يعجب المرء، بل "ينصرع" حيال اللامبالاة التي يظهرها اللبنانيون بازاء شبكات التجسس لحساب اسرائيل والتي لا يكاد يمر اسبوع الا وتكشف شبكة. هكذا استهل ادمون صعب موضوعه في جريدة" النهار" اللبنانية واستطرد قائلا: وقد وصل عدد الشبكات التي كشفت خلال 2008 و2009 الى ثماني، معظمها في الجنوب حيث لا تزال اسرائيل تسرح وتمرح، رغم انسحابها منه في 25 ايار 2000، وصدور القرار 1701 اثر حرب تموز – آب 2006 الذي جرى التعويل عليه في وضع حد للنشاط الاسرائيلي المعادي في لبنان. واللافت ان ردود الفعل شبه الوحيدة التي صدرت الى الآن تناولت الاشادة بالقوى التي نجحت في كشف الشبكات، وخصوصاً فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي الذي حل، كما يبدو، مكان مخابرات الجيش وشعبة الامن القومي في الرصد والمراقبة للعدو الاسرائيلي وعملائه في الداخل. وتكمن الخطورة في شبكات التجسس لاسرائيل في التعامل بذاته، اي في نجاح العدو الاسرائيلي في تجنيد لبنانيين، بصرف النظر عن طائفتهم او مذهبهم، وباعداد كبيرة نسبياً، نظراً الى أن عدد الذين كشفوا وقبض عليهم يتجاوز العشرين، وهذا رقم مخيف قلما وجد مثله في بلد مثل لبنان لا يزيد تعداد سكانه على الاربعة ملايين وهو امر مقلق على الصعيد الوطني، كما هو مقلق على الصعيد الاجتماعي والبنية الاخلاقية للمجتمع اللبناني الذي انهارت منظومة القيم داخله. والاسئلة التي تطرح هنا هي: اين الولاء الوطني؟ وهل انحدر الشعور الوطني الى درجة تقديم الولاء للمال على الولاء للوطن؟ بل: هل بقي هناك حقاً ولاء للوطن، بعدما توزعت الولاءات على مدى العقود الخمس التي مرت، اي منذ خمسينات القرن الماضي، بين الولاءات للعقائد والايديولوجيات والدول والمنظومات، فالى العشائر والطوائف والمذاهب والفرق الجهادية وتجار الاوطان والوطنية؟ وحول نفس الموضوع كتب محمد وهبة من بيروت في جريدة "الرأي العام" الكويتية وتحت عنوان"«دومينو» شبكات التجسّس الإسرائيلية ينفرط ":- منذ يوليو الماضي، أوقفت الأجهزة الأمنية اللبنانية نحو 20 شخصاً مشتبهاً بتعامله مع العدو الإسرائيلي، ينضوون في ثماني شبكات منفصلة. ففي يوليو 2008 تم توقيف شبكة الجراح التي تتألف من الشقيقين علي ويوسف الجراح من بلدة المرج في منطقة البقاع شرق لبنان. وكان علي يتعامل مع العدو الإسرائيلي منذ 1982، واعترف لاستخبارات الجيش اللبناني بأنه كان يلتقي مشغليه الإسرائيليين في الأردن ومصر وتركيا واليونان وقبرص وإيطاليا متقاضياً نحو 7 آلاف دولار أميركي شهرياً. وقد كُلف جمع معلومات أمنية عن سورية وإجراء مسح لمناطق في لبنان وسورية وعدد من المخيمات الفلسطينية بعد تزويده تقنيات متطورة. أما شقيقه يوسف فجُنّد العام 1992. وفي فبراير 2009، أُعلن توقيف مروان فقيه في بلدته حاروف جنوب لبنان، وتبين أنه كان يتجسس منفرداً على عناصر المقاومة وكوادر «حزب الله» مستغلاً عمله في محطة وقود كان يملكها على طريق النبطية قرب بلدته. وكان يتواصل مع الإسرائيليين عبر الإنترنت، ويلتقيهم أحياناً في باريس متقاضياً مبالغ ضخمة. وفي أبريل الماضي قبض فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي على شبكة مؤلفة من العميد المتقاعد في الأمن العام أديب العلم من بلدة رميش جنوب لبنان وعلى زوجته، بعد ملاحقة استمرت منذ مطلع العام 2007. وتبين أن العلم كان عميلاً منذ العام 1994، وحين تقاعد من الأمن العام اللبناني العام 1998، أنشأ مكتباً لاستقدام الخدم وتخليص المعاملات ليكون واجهة لعمله الأمني. وكان يلتقي مشغليه الإسرائيليين في أوروبا وقد نُقل إلى فلسطينالمحتلة للقاء ضباط من الموساد، ثم جنّد ابن شقيقه جوزف العلم الرقيب في الأمن العام، وعُثر في منازلهم على أجهزة تخابر متطورة. وجوزف هو ابن شقيقة الشهيد اللواء فرنسوا الحاج الذي اغتيل بتفجير سيارة مفخخة في 12 ديسمبر 2007، ولم يُعرف إذا كان التحقيق توصل إلى رابط بين الأمرين. وفي الشهر نفسه، اعتُقل روبير كفوري من مدينة زحلة في البقاع شرق لبنان، وعلي منتش من بلدة زبدين جنوب لبنان، ومحمد عوض من منطقة قريبة من صيدا في جنوب لبنان أيضاً. وتبين أن عناصر هذه الشبكة تعاملوا مع الموساد قبل العام 2000 ودخلوا إلى فلسطينالمحتلة والتقوا ضباطًا إسرائيليين مراراً. وتركزت المهمات الموكلة إليهم على عمل المقاومة وكوادرها وضُبطت في منازلهم أجهزة تنصت وإرسال معلومات. كذلك، أوقف فرع المعلومات الأسبوع الماضي الشقيقين حسن وجعفر ياسين من بلدة السطانية جنوب لبنان، وحسين حجيج من بلدة دير انطار الجنوبية، وصودرت من منازلهم أجهزة متطورة. وفي السياق الزمني نفسه، أوقفت استخبارات الجيش اللبناني الرقيب الأول في قوى الأمن الداخلي هيثم السحمراني وزوجته، وقد تجنّد للعمل مع العدو الإسرائيلي العام 2004 وكان يتواصل مع مشغليه عبر الإنترنت وحدد عدداً من الأهداف التي قصفها الإسرائيليون في حرب يوليو 2006. كما أوقف جهاز أمن «حزب الله» قبل أكثر من أسبوعين مصطفى عواضة من مدينة النبطية للاشتباه بتعامله مع «الموساد». ومنذ يومين تم توقيف شبكتين الأولى في بنت جبيل وتضم شخصين من آل عباس، والثانية في بلدة الغازية قرب صيدا وتضم ثلاثة أشخاص من آل شهاب مرتبطة بشبكة العميد المتقاعد من الأمن العام أديب العلم، كما أفيد عن اعتقال شخص من آل بزي. وأظهرت الاعترافات أن طبيعة التجنيد ومدته والمهمات المرتبطة استندت إلى مجموعة أهداف قد تكون وضعت سابقاً، لا سيما أن بعض العناوين التي أقرّ الموقوفون بمراقبتها كانت هدفاً لاعتداءات إسرائيلية في حرب يوليو 2006. وحسب المعلومات الأمنية المتوافرة فإن استخبارات العدو عاودت الاتصال بكثير من الأمنيين السابقين الذين عملوا معها خلال فترة احتلال جنوب لبنان، خصوصاً ضمن الجهاز 504 المعروف ب «وحدة المصادر البشرية في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية» (أمان).