يخوض "التيّار الوطنيّ الحرّ" المعركة الانتخابيّة بحملة دعائية ترويجية نشطة. تُوفّق هذه الحملة في شعارات وتخريجات وملصقات ولوحات إعلانية، وتخفق في أخرى. وإذا كان الخطاب الانتخابيّ للعماد ميشال عون لا يفرّق البتة بين خصم سياسيّ وخصم شخصيّ، فإن الحملة الدعائية لتياره لا تفرّق كثيراً بين إعلان انتخابيّ وآخر تجاريّ. المثال تراه أمامك في طول وعرض المنطقة المسيحيّة، وبالأخص عند مداخل العاصمة بيروت، في شكل لوحة إعلانية تلاحقك أين ذهبت، وتحمل وجهاً حسن المظهر لفتاة يصعب تقدير مستوى ذكائها من نظرتها، ويرافق هذا الوجه المستحسن شعار "كوني جميلة وانتخبي" (والشعار بالفرنسية يعني بشكل أدق "اعتني بجمالك وانتخبي"). يشكّل هذا الإعلان خير مصداق على ما ذهب إليه أدولف هتلر في "كفاحي"، حيث رأى أنّه ليس هناك من كبير فرق بين إعلان تجاريّ تسويقيّ للصابون، وبين دعاية سياسيّة لحزب عقائديّ. المحدّدات مشتركة، والغرائز التي يجدر اجتذابها هي هي. مع ذلك، ففي حالة "كوني جميلة وانتخبي" ليس معروفاً إذا كان الإعلان التجاريّ هو الشكل الذي يتخذه الإعلان الانتخابيّ أم العكس. وهكذا استثار الإعلان الانتخابيّ التجاريّ احتجاجاً في الأوسط النسويّة اللبنانية، ولم يكن بمنأى عن بعض التندّر في الأوسط الذكوريّة. مع ذلك، يبقى أن هذه اللوحة طرحت سؤالاً ذكياً للغاية: مع من يقف الجمال في لبنان، ومن يقف له بالمرصاد؟ وقد نبالغ عن وعي فنقول إنّه سؤال مركزيّ اليوم، بل هو واحد من أهم الأسئلة التي تُخاض على أساسها المعركة الانتخابية. فأن تذهب الصبية الجميلة للتصويت، مندفعة بإعلان عونيّ يحثّها على ذلك، فهذا أمر جيّد للغاية. لكن هذه الصبية الجميلة وقبل أن تدلي بصوتها بالفعل، سوف تطرح على نفسها السؤال: من الذي يهدّد جمالها؟ من الذي ينكر عليها حقّها في الاعتناء به؟ من الذي يفرض على جمالها أن يعيش في "جزيرة" لا تتعدّاها، فإن أرادت اكتشاف "الجزر الأخرى" وجب عليها أن تخفي هذا الجمال؟ وكي تجيب الصبية الجميلة على هذا الكم من الأسئلة التي يتناسل بعضها من رحم البعض الآخر، ليس عليها أن تستشير أحد. يمكنها أن تركن للإعلان العونيّ التجاريّ الانتخابيّ وحده. فهذا الإعلان هو أيضاً له حدود لا يتجاوزها. ثمة مناطق هو محظور فيها، وهو في الوقت نفسه إعلان ترويجيّ للأمر الواقع في هذه المناطق. قضاء بعبدا خير نموذج. إعلان "كوني جميلة وانتخبي" يتمدّد في القسم المسيحيّ من هذا القضاء، ولا يتعدّى خط غاليري سمعان. مع ذلك فإن هذا الإعلان حليف رسميّ لماكينة "حزب الله" الانتخابية، وللبرنامج الانتخابيّ ل"حزب الله" الداعي إلى استئصال الرذيلة والانحلال الخلقيّ بين الشباب. في قضاء بعبدا، يصرّ التيّار العونيّ و"حزب الله" على أن يأتي المسيحيون إلى الضاحية للتصويت "الآمن" في أحد مراكزها. في المقابل، يطالب الاستقلاليّون والمستقلّون والأهالي بنقل أقلام الاقتراع المسيحيّة إلى خارج فضاء الضاحية. لكن ماذا عن إعلان "كوني جميلة وانتخبي"؟ لماذا لا تكون حدود انتشاره هي الحدود التي ينبغي حصر كل أقلام الاقتراع، ومن كل الطوائف، في إطارها؟ إن الحدود الجغرافية لانتشار الإعلان التجاريّ الانتخابيّ العونيّ "كوني جميلة وانتخبي" هي حدود الليبراليّة اللبنانية. ليس معقولاً بعد ذلك أن تتعدى الجميلة التي يدعوها الإعلان لإداء واجبها الانتخابيّ هذه الحدود، والذهاب للإدلاء بصوتها في "ما وراء الحدود".. في العالم الآخر. بموجب التحالفات الانتخابية العونية، فإن "كوني جميلة وانتخبي" يعني عملياً "كوني جميلة وانتخبي محمود أحمدي نجاد".. "كوني جميلة ولا تمانعي أمام الممانعة".. كوني جزءاً من نظرية ولاية الفقيه ومن الحرب المفتوحة ومن شبكة الإتصالات ومن خلية سامي شهاب. مع ذلك فإن هذا الشعار محظور عليه عبور الحدود إلى حيث يقطن الحلفاء. والحدود هذه ليست ثابتة، أو مكتفية بذاتها، وإلا لهانت المشكلة. إنّها حدود متوسّعة، توسّعية، مثل ماكينة "حزب الله" الانتخابية في المتن الشمالي وكسروان وجبيل والبترون. وإذا كانت الناشطات النسويات تعترضن على هذا الإعلان الانتخابي من حيث أنّه "يسلّع المرأة" ويضحّي بحرّية الفرد على محراب الاستهلاك وما شاكل من أمور، فإنّ فضل الإعلان يبقى كبيراً: إنه يعيد الاعتبار لمقولة مؤتمر قوى 14 آذار الأول في "بيال"، مقولة الافتراق بين "ثقافتين"، ثقافة للحياة والجمال وثقافة للانتظار والمفاجآت.