تبدأ عمليات الاقتراع في الانتخابات البرلمانية اللبنانية صباح اليوم الأحد، وسط تدابير أمنية مشددة، يتولى تنفيذها نحو 50 ألف عنصر من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، ويتنافس نحو 450 مرشحاً على 125 مقعداً بعد فوز ثلاثة مرشحين بالتزكية.ويبلغ عدد الناخبين، بحسب القوائم الانتخابية الصادرة عن وزارة الداخلية، ثلاثة ملايين و257 ألفا، إلا أن نسبة كبيرة منهم خارج البلاد.ويشارك في مراقبة الانتخابات حوالي 2200 مراقب محلي وأكثر من مائتي مراقب أجنبي، أبرزهم من الاتحاد الأوروبي ومنظمات دولية غير حكومية. وذكرت صحيفة الخليج الإماراتية ان هذه الإنتخابات تكتسب أهمية خاصة، محلية وخارجية، لأسباب عدة، أبزرها محلياً انها منافسة بين فريقين رئيسيين وكبيرين، تقاسما الساحة السياسية في السنوات الماضية، في نزاع مرير طال وتفاقم واستفحل، ولم ينته إلاّ بعملية قيصرية انتجت اتفاق الدوحة في مايو/ أيار من العام الماضي، الذي أدى إلى تسوية تعايش فيها الفريقان على مضض في حكومة واحدة، تأتي هذه الانتخابات لتنهي حياتها وتفتح الباب على إعادة تشكيل السلطة ولكن وسط استمرار الاصطفاف والانقسام السياسيين الحادين.وعلى المستوى الخارجي تتجه أنظار العالم كله إلى لبنان في هذا اليوم، لمعرفة الفائز في الانتخابات واستشراف الخط الذي سيسير عليه هذا البلد، في القضايا الإقليمية المهمة، ولا سيما الصراع العربي - “الإسرائيلي”، والعلاقات العربية الإيرانية، عدا عن الموقف من الولاياتالمتحدةالأمريكية بإدارتها الجديدة، وسائر الملفات الاخرى.“الخليج” استطلعت الأجواء اللبنانية عشية اليوم الانتخابي الحاسم، وسألت ممثلي القوى السياسية الأساسية عن توقعاتهم للمعركة، وعن أهدافهم فيها. نائب تيار المستقبل، عمار حوري المرشح في دائرة بيروت الثالثة، توقع ان يشارك اللبنانيون بكثافة في عمليات الاقتراع.وقال: ان الخيارات محسومة والناخب اللبناني سيختار بانتباه شديد المشروع الذي سيصوت له، ولا شك ان مشروع قوى 14 آذار سيحظى بتأييد غالبية الشعب اللبناني. واعتبر ان الانتخابات مصيرية للبنان، لذا فإن اللبنانيين سينزلون بكثافة إلى صناديق الاقتراع، وقال: لقد نفى الفريق الآخر مصيرية الانتخابات، ولكن في الواقع تعامل معها على هذا الأساس فحشد كل امكاناته البشرية والمالية لخوض المعركة. وتابع حوري: انها مواجهة بين مشروعين، الأول هو مشروع الدويلة التي يريدها فريق 8 آذار، وقد قدم عنها نموذجاً في السنوات الماضية من خلال تعطيل المؤسسات الدستورية بتفريغ رئاسة الجمهورية، واقفال المجلس النيابي، ومحاصرة الحكومة، والمشروع الثاني هو مشروع الدولة التي قدم فريقنا بدوره نموذجاً عنها من خلال الحكومة السابقة التي شاركت فيها قوى المعارضة من دون قدرة على التعطيل، ونجحت في إدارة البلد، باتخاذ آلاف القرارات، إلى ان قرر الفريق الآخر الاستقالة منها، ومن العمل المؤسساتي، واللجوء إلى الشارع والعنف. وختم: أياً كان شكل القانون الانتخابي فإن “تيار المستقبل” الذي نمثله في مجلس النواب واثق من فوزه بتأييد اللبنانيين.. نائب الحزب التقدمي الاشتراكي والمرشح عن دائرة عاليه (جبل لبنان) اكرم شهيب، قال: لا شك أن هذه الانتخابات مفصلية لأنها ستحدد مستقبل لبنان في السنوات المقبلة، فإما ان نثبت استقلال هذا البلد، وإما أن يعود إلى أحضان الوصاية السورية، لذا فإننا نعتبر أن المعركة هي معركة الاستقلال الثالث. وقال: لقد ساهمنا كحزب في انجاز اللوائح الموحدة لقوى 14 آذار، لاننا نحمل الثوابت الوطنية نفسها، ونسعى للحصول على الأغلبية النيابية التي تمكننا من الاستمرار في معركة السيادة والاستقلال، وكلنا ثقة ان جمهور 14 آذار لن يخذلنا، بل على العكس، سيشارك بكثافة في الانتخابات لتحقيق الفوز للوائحنا ومرشحينا. نائب “القوات اللبنانية” انطوان زهرا، توقع نسبة عالية من المشاركة في عمليات الاقتراع نظراً لأن الانتخابات مصيرية وحاسمة لمستقبل لبنان. وقال: صحيح أن قانون الانتخاب لا يمثل طموحنا، ولكننا قبلنا به في تسوية الدوحة التي جاءت لتنهي وضعاً شاذاً أنتجته قوى 8 آذار بتعطيل المؤسسات الدستورية كافة وخصوصاً رئاسة الجمهورية. أضاف: ان المواجهة يوم الأحد سياسية بامتياز وبين مشروعين: مشروعنا الذي يحاول استكمال إقامة دولة سيدة حرة مستقلة خلال سنوات قليلة، ومشروع الفريق الآخر الذي يريد الغاء الدولة والاستسلام لسلاح حزب الله والتدخل الإيراني السوري في شؤوننا، ان لم يكن عودة الوصاية السورية كاملة على لبنان. وأعرب زهرا عن ثقته بفوز قوى 14 آذار في المعركة، وقال: ان اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً لمسوا لمس اليد خطورة وصول فريق 8 آذار إلى السلطة والتحكم بها، إذ انهم عطلوا الحياة السياسية في البلد ومارسوا سياسة الترهيب والعنف لفرض آرائهم ومخططاتهم، ومن هنا ثقتنا ان الناخبين سيمنحون مشروعنا الثقة الكاملة. وزير السياحة ومرشح حزب الكتائب في زحلة (البقاع) ايلي ماروني، أكد ان الانتخابات ستحدد مستقبل لبنان والمسار الذي سيسلكه في المرحلة المقبلة، فإما لبنان السيد المستقل المحرر من كل القيود الخارجية أو لبنان التابع لمحاور اقليمية على حساب مصالحه الوطنية. وقال: نحن نمثل خيار لبنان السيد، والفريق الآخر يمثل خيار لبنان التابع، وثقتنا كبيرة ان اللبنانيين سيصوتون لخيارنا نحن أياً كان شكل ومضمون القانون الانتخابي. وتوقع ماروني نسبة اقتراع كبيرة وخصوصاً في دائرة زحلة، والدوائر ذات الغلبة المسيحية، بالإضافة إلى دوائر أخرى ستشهد معارك حامية مثل صيدا والبقاع الغربي. القيادي في “حزب الله” والمرشح في مدينة صور الجنوب نواف الموسوي، توقع نسبة عالية من الاقتراع، وأعرب عن ثقته بفوز قوى المعارضة في الانتخابات على مستوى لبنان، وقال: نخوض منذ أربع سنوات معركة سياسية في مواجهة فريق استأثر بالحكم، وحاول إلغاء الآخرين، لأخذ لبنان إلى غير موقعه الطبيعي، وجعله جزءاً من المشروع الأمريكي في المنطقة، ومع سقوط هذا المشروع آن الأوان ليعود لبنان إلى طبيعته، أي إلى صيغة المشاركة والشراكة في الحكم على المستوى الداخلي، من خلال حكومة وحدة وطنية، تضمن التمثيل الصحيح لكل المكونات السياسية، انسجاماً مع اتفاق الطائف الذي صار دستوراً، والتزاماً بروحية اتفاق الدوحة الذي شكل الأداة التطبيقية للطائف. وعلى المستوى العام لا يمكن للبنان إلا أن يكون في خط الممانعة والمقاومة للمشاريع الأمريكية و”الإسرائيلية” في المنطقة. ومن هنا آن الأوان لتحصين خيار المقاومة ودورها في الدفاع عن لبنان، من خلال تأمين المظلة السياسية لها، وهذا ما ستنتجه صناديق الاقتراع ليس في مناطق معينة ذات لون طائفي معين بل في جميع المناطق اللبنانية. نائب حركة أمل والمرشح عن دائرة صور(الجنوب) علي خريس، أكد أن المعارضة ستفوز في الانتخابات وستؤكد صوابية خيارها، وأمل ان تكون نسبة المشاركة كبيرة للغاية. وقال: نذهب إلى الانتخابات كقوى معارضة وطنية لبنانية تملك مشروعاً كاملاً سياسياً وإنمائياً واقتصادياً.. مشروعاً يعمل على تحصين لبنان في مواجهة الاخطار الخارجية، عبر قيام شراكة سياسية حقيقية وفعلية تعطي الطمأنينة لكل المكونات السياسية في لبنان. أضاف: لا يخفى على أحد الطبيعة السياسية للمعركة الانتخابية والتي تأخذ أبعاداً إقليمية ودولية، وقد شهدنا توافد المسؤولين الأمريكيين إلى لبنان لدعم فريق ضد فريق آخر، وسمع الجميع تحذيرات “إسرائيل” من فوز قوى المعارضة، ذلك ان العدو الصهيوني يدرك ان فوز المعارضة يضمن عدم جعل لبنان ضحية أية تسوية في المنطقة لجهة مؤامرة التقسيم والتوطين. ولفت إلى ان حركة أمل وافقت على القانون الحالي للانتخابات حرصاً على التوافق الوطني، وهي في الأساس تدعو إلى قانون يعتمد الدوائر الانتخابية الكبيرة، أي المحافظة بحد أدنى، مع استبدال النظام الأكثري بالنسبية. نائب التيار الوطني الحر والمرشح عن دائرة المتن الشمالي (جبل لبنان) نبيل نقولا قال: هذه الانتخابات فرصة كبيرة للبنان لأنها مناسبة للتغيير والإصلاح، بعد أن تحصل المعارضة على الأكثرية النيابية، وتقوم حكومة جديدة تضع في سلم أولوياتها إنهاء عهد الفساد والاستئثار في السلطة وسياسة إفقار اللبنانيين وتهجيرهم إلى خارج البلاد، لأن مخطط إفراغ لبنان من بنيه وخصوصاً المسيحيين يهدف في النهاية إلى التوطين. أضاف: واثقون من فوز قوى المعارضة في الانتخابات لأننا في الأساس نعتبر أن ما سمي خلال أربع سنوات أكثرية نيابية، كان في الواقع اكثرية وهمية، نتجت عن قانون انتخابي فاسد، وقامت على اساس خدعة التحالف الرباعي، لذا فمن الطبيعي ان يتم تصحيح الوضع التمثيلي للبنانيين في هذه الانتخابات. نائب الحزب السوري القومي الاجتماعي والمرشح في دائرة بعلبك-الهرمل مروان فارس، قال: على الرغم من ان قانون الانتخاب الحالي ليس القانون الأصح تمثيلاً، ولكنه في الظروف الحالية يؤمن فرصة للبنان من أجل الخروج من المأزق الذي أوجدته قوى 14 آذار بمساعدة قوى خارجية. أضاف: ان الانتخابات هي محطة مهمة من شأنها ان تنتج بيئة سياسية جديدة تريح اللبنانيين من اثقال السنوات الأربع الماضية، التي امعنت خلالها الأكثرية النيابية في تهميش المؤسسات وتقويضها، وفي مقدمتها مؤسسة رئاسة الجمهورية. وأكد فارس ان يوم 7 يونيو/ حزيران سيكون يوم انهاء سيطرة هذه الأكثرية، وقيام أكثرية وطنية تحمل معها للبنان تجربة وطنية مارستها خلال وجودها كمعارضة، وتتجسد هذه التجربة بالسلوك الديمقراطي والتصدي لخطر الانزلاق إلى الفتنة، ومواجهة العدو الصهيوني في حرب ،2006 وحماية خيارات لبنان الوطنية والعربية.بنان بعد الانتخابات.. أية جمهورية أم لا جمهورية؟ لبنان بعد الانتخابات.. أية جمهورية أم لا جمهورية؟ تحت هذا العنوان كتب ميخائيل عوض بجريدة السفير اللبنانية حول مستقبل لبنان بعد الإنتخابات فقال: لبنان الآتي على أجنحة الانتخابات النيابية، يستدرج أسئلة كثيرة: أي لبنان سيكون؟ هل من أمل بجمهورية ثالثة؟ ماهيتها وعناصرها الحاملة؟ هل نضجت بيئتها، أم يذهب لبنان بشر أعمال زعاماته، وسلبية شعبه إلى خيار اللاجمهورية، خيار المراوحة المديدة في سياق توازن قلق، يستظهر العجز الكامن في الطبقة السياسية. جمهورية جديدة حاجة اضطرارية هل من حوامل لها: بافتراض جمهورية الطائف، الجمهورية الثانية كتوصيف مجازي، يقع عليه خلافات جدية، تكون الجمهورية الجديدة واجبة التحقيق، وقد دنت ساعتها، بل شكلت الحاجة لها وضروراتها التاريخية السبب العملي المباشر وغير المباشر، لولوج لبنان أزمته الحادة بأحداثها الأمنية والتطورات التي شهدتها البلاد على مدى السنوات الأربع المنصرمة وتهددته بفتن وانقسامات، واستدرجت تدخلات خارجية فاضت عن تدخلات الأزمات التي ضربت عام 58. الأسباب العملية لوجوب انتقال البلاد الى جمهورية جديدة، وافرة جداً، تكاد تكون حاجة حياتية، والعلامات كثيرة نستعرض بعضها: الطائف كتسوية تاريخية أنجز وظيفته، وتآكل، فانتفت قدرته على الاستمرار، بدخول البلاد أزمتها الراهنة، وكل دعوة لتجديد الطائف، او تكريسه، او استكمال تطبيقه تبدو قول بلا أفق او إمكانية للتحقيق. الظروف التي أنتجت الطائف على الضفاف الداخلية والخارجية تغيّرت حدياً، او هي في طور التغيير لم تستقر على جهة بعد، فإسرائيل هزمت وخرجت من أن تكون لاعباً محورياً في لبنان، والإدارة الاميركية تغيرت وتتغير سياساتها ومصالحها، ومراكز وموضوعات اهتماماتها، وكذا النظام الرسمي العربي. العلاقات السورية اللبنانية تغيّرت وتتغير قواعد ارتكازها، وطبيعتها، والحاجات لها، فسورية ولبنان في حقبة إعادة التأسيس والعلاقات السورية اللبنانية تحتاج إلى إعادة تأسيس.. وذات الشأن في منطقة الشرق العربي والإقليم. العلاقات العربية في مرحلة إعادة ضبط على وقع المتغيرات الإقليمية والدولية، تعمل بإيقاع وبقوى وتوازن مختلف عن الذي أنتج جمهورية الطائف، وأنتج تعطيل استكماله وتعليق شقه التحديثي لبنية النظام وإنجاز التغيير في وظائف الكيان. الأهم ما جرى من حراك في لبنان، وما تولّد من قوى لبنانية، وما تأكد من أن لبنان بات في مرحلة الرشد الوطني أي صار قادراً على إدارة خلافاته وتسويتها، والاتفاق حولها بشهادة اتفاق الدوحة، وما سبقه من حسم بأدوات وقوى لبنانية أنتجت اتفاقاً لبنانياً شهد عليه العرب وبعض العالم كمتفرجين أكثر منهم فاعلين هذه المرة. ففي البنية اللبنانية ضوابط وكوابح وعناصر تلجم العودة إلى الوراء إلى الجمهورية الأولى او الثانية فقد نجحت القوة الكامنة بإسقاط المحاولات المحلية التي بذلت منذ سنوات، واستنزفت التدخلات الدولية غير المسبوقة، في حرب تموز، وفي أحداث أيار 2008 وما بينها من اغتيالات وتوترات أمنية واجتماعية، ونفاذ جعبة مجلس الأمن والمحاكم الدولية ولجان التفتيش. يتحقق ذلك والأزمة الاقتصادية العالمية العاتية تضرب في شتى الاتجاهات، وتترك بصمات وآثاراً في البنية الاقتصادية والاجتماعية، والسياسية وان لم تظهر مقدماتها او عناصرها في الانتخابات النيابية، لان المرحلة في التوصيف الدقيق مرحلة انتقالية كحال العرب والإقليم والتوازنات العالمية. احتمالات يوم غد لا تعدو أن تكون: أولاً: أن تجدد الأكثرية أكثريتها 51% أم أكثر ببضعة نواب. ينتصب على الفور سؤال كيف ستحكم؟ وهل تستطيع ان تحكم عملياً وتضع برنامجها موضع التطبيق؟ والجواب المنطقي يستدرج أسئلة من نوع آخر: ما الذي منعها من الحكم خلال السنوات الأربع الماضية، وهل جاءت المتغيرات في مصلحتها؟ وهل من أفق لمتغيرات إقليمية او دولية لمصلحتها؟ المتغير الوحيد الذي تراهن عليه هو شخص رئيس الجمهورية، بعد رحيل رئيس حليف للمعارضة عنيد، وصلب وجاء رئيس توافقي يقدم نفسه وسياسته على أنه غير منحاز لأحد الطرفين، برغم ما يصيبه من سهام الاتهام بقربه من 14 آذار. وهذا المتغير ليس جوهرياً، ولا هو نوعي ينعكس في منح الأكثرية فرصة أن تحكم، فالعناصر التي عطلت حكمها السابق هي في مكان آخر تماماً، بدءاً من سلاح المقاومة وجمهورها وتحالفاتها إلى انهيار عزيمة ومشاريع حليفها الإقليمي والدولي. حصول الأكثرية على أكثرية جديدة من شأنه أن يعمق الأزمة ويدفعها إلى مستويات أكثر خطورة او أن يلزم الأكثرية بقبول شروط المعارضة واقلها الثلث المعطل وزيادة حبة مسك. الاحتمال الثاني: التوازن، أي أن تنتج الانتخابات لا أكثرية حاكمة، فتعجز المعارضة والموالاة عن تحصيل ال51% وعندها منطقي القول إن البلاد ذاهبة مسرعة إلى أزمة عصية مفتوحة سمتها التعطيل المتبادل تنتج أزمة اللاحكم، أي أزمة حكم وحكومة، تندفع لتتحول إلى أزمة وطن، وأزمة وحدة وطنية. القول بأن كتلة وسطية قد تتحلق حول الرئيس من شأنها أن تلعب دور بيضة القبان في ضبط التوازنات، والأسئلة التحريضية على التفكير الجدي في المسألة كثيرة أيضاً: من أين ستأتي الكتلة الوسطية؟ ومن هي وما هو مشروعها؟ وما هو برنامجها؟ وهل ستكون منسجمة على مشروع النهوض بلبنان وإعادة لحم وحدته؟ وتطوير نظامه السياسي ليتواكب مع الحاجات الماسة؟ وكيف ستعيد صياغة وظائف الكيان المهددة بفعل المتغيرات والتطورات الحاصلة والجارية؟ وعندما يقع البلد في لعبة التوازنات الدقيقة، وغياب الرؤية والمشروع، وغياب القوى الاجتماعية الحاملة، والقوى الدولية والإقليمية الحاضنة، وغياب القوى القادرة على تأمين ديمومة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي تحت ضربات العجز، وشبه الافلاس، والأزمة الاقتصادية العالمية وتأثيراتها الاقليمية والمحلية، من يجرؤ على الحكم وبأية أدوات وفرص؟ ومع انسداد آفاق التسويات السياسية للصراع العربي الصهيوني، وانحياز القيادة المصرية لمصلحة التحالف مع إسرائيل، على حد وصف الاسرائيليين وصحفهم، وبرعاية أميركية بموجب تصريحات كلينتون، بينما في الضفة الأخرى يسجل صعود خيار المقاومة والممانعة واستعادة سورية مكانتها معززة، وبلوغ إيران مرتبة الدولة الفضائية والنووية المخطوب ودها أميركياً في العراق، وأفغانستان وباكستان.. وفي اليمن مقدمات حرب أهلية تشغل أول ما تشغل السعودية التي دخلت نفسها في طور التغير في الداخل وفي السياسات الخارجية، وإجراءات الملك عبد الله خير دليل يعتمد. ماذا تبيع الوسطية اللبنانية؟ وعلى أية ارض تقف؟ الاحتمال الثالث: ان تصبح المعارضة أكثرية، وهنا أيضا لا تبدو الأمور نزهة ربيعية، والأسئلة بدورها كثيرة، والأسباب عميقة لا بد من مقاربتها. ماذا لو وضعت الأكثرية قرارها بعدم المشاركة في الحكومة موضع التنفيذ؟ وستضعه أغلب الظن. ماذا لو تفسخت المعارضة، واختلفت كتلها الأساسية؟ وأغلب الظن أيضاً أنها مرشحة للتفكك. الإمكانية الوحيدة المتوفرة للمعارضة كي تحكم، وحتى تنجح في الحكم، تكمن في امتلاكها برنامج حكم واقعياً يمكن وضعه موضع التنفيذ العلمي، وتلك مسألة تحتاج إلى بحث وتمحيص، فبرنامج حكم يتصدّى لأولوية إصلاح النظام إصلاحاً عميقاً وجذرياً، ويسعى لتغيير حدي في وظائف الكيان لينسجم مع الجديد الجاري، تؤمن فرص استمراره في بيئة المتغيرات الهيكلية في المنطقة والعالم، أمر لا تجوز مقاربته بالشعارات والخطب فسحب، بل يجب التعرف إلى البنية الاجتماعية الحاملة له، والظروف المساندة.. فهل متوفرة؟ إن البلاد المأزومة في بنيتها، وفي كيانها، أزمة هيكلية عميقة، ولدت حروباً أهلية، وتوترات، واستوجبت أعلى مستويات التدخلات الخارجية. والتغيير المطلوب إنجازه بحكم الحاجات والضرورات عميق، وشامل، تلعب فيه الأولويات الثلاث دوراً محورياً، لكنها ليست الوحيدة، بل إنجازها، والسعي لإنجازها يشترط تغييراً هيكلياً في مساند الهيكل، تغييراً يستجيب لحاجات ماسة غير قابلة للتأجيل، كمسألة المواطنة، ودولتها، وطبيعتها، ومهماتها، وبنيتها، وعلاقتها بالناس، على عكس ما كانت علاقتها بالطوائف، والقبائل، والبيوتات، والزعامات التقليدية... فالتغيير يبدأ من تغيير الطبقة السياسية، وقواعد انتظام النظام العام وعناصره الحاكمة والحاملة، وقواعد إعادة إنتاجها، ليطال النظام الاجتماعي والاقتصادي، والثقافي، والسياسي.. هنا سيكون اختبار المعارضة وقدرتها، ومدى انسجامها فإن نجحت تكن قد أخذت البلاد إلى جديد لا بأس من تسميته الجمهورية الثالثة، وان فشلت تقدم البلاد على طبق الأزمة المفتوحة إلى ان يقضي الله أمراً كان مفعولاً.