الثاني/نوفمبر الامتناع عن فرض حال الطوارىء والدعوة كما هو مرتقب الى انتخابات مطلع العام 2008. مشرف كلن أُجبر من جانب الأمريكيين على تقديم تنازلات عدة لصالح بوتو، شملت تنازله عن قيادة الجيش شرط أن يتم ذلك عقب إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية، وإسقاط اتهامات بالفساد ضد بوتو، وكذلك تعيين بوتو رئيسة للحكومة عقب الانتخابات البرلمانية المقبلة. ويصف المراقبون عدم قدرة واشنطن فى التأثير على مشرف بأنه يسجل نكسة جديدة للدبلوماسية الاميركية من حيث قدرتها على ضبط احد حلفائها الاستراتيجيين في الحملة ضد الارهاب. إلا أن متحدث باسم وزارة الدفاع الاميركية أعلن فور صدور القرار الباكستانى ان الولاياتالمتحدة لا تنوي على الفور تعليق مساعدتها العسكرية الى باكستان ، وقال المتحدث باسم الوزارة جف موريل "في هذه المرحلة، لا يؤثر اعلان الرئيس مشرف على مساعدتنا العسكرية للجهود التي تبذلها باكستان في مكافحة الارهاب". وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند اعرب عن "قلق عميق" حيال قرار الرئيس الباكستاني ودعاه الى التحرك "وفقا للدستور". وقال ميليباند في بيان "كل اصدقاء باكستان يساورهم القلق جراء هذه المستجدات ". من جهتها، أدانت كندا فرض حال الطوارىء. وقال وزير الخارجية الكندي ماكسيم برنييه ان التدابير القمعية التي تتسبب فيها "مسيئة للتطور الديموقراطي واستقلال السلطة القضائية". واضاف الوزير في بيان "ندعو الحكومة الباكستانية الى الغاء حال الطوارىء" التي "تعوق امكانية اجراء انتخابات حرة ونزيهة يحق للشعب الباكستاني بها". الهند أعربت انها "تأسف" لقرار فرض حال الطوارىء ودعت جارتها التي تمتلك مثلها السلاح النووي، الى مواصلة طريق الديموقراطية. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الهندية نافتيج سارنا في نيودلهي "نحن على ثقة بعودة الامور الى طبيعتها قريبا، ما يسمح بمواصلة انتقال باكستان الى الاستقرار والديموقراطية". كذلك اعربت المفوضية الاوروبية كذلك عن قلقها من قرار الرئيس الباكستاني وتمنت "عودة سريعة الى الديموقراطية". وقال ناطق باسم المفوضية "من المهم جدا ان تواصل البلاد انتقالها الى الديموقراطية وان تجرى الانتخابات وفقا للمسار الدستوري". كما اعربت فرنسا ايضا عن "قلقها"، ودعت في بيان لوزارة الخارجية، الى "عودة المؤسسات الى عملها الطبيعي والحفاظ على دولة القانون". واعتبر وزير الخارجية السويدي كارل بيلدت من جهته ان القرار "مقلق للغاية" وقد يؤدي الى تصاعد العنف. وقال "ثمة احتمال لتفاقم المواجهات والنزاعات في البلاد"، مضيفا "الامر خطير ومقلق جدا ولا يشكل حلا لمشاكل باكستان". وفى النهاية إذا كان مشرف يواجه أوضاعًا سياسية مأزومة وحالة أمنية لا تقل سوءًا، فهل يشكل إعلان حالة الطوارئ حلاً للخروج من هذه الأزمة ؟ الغريب أن لا أحد فى باكستان يتوقع أن تحمل الأيام القادمة تغييراً الى الأحسن ... 4/11/2007