يقول سعيد أحمد أن لكل شيء معيار سليم يمكننا القياس عليه ، وبأخذه في الاعتبار دائماً يمكننا الحصول على الاعتدال، ويضيف : 10% تقريباً من الشباب يقوم باستبدال سيارته مرة كل عام من أجل الحصول على الموديل الأحدث دون أن يدري بتعارض هذا السلوك مع الاعتدال المطلوب لحياتنا. ويضيف أن السيارة كسلعة من السلع المعمرة ذات العمر الافتراضي الطويل نسبياً تعتبر مرتفعة القيمة وبالتالي يعد سلوكاً استهلاكياً غير عادي أن نغيرها بصورة سنوية ، ومن الاعتدال في الاستهلاك استبدالها فقط عند حدوث عطب كبير بها أو استخدامها لفترة طويلة تقلل من كفاءتها. ولا يتوقف الاعتدال عند شراء السلع الاستهلاكية بل يتعداه إلى طريقة التفكير بصفة خاصة عندما يرتبط التفكير بمدى الطموح والتطلعات .. فمن المقبول توقف حدود التطلعات عند حد معتدل يمكن تحقيقه من خلال المعطيات والإمكانات المتاحة، وعند تجاوز الطموح حدود الإمكانات يصبح شططاً ينقلب على صاحبه وقد يؤذيه ، فالاعتدال في اختيار الآمال المقبولة يساعد على تحقيقها. ويشير سعيد إلى أن الاعتدال يعتبر فلسفة يعتنقها صاحبها أكثر منها عادة محببة، ويبرهن على ذلك بأن الناس في الغرب يميلون لاستخدام المواصلات العامة في التنقل حرصا منهم على نظافة البيئة من ناحية وتوفيراً في النفقات من جهة أخرى بينما نعتبر هذا السلوك معيباً في عالمنا العربي وهناك مسؤولون يفضلون استخدام الدراجات الهوائية في الوصول إلى مقار أعمالهم من منطلق الاعتدال في استخدام الوقود بعد ظهور أزمة الطاقة العالمية، وهكذا. والنظرية نفسها يمكن تطبيقها على معدلات الإنفاق المادي التي لابد أن تتسم بالاعتدال، وأتعجب من قيام البعض بشراء كميات كبيرة من المواد الغذائية قد لا يحتاجون لاستهلاكها كلها مما يؤدي إلى تعرضها للتلف مع الوقت ، والاعتدال يقتضي شراء الكميات التي نحتاجها فعلياً. وعلى المستوى الفردي من المقبول أن يعتدل الفرد منا في طريقة الإنفاق ولا يقوم بالإنفاق الزائد ، فالزيادة في الإنفاق لا يمكن تسميتها سوى إسراف ، والحرص على عدم الإنفاق لا يعتبر إلا بخلاً .. فأفضل الأحوال في هذه الحالة هو الاعتدال. ويقول عمر سعد السيد أن الاعتدال لا يشمل فقط القيم المادية الخاضعة للمقاييس المباشرة، وإنما يمكن أيضاً تطبيق الفكرة على القيم المعنوية المجردة، مثلاً عاطفة الأب لأبنائه لابد أن تتسم بالاعتدال لأن حبه الزائد وتدليله المبالغ فيه قد يفسد عليه تربيتهم ويجعل منهم شباباً مستهترين لا يشعرون بالمسؤولية، أيضاً فكرة الحرية عند التطبيق لابد أن نطبقها باعتدال لأن الحرية إذا زادت عن حد الاعتدال انقلبت إلى فوضى عارمة وأصبحت وبالاً على المجتمع. يضيف عمر أن مفهوم الاعتدال بمعناه المباشر يمكن تطبيقه على حياتنا اليومية ، مثلاً هناك من يستهلك المياه بكميات كبيرة ويهدر منها أكثر مما ينتفع وهو لا يدري أن تكلفة توفير جالون واحد من المياه الصالحة للشرب تعتبر تكلفة مرتفعة نسبياً مما يفرض علينا الاعتدال في استخدامها خاصة مع ظهور مشكلات المناخ والاحتباس الحراري. ويؤكد وجود خلط كبير في أذهان الشباب ما بين مفهوم الاعتدال ومفهوم الالتزام، والفارق بينهما كبير لأن الاعتدال لا يتصل بالقيم الأخلاقية فقط وإنما يندرج على كافة مجالات الحياة اليومية، فمثلاً نحن نلتزم أدبياً باستذكار دروسنا حرصاً منا على النجاح وتحقيق مراكز متقدمة، ولكن الاعتدال في ذلك لا يعني الاستذكار ليل نهار إنما تخصيص وقت للاستذكار وآخر لممارسة الرياضة وثالث للواجبات الاجتماعية. ويؤكد أن أهم الأمور التي يجب مراعاة الاعتدال فيها هي اتخاذ القرار ، خاصة فيما يرتبط بالمستقبل مثل مسألة اختيار مجال التعليم والوظيفة والزوجة وغير ذلك من الاختيارات المصيرية ، والاعتدال لا يعني اتخاذ قرارات باهتة أو وسيطة، فهناك من الأمور ما لا يحتمل إمساك العصا من المنتصف ويحتاج قراراً جريئاً. ويرى طوني صائغ أن العلاقة بين الاعتدال والراحة النفسية علاقة طردية مؤكدة، فكلما زاد تطبيق الإنسان لمُعامل الاعتدال والوسطية في حياته كلما زاد شعوره بالاستقرار وراحة الضمير، وعن تجربته الذاتية يقول إنه الاعتدال في تناول كميات ونوعيات الطعام التي يحتاجها الإنسان مثلاً يؤدي إلى احتفاظه بلياقته البدنية وابتعاده عن أسباب الإصابة بالأمراض العضوية، أما الإسراف في تناول الأغذية بكميات كبيرة أو الإصرار على تناول أطعمة ذات طبيعة خاصة وتحديداً تلك التي تحتوي على عناصر دهنية مثلاً فيؤدي ذلك للإصابة بالأمراض. ويشمل تطبيق مفهوم الاعتدال الأمور الحياتية اليومية، وأذكر صديقاً مغرماً بقيادة السيارة بسرعة كبيرة، ولم يعدل من سلوكه إلا عندما شاهد حادثاً مأساوياً على الطريق في أحد الأيام، واعترف منذ ذلك الوقت بأهمية الاعتدال في القيادة. ويضيف: هناك سلوكيات إيجابية تفيدنا بممارستها باعتدال، ولكنها تفقد سماتها وتتحول إلى تأثير ضار إذا أسرفنا في ممارستها مثل التمرينات الرياضية، فالإسراف في ممارسة الرياضة بصورة كبيرة يؤدي للإصابة بالتضخم في عضلة القلب حسب رأي الأطباء والمختصين ، وفي نفس الوقت فإن إهمال ممارسة الرياضة يؤدي إلى الإصابة بالأمراض المتعددة. ويضيف: أن سلوك الناس يختلف باختلاف طبائعهم، وباختلاف ثقافاتهم ومستوى تعليمهم، ومفهوم الاعتدال يختلف من شخص لآخر، فقد يكون استخدام الهاتف المتحرك لمدة شهرين أو ثلاثة ثم استبداله بآخر جديد نوعاً من الإسراف بالنسبة لشخص ما، بينما يعتبر ذلك السلوك مسألة طبيعية بالنسبة لشخص آخر كونه يحب التجديد ويكره الملل.. وهكذا. ويضيف : لابد أن نعترف بنسبية الفكرة واختلافها من شخص لآخر، فما أراه أنا إسرافاً في شيء قد لا يراه آخر إسرافاً والعكس بالعكس، فما أراه أنا اعتدالاً قد يمثل قمة الإسراف لشخص آخر.