أنباء كشف شبكات التجسس لصالح إسرائيل فى لبنان أصبحت بندا أساسيا فى الصحف اللبنانية ونشرات الأخبار. ولا يكاد يمر يوم إلا وتكتشف فيه شبكة جديدة تضم عنصرا أو عنصرين أو يتم القبض على عملاء يخبرون عن عملاء آخرين وهكذا كرت مسبحة الشبكات الإسرائيلية حتى بلغت إحدى عشرة شبكة حتى الآن تضم خمسة عشر موقوفا على ذمة التحقيق. ليس ثمة جديد ربما فى كشف شبكات تجسس تعمل لصالح إسرائيل على الأراضى اللبنانية فهذه عمرها ربما من عمر الكيان الإسرائيلى ذاته. غير أن اللافت هذه المرة هو كثرة هذه الشبكات وانتشارها على كامل الأراضى اللبنانية فى بيروت والجنوب والبقاع كما أن عناصرها يمثلون جميع الطوائف اللبنانية، لا فرق فى العمالة هنا بين مسلم ومسيحى. ومثلما كشف عن عملاء فى الجنوب اللبنانى أى فى مناطق التواجد الميدانى للمقاومة كان آخر قطاف العملاء قيادى بارز فى تيار المستقبل فى منطقة البقاع الأوسط. قوبلت هذه الوقائع بصمت إسرائيلى مطبق وبدت ردة الفعل الإسرائيلية اليتيمة هى فى السماح لبعض العملاء بالمرور عبر الشريط الشائك جنوبا مثلما حصل مع عميلين بالأمس. ثمة تساؤلات بالطبع حول توقيت إذاعة تداعى شبكات التجسس الإسرائيلية ذلك أن بعضا منها كان بعلم حزب الله منذ حرب يوليو 2006 وما هى طبيعة الأنشطة التجسسية التى وكلت لهؤلاء العملاء. وإلى مدى حققت إسرائيل عبر شبكة عملائها خرقا أمنيا مهما ضد عمل المقاومة وضد الدولة اللبنانية سيما أن بعضا من المقبوض عليهم خدموا لفترات طويلة فى بعض الأجهزة الأمنية الحساسة مثل أديب العلم الذى عمل فى جهاز الأمن العام اللبنانى لمدة 25 عاما وهيثم السحمرانى الرقيب بقوى الأمن الداخلى. ثم التساؤل المهم: هل يعد النشاط الاستخباراتى والأمنى الإسرائيلى ضد المقاومة اللبنانية بمثابة مقدمة لعمل عسكرى أو أمنى إسرائيلى ما ضد لبنان؟ وهو ما يفسر تحذير الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله فى خطاب له بمناسبة مرور 61 عاما على نكبة فلسطين من إمكانية فعل أمنى إسرائيلى على الأراضى اللبنانية فى الفترة من 31 مايو إلى 4 يونيو وهى الفترة التى تقوم فيها إسرائيل بمناورات عسكرية وصفت بأنها الأخطر فى تاريخ الكيان الصهيونى. تلازم تهاوى شبكات العمالة مع المناورات الإسرائيلية، وعلى خلفية التصعيد السياسى فى لبنان خلق مناخات متشنجة زادها سوءا الاستنفار الانتخابى. فهناك خوف من حادث أمنى قد يعطل الانتخابات ويمكن تفهم كون هذا الخوف حقيقى وليس من قبيل التهويل إذا علمنا أن بعض الأنشطة التجسسية التى كلف بها أحد العملاء تخطت الفكرة الكلاسيكية فى جمع المعلومات حول قيادات المقاومة إلى محاولة افتعال مشكلات واضطرابات داخلية لبنانية، والعمل على إثارة توترات ذات طبيعة مذهبية لتوريط المقاومة فى حرب أهلية وهذا ما يفسر على سبيل المثال الدور الذى قام به زياد الحمصى آخر المقبوض عليهم والقيادى المنتمى لتيار المستقبل والمتهم بكونه وراء أعمال التحريض التى أدت إلى حوادث أمنية ذات طبيعة مذهبية وقعت بين قريتى سعد نايل ذات الغالبية السنية وتعلبايا المجاورة ذات الغالبية الشيعية. وهو ما يثير عددا من الملاحظات الأساسية: فعلى الرغم من أن الإعلان عن الشبكات الإحدى عشرة تم خلال الشهر الحالى،فإن الكشف عنها نتاج عمل دءوب استمر سنوات حيث إن بعضا من هؤلاء العملاء كان تحت المراقبة منذ العام 2003 وبعضهم منذ حرب الأيام الثلاثة والثلاثين عام 2006. ومن اللافت أيضا أن من قام بالكشف عن شبكات التجسس هو فرع المعلومات فى قوى الأمن الداخلى، وهذا الجهاز لا يتمتع بسمعة طيبة لدى المعارضة عموما وحزب الله على وجه الخصوص وهو محسوب سياسيا على تيار المستقبل، ولا يتمتع بأى غطاء قانونى، بمعنى عدم وجود نص قانونى على إنشائه. وتدور فى الأوساط السياسية اللبنانية شائعات عدة بأن السبب وراء التوقيت هو الانتخابات، أو أن إعلان الشبكات يعود بالأساس لأن مدير الفرع، وسام الحسن، وهو المقرب من رئيس تيار المستقبل سعد الحريرى، يعلم أنه فى حال فوز المعارضة سيفقد منصبه، وربما فرع المعلومات كذلك. وفى حين أن الرواية الرسمية على لسان أشرف ريفى مدير قوى الأمن الداخلى تقول بأن ضعف الإمكانيات كان يحول دون تحقيق إنجاز وأن تراكم الخبرة والتقنيات لدى قوى الأمن أدى بالكشف عن الشبكات، غير أن مصادر قريبة من حزب الله قالت ل«الشروق» بأن «الرعاية الغربية وفرت لفرع المعلومات إمكانيات وتدريب على تقنيات التجسس ومعلومات، وأن التطور المهنى والتقنى لفرع المعلومات ترافق مع جمود وتراجع فى عمل مخابرات الجيش، وكان المطلوب غربيا من فرع المعلومات أن يشتغل على السوريين والمقاومة، وكانت لديه موازنة غير منظورة لهذا الأمر». وتكشف هذه المصادر عن أن استخبارات الجيش ستتولى من الآن فصاعدا القبض على مثل هذه الشبكات، وأن حزب الله يريد أن يزاوج بين التطور التقنى الذى صار بحوزة فرع المعلومات مع حرفية استخبارات الجيش فى مجال التجسس لمواجهة النشاط الأمنى الإسرائيلى الكبير ولأنه على حد قول أحد قيادات حزب الله «ماكشف من شبكات ليس سوى قمة جبل الجليد والآتى أعظم».