كان من المتوقع فوز حزب العدالة والتنمية بأغلبية المقاعد في الانتخابات التشريعية المغربية ولكن حزب الإستقلال قدم مفاجأة بفوزه ب52 مقعدا متقدما بخمسة مقاعد علي حزب العدالة والتنمية( الإسلامي) وفق النتائج الأولية التي أعلنتها وزارة الداخلية مساء أمس. وحل حزب الحركة الشعبية ثالثا ب43 مقعدا، ثم التجمع الوطني للأحرار ب38 مقعدا، يليه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ب36 مقعدا، وحزب الاتحاد الدستوري ب27 مقعدا. وبعد حزب الاستقلال أحد احزاب التحالف الحكومى الذى يُشارك بقيادة رئيس مجلس الوزراء إدريس جطو ويضم الحزبين وهما الاتحاد الاشتراكى للقوات الشعبية وحزب الاستقلال الذى تأسس عام 1944 وقاوم الاستعمار الفرنسى آنذاك. وقد شهدت المغرب فى هذه الإنتخابات رياح ديمقراطية جديدة مصحوبة بالأمل فى مزيد من الاصلاحات الحقيقية الشاملة حيث توجه الناخبون المغاربة يوم الجمعة الموافق 7 سبتمبر الى مراكز الاقتراع التي تزيد على 38 الف مركز في مختلف انحاء البلاد لانتخاب ممثليهم بمجلس النواب فى ثانى انتخابات برلمانية منذ أن اعتلى الملك محمد السادس العرش فى عام 1999 ، ودفع الملك محمد بإصلاحات تدريجية فى الوقت الذى يحتفظ فيه بسيطرة مُحكمة على مقاليد السلطة. ويأمل الائتلاف الحاكم أن يكافئه الناخبون عن خمس سنوات من الإصلاحات التى شملت حملة للقضاء على الإسكان العشوائى ودعم حقوق المرأة وبرنامج توصيل الكهرباء للريف الذى لا يزال يفتقر إلى التطور والخدمات الأساسية فى الوقت الذى يرى فيه كثير من المغاربة أن السياسيين أكثر اهتماماً بالسلطة منهم بالشعب، مُشيرين إلى غياب الطموح والحافز من جانب المسئولين . ويتعين على الناخبين الذين يبلغ اجمالي عددهم نحو 15,5 مليونا اختيار 325 نائبا للسنوات الخمس المقبلة في 95 دائرة انتخابية بزيادة دائرتين عن الانتخابات الماضية من بين مرشحين عن 33 حزبا و13 لائحة مستقلة. وسيختار الناخبون 295 نائبا في الدوائر الانتخابية و30 نائبة ضمن "لائحة وطنية" منفصلة لتأمين حصة تمثيلية للنساء تمثل 10% كحد ادنى من المقاعد..ويتوقع ان تنشر نتائج الانتخابات المؤقتة السبت وتعقبها النتائج النهائية مساء الاحد المقبل . وقد دعا الملك محمد السادس السياسيين فى المغرب إلى ضمان أن تكون الانتخابات خالية من أى فساد واحترام الإرادة الشعبية الحُرة. ويرى بعض المراقبين أن أمام النشطاء المؤيدين للديمقراطية الذين يحثون الناس على التصويت مهمة شاقة بسبب انتشار الأمية وصعوبة توصيل الرسالة فى الوقت الذى لا يقرأ فيه الصحف بالمغرب سوى نسبة ضعيفة من الشعب، ويقول منتقدون للنظام أن السياسات الحالية محكوم عليها بالفشل إلى أن يتخلى القصر عن المزيد من السلطات وعن الطريقة الأبوية فى إدارة البلاد ،التى عفا عليها الزمن، والتى يفعل الملك فيها الصالح لرعاياه الموالين له . ومثلت نسبة الاقبال على الانتخابات التي بلغت 52 بالمئة في انتخابات 2002 وكذلك عدد المقاعد التي سيحصل عليها الاسلاميون أبرز رهانات هذا الاقتراع ..فقد أشارت استطلاعات الرأى إلى أن حزب العدالة والتنمية الإسلامى المعتدل سيتفوق على الأحزاب الأخرى وعددها 32 حزبا ،وهو مدعوم من حركة التوحيد والإصلاح التى تمد الحزب بالنشطاء وكبار المسئولين وبالدعم الانتخابى ولكن النتيجة جاءت مخالفة لذلك. وقد تنافس مع المؤسسة العلمانية التى حكمت المغرب على مدى أكثر من خمسين عاماً فى هذه الانتخابات الإسلاميين الذين يعتمدون على شعور واسع بخيبة الأمل تجاه السياسيين الذين يعتبرهم الكثيرون ليسوا جديرون بتولى مصالح البلاد، وتشير عدة استطلاعات للرأى إلى أن المغاربة ينظرون إلى البرلمان الحالى بقدر قليل من التوقير بسبب عمليات شراء الأصوات فى الماضى، حيث لا يزال الفقر متفشياً فى الريف المغربى، كما أن معدلات البطالة مرتفعة فى المُدن وهو ما يغذى التوترات السياسية فى البلاد . وتوقعالمحللون أن يحقق حزب العدالة والتنمية – وهو حزب المعارضة الرئيسى فى البلاد – مكاسب وربما يأتى فى المرتبة الأولى فى هذه الانتخابات وكان قد شغل الترتيب الثالث (42 مقعدا )فى الانتخابات السابقة عام 2002 خلف حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (50 مقعدا) وحزب الاستقلال (48 مقعدا) اكبر احزاب التحالف الحكومي الحالي. .غير أنه لا يُشارك فى التحالف الحكومى بقيادة رئيس مجلس الوزراء إدريس جطو الذى يضم الحزبين الفائزين فى تلك الانتخابات، وهما الاتحاد الاشتراكى للقوات الشعبية وحزب الاستقلال، ومن المعروف أن تعيين رئيس الوزراء من صلاحيات الملك الذى يمكن أن يختار لهذا المنصب عضواً من الأغلبية الفائزة أو شخصية ليس لها انتماء سياسى ، ولا يحتج أى حزب يخوض غمار الانتخابات على النظام الملكى الذى يتولى أهم السلطات . كما يرى المراقبون أن النتائج التى حققها الحزب فى هذه الانتخابات (47 مقعدا) وإن كان متوقع له الحصول على الاغلبية إلا أنه الشاهد على تقدمه من الثالث عام 2002 إلى الثانى فى 2007 وهى مقياس لمدى صدمة الناخبين فى النُخب العلمانية والليبرالية التى حكمت المغرب خلال الخمسين عاماً الماضية، وقد تأسس حزب العدالة والتنمية عام 1996 ويشغل فى الانتخابات 2002 على 42 مقعداً من مقاعد البرلمان البالغ عددها 325 مقعداً، كما أن حزب العدالة يستمد قوته بشكل أساسى من نهجه المعتدل الذى أصبح مستساغاً على نحو متزايد من جانب الملك محمد السادس والنخبة السياسية ونخبة رجال الأعمال المُحيطين به، ويرى أحد المحللين المغاربة بأنه ما دام الفساد مُتفشياً بالمغرب فكل الفرص متاحة أمام الإسلاميين للفوز بالانتخابات التشريعية. وكان حزب العدالة بزعامة سعد الدين عثماني يسعى لاستغلال حالة الاستياء الشعبي من الحكومة الحالية في زيادة عدد مقاعده بالبرلمان لتصل الى 70 مقعداً، حيث إن كثيرا من المغاربة يرون أن الحكومة لم تقم بالمطلوب للقضاء على الفقر والبطالة والفساد، ومن هنا تضمنت برامج الأحزاب المشاركة بالانتخابات خططا لمعالجة هذه المشكلات. بل اتجهت بعض التجمعات مثل البربر و الامازيجيين للمطالبة بمقاطعة الانتخابات وباصلاح دستورى يتيح اجراء اصلاحات حقيقية بالغرب . وبالتزامن مع ذلك قام قادة حزب العدالة والتنمية بطمأنة الغرب بشأن توجهات حزبهم، فقد زاروا مؤخرا الولاياتالمتحدة للتأكيد على أنهم ليسوا متشددين وأن وصولهم إلى السلطة لن يؤدي لإقامة دولة إسلامية في المغرب. وقد التقت هذه التطمينات مع توجهات أمريكية في الفترة الأخيرة لتشجيع الأحزاب المعتدلة لمواجهة ما تعتبره واشنطن تهديدا من حركات إسلامية أكثر تشددا. واذا كان حزب العدالة والتنمية يملكحضورا بين اوساط الطبقات الوسطى في المدن ،فان المفاجأة كمنت من الارياف حيث تملك "الحركة الشعبية" المكونة من اندماج ثلاثة تشكيلات سياسية سابقة حضورا قويا . ويتمايز تحالف يساري من خارج التحالف الحكومي مكون من ثلاثة احزاب باعتبار الدستور الحالي "غير ديمقراطي" والمطالبة باصلاحه بصورة عاجلة. وتُعد هذه الانتخابات التشريعية هى الثانية التى تجرى فى عهد الملك محمد السادس الذى توج ملكاً للبلاد عام 1999 خلفاً لوالده الراحل الملك الحسن الذى حكم البلاد بقبضة من حديد، وتنافس 33 حزباً سياساً وعشرات المرشحيين المستقلين فى هذه الانتخابات للفوز بمقاعد البرلمان المغربى الذى يضم 325 مقعداً من بينها حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال الملكى المحافظ وحزب التقدم والاشتراكية وحزب العمل، ورغم الدور البارز للملك فى هذه الانتخابات التى تجرى كل خمس سنوات ينظر إليها كحدث مهم يحرك المشهد السياسى فى المغرب ويعكس توجهات وقوى جديدة . ويرى المراقبون أن من أسباب خيبة الأمل فى الانتخابات نظام التصويت الذى يشجع على تفتيت القوى السياسية ويحول دون ظهور حزب مهيمن يستطيع أن يقود الحكومة ويمكن مساءلته، كما أن إقبال الناخبين على التصويت فى المغرب تراجع من 67.4% عام 1984 إلى 51.56% عام 2002، وتأمل الحكومة المغربية التى شنت حملة للتوعية تستهدف إحياء الحماس عند الناخبين أن يُشارك فى هذه الانتخابات أكثر من نصف الناخبين المُسجلين البالغ عددهم 15.5 مليون ناخب حيث سيتم انتخاب 325 عضواً فى البرلمان المغربى من خلال تصويت مباشر يعتمد نظام اللائحة النسبية مع تخصيص 30 مقعداً للمرأة، وكان العاهل الراحل الحسن الثانى قد اختار عام 1998 رئيس الوزراء السابق عبد الرحمن اليوسفى من حزب الاتحاد الاشتراكى للقوات الشعبية لرئاسة أول حكومة تناوب إثر عقود من الحُكم المطلق، ويُشكل حزب الاتحاد الاشتراكى أكبر منافس لحزب العدالة والتنمية الإسلامى . وتتوزع اجمالا الاحزاب السياسية المشاركة في هذه الانتخابات الى ثلاثة توجهات كبرى هي الاسلاميون وضمنهم بالخصوص حزب العدالة والتنمية واحزاب التحالف الحكومي واليسار من خارج التحالف الحكومي. وقد تحالفت ثلاثة أحزاب من أقصى اليسار لدعم فرصها فى الفوز فى الانتخابات اودعت إلى صياغة دستور ديمقراطى فى المغرب لإعادة توزيع السلطات المنوطة بالملك، وأشار أحمد بن جلون الأمين العام لحزب الطليعة الديمقراطى الاشتراكى أن حزبه والحزب الاشتراكى الموحد وحزب المؤتمر الوطنى الاتحادى وهى أحزاب منبثقة عن تيارات ماركسية واشتراكية تقدمت بلوائح مشتركة فى 75 دائرة من الدوائر الانتخابية ال 95 فى المغرب، وكان حزب الطليعة قد قاطع كل الانتخابات منذ نشأته عام 1983 بسبب التزوير الانتخابى، ومع تقارب برنامج أحزاب أقصى اليسار مع باقى الأحزاب الأخرى المتنافسة فى هذه الانتخابات، فإنها على المستوى السياسى تؤكد أن تغيير الدستور أصبح مطلباً مُلحاً . ويخشى كثيرون أن تتحول الانتخابات فى المغرب " 30 مليون نسمة " الى جهد ضائع فى بلد يأخذ بسياسة السوق المفتوحة لكنه يعانى من الفقر وينظر إليه باعتباره أقرب حليف للغرب فى شمال أفريقيا، ويسود الاعتقاد بأن البرلمان مؤسسة لا سلطة لها تضم سياسيين يعجزون عن الوفاء بالوعود التى يقطعونها قبل انتخابهم لكن بعض المحللين يرون أن هذه الاعتقاد يجب ألا يحول دون المُشاركة فى التصويت، حيث يتعلل بعض المغاربة بالأمل فى أن تحقق الانتخابات تغييراً إلى الأفضل، ويدرك المغاربة حسب رأى المحللين أنه أيا كانت نتيجة الانتخابات، فستظل السلطة الحقيقية بيد الملك محمد السادس الذى يجمع بين رئاسة الدولة وقيادة القوات المسلحة والزعامة الدينية . وأشار المراقبون إلى أن نتائج الانتخابات المغربية لاقت متابعة عن كثب من جانب إدارة الرئيس الأمريكى جورج بوش التى تعتبر الدفع باتجاه الديمقراطية الكاملة فى الشرق الأوسط وأفريقيا أولوية فى حربها على الإرهاب من جانبها وقد أثنت حكومات أجنبية على الإصلاحات السياسية والإصلاحات الخاصة بحقوق الإنسان فى المغرب منذ تولى الملك محمد السادس السلطة عام 1999 ، غير أن النشطاء والمدافعين عن الديمقراطية فى البلاد يرون أن التكنوقراط الذين عينهم الملك لا يزالون يمسكون بمقاليد السلطة الحقيقية ويحتلون المناصب العُليا بما فيها رئيس الوزراء ووزير الداخلية وهو ما يحد من دور السياسيين المنتخبين . ويشارك مراقبون من الهيئة الوطنية الأمريكية للديمقراطية في متابعة الانتخابات المغربية. وكانت واشنطن قررت منذ أيام تقديم مساعدات للدار البيضاء بنحو 700 مليون دولار أمريكي. وقد انتقد مراقبون أجانب مكلفون بمراقبة الانتخابات التشريعية المغربية النظام الانتخابى المعتمد فى المغرب داعين إلى تعزيز صلاحيات البرلمان المقبل، ورأت بعثة دولية تمهيدية لتقويم تلك الانتخابات أن النظام النسبى القائم على فوز اللائحة التى تحصل على أكبر عدد من الأصوات والتقسيم الانتخابى قد لا يمكنان أى حزب من الحصول على غالبية كبيرة فى البرلمان، كما يرى المراقبون أن هذا النظام الانتخابى قد يضعف سلطة البرلمان ويقلص ثقة الناخبين فيه وفى الأحزاب السياسية، وطالبوا بنشرنتائج تلك الانتخابات فى أسرع وقت ممكن منعاً لأى تلاعب وتأكيداً على الشفافية على جميع المستويات فى عملية فرز الأصوات وأبدى المراقبون الدوليون مخاوفهم من انعكاس الملاحقات القضائية بحق صحفيين فى المغرب على العملية الانتخابية . وقد حثت الصحف المغربية الناخبين على الاقبال على التصويت ودعت الى "قطع الطريق امام انصار التيئيس والظلام" باعتبار أن نسبة المشاركة في التصويت احد المؤشرات الرئيسية على نجاح المسلسل السياسي الذي دخلت فيه البلاد منذ اقرار دستور 1996. 9/9/2007