أرض الميعاد.. الأرض المباركة.. شعب الله المختار.. كلمات تمسك بها اليهود والصهاينة طوال فترة زمنية كبيرة وظلوا يحلمون بالوصول الى ارض الميعاد التى يزعمون ان الله وعدهم بها، واقامة دولة اسرائيل من النيل الى الفرات.. حلم كبير ظل اليهود فى كل انحاء العالم وعلى مدار سنوات يخططون اليه. الا انه فى الفترة الاخيرة بدأ هذا الحلم فى السقوط من أعين وقلوب العديد من اليهود، وادار الكثير منهم ظهره الى تحقيق هذا الحلم والسعي من اجل تحقيقه بعد ان تبين لهم استحالة تحقيق ما يريدون وبعد ان اثبت الواقع لهم انهم ظلوا سنوات يحلمون بشىء مستحيل لن يستطيعوا الوصول اليه او حتى الاقتراب منه. وتظهر لنا فى السنوات القليلة الماضية تراجع مؤشرات الهجرة الى اسرائيل وارتفاع معدلات الرحيل والهجرة المعاكسة من اسرائيل الى بلدان اخرى اكثر أمنا ورفاهية، وبدأ اليهود فى استيعاب ان العيش فى اسرائيل اصبح شيئا من الخيال، والحياة تزداد سوءا. فبعد العدوان الاسرائيلي الاخير على قطاع غزة ونتيجة لرد المقاومة الفلسطينية بقصف المستوطنات الاسرائيلية وفى مقدمتها مستوطنة سديروت تقدم عدد كبير من مستوطني سديروت في جنوب اسرائيل بطلبات للسفارة الكندية فى تل ابيب لمنحهم باطاقات الهجرة إلى كندا، نظرا لتعرضهم للقصف الصاروخي واستحالة العيش مرة اخري بجوار غزة. ويذكر موقع "فيلكا اسرائيل" ان المستوطنين ارسلوا رسالة إنسانية إلى السفارة الكندية في تل أبيب مطالبين الحكومة الكندية بمنحهم لأسباب إنسانية بطاقات هجرة، وقد وقع العشرات من المستوطنين الرسالة نيابة عن عائلاتهم التي تعيش في مراكز رياضية وفي صفوف مدارس ليلية للتدريب التقني والبعض القليل يعيش في فنادق حقيرة بسبب قلة المال في يديهم . وفي مقال نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية منذ فترة استهجن يوني جولدشتاين - أحد قادة الجالية اليهودية في كندا - المخطط الإسرائيلي للهجرة، وكشف النقاب عن أن 85% من اليهود في مدينة "مونتريال" التي تضم أكبر تجمع يهودي في كندا قد هاجروا أصلا من إسرائيل. ويري جولدشتاين أن "الأساطير التي كانت إسرائيل تحاول إقناع يهود العالم بها لم تعد تنطلي على أحد، وخاصة تصوير إسرائيل وكأنها الحصن الأخير في مواجهة كل الذين يضمرون العداء لليهود". ولفت إلى أن إسرائيل بذلت جهودًا كبيرة من أجل تهجير هؤلاء اليهود من الاتحاد السوفيتي سابقًا، لكنهم قرروا ترك إسرائيل والتوجه لكندا بعد أن عاشوا حياة صعبة فيها. وتقول مصادر مطلعة في الحكومة الاسرائيلية انها باتت على اقتناع تام بان الهجرة الروسية الكبرى قد توقفت تماما، وان اسرائيل بدأت تعود الى معدل الهجرة اليهودية الذي ساد في سنوات الثمانين وتراوح في حينه ما بين 9 و20 الف يهودي. ومن جانبها، ذكرت صحيفة "معاريف" الاسرائيلية فى تقرير لها ان عدد المهاجرين اليهود الفرنسيين الى اسرائيل سجل تراجعا بنسبة 42% في الاشهر الثلاثة الاولى من عام 2008 حيث وصل 245 مهاجرا فقط مقابل 420 في 2007. فقد أكد تقرير أصدرته دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية أن الهجرة اليهودية الى "إسرائيل" تشهد انخفاضا حادا منذ العام 2001 ، واوضح التقرير أن إسرائيل كانت قد شهدت ظاهرة "الهجرة السلبية" مرتين، أولاهما عقب حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، والثانية عامي 1983 و1984 فترة التضخم المالي الكبير. وحسب الدائرة، فإن عدد سكان "إسرائيل" في العام المنتهي بلغ 7,373 مليون نسمة، إلا أن هذا العدد يشمل حوالي 260 ألفا من مواطني القدسالمحتلة منذ العام 1967، وقرابة 21 ألفا من أهالي هضبة الجولان السورية المحتلة، وعليه فإن عدد سكان "إسرائيل" من دون هؤلاء بلغ قرابة 7,1 مليون نسمة، من بينهم حوالي 1,2 مليون نسمة من فلسطينيي 48، الذي يشكلون نسبة حوالي 17% من السكان. وفى عام 2002 تدنت معدلات الهجرة إلى إسرائيل بنسبة 25% للسنة الثانية على التوالي مما أدى إلى تراجع النمو السكاني لأدنى معدل له منذ عام 1990. وذكرت المعلومات التي قدمها المكتب الوطني للإحصاءات أن 34 ألف شخص فقط هاجروا إلى إسرائيل عام 2002 مقابل 44 ألفا عام 2001. وهو العدد الأدنى للمهاجرين اليهود إلى إسرائيل منذ بدء موجة الهجرة من الاتحاد السوفياتي السابق عام 1990. وظل التراجع فى عام 2003 بنسبة 31% مقارنة مع عام 2002، ويقول مايكل ياكيليفيتش الناطق باسم الوكالة اليهودية - الهيئة شبه الحكومية المكلفة هجرة يهود الشتات ان نحو 24 ألف مهاجر نصفهم من دول الاتحاد السوفياتي سابقا وصلوا إلى إسرائيل في العام 2003. وقد أكد رئيس الوكالة اليهودية سالي مريدور أن أرقام الهجرة باتجاه الأراضي العربية المحتلة تراجعت من نحو 70 ألف مهاجر في العام 2000 إلى 43 ألفا في العام 2001، ومن ثم الى 30 الفا في العام 2002، ولم يتعد الرقم 19 ألفا حتى نهاية العام 2003. وبقيت الأرقام في حدودها المذكورة حتى نهاية العام 2007 حيث سجلت الإحصاءات الإسرائيلية أرقاما عالية للهجرة المعاكسة تجاوزت الهجرة إلى إسرائيل بنحو 3000 مهاجر إلى خارج الأراضي العربية المحتلة. وتعتبر هذه الأرقام أقل بأربع مرات من المائة ألف مهاجر سنويا التي كان يتطلع إليها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ارييل شارون خلال السنوات العشر المقبلة. ويوضح الناطق باسم الوكالة اليهودية - وهي منظمة حكومية مكلفة شئون هجرة اليهود والجالية اليهودية في العالم- أن سبب تدني نسبة الهجرة يعود إلى تراجع الهجرة من دول الاتحاد السوفياتي السابق التي لم تعوض إلا بشكل نسبي عن طريق ارتفاع نسبة الهجرة من الأرجنتين وفرنسا. كما يعود السبب الرئيسي لانخفاض الهجرة الى اسرائيل الى تدهور الاوضاع الامنية بسبب الانتفاضة واحداثها والعمليات التفجيرية والخدمة العسكرية الالزامية، وتدهور الاوضاع الاقتصادية ايضا، ويفضل غالبية اليهود المهاجرين اليوم من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق التوجه الى المانيا ثم الى الولاياتالمتحدة، وفقط بعد ذلك تأتي في سلم الافضليات اسرائيل. وبرغم تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت بحوافز مادية مغرية ومعيشة أفضل لتشجيع يهود العالم على الهجرة إلى إسرائيل، فقد دعا دعا قادة يهود في الغرب الحكومة الإسرائيلية للتخلي عن مخططها الرامي لزيادة الهجرة اليهودية إليها وذلك بسبب انعدام الأمن.. كما أن وجود الجاليات اليهودية بحجم كبير في الدول الأخرى، وخاصة في الولاياتالمتحدة وفرنسا، مهم للتأثير على دوائر صنع القرار في تلك الدول، على حد قولهم. الا ان عدد من قادة الجاليات اليهودية في الولاياتالمتحدة التي يعيش فيها نحو ستة ملايين يهودي حذروا أمام مؤتمر "مركز تخطيط الشعب اليهودي"، الذي عقد في القدسالمحتلة قبل نحو ثلاثة أشهر من خطورة تهجير يهود أمريكا الشمالية إلى إسرائيل. وشددوا على أن وجود اليهود بأمريكا الشمالية أكثر جدوى لإسرائيل، بسبب قدرتهم على التأثير على دوائر صنع القرار في واشنطن بشكل يضمن تحقيق مصالح إسرائيل. فى الوقت نفسه، تواصلت الدعوات في إسرائيل إلى تغيير قانون العودة الذي يسمح بلم شمل اليهود المهاجرين مع أقاربهم حتى لو لم يكونوا يهودًا. ويقول المفكر الإسرائيلي بمبي شيلج، إن هجرة العائلات غير اليهودية، التي تواصل انتهاج نمط حياة مسيحي بشكل علني، أو تربت في حضن المشاعر اللاسامية، هو عمل حقير وسخافة، ليس فقط من جانبها، بل كذا من جانب الدولة، داعيًا الكنيست للتعجيل بتغيير قانون العودة. وفي محاولة لانقاذ الوضع، أطلقت وزارة الهجرة والاستيعاب الإسرائيلية حملة لعام 2008 تتطلع فيها إلى إعادة 15 ألف إسرائيلي مهاجرين خارج البلاد إلى "وطنهم"، واستحضار 20 ألفًا من اليهود كمهاجرين جدد. كما يستغل قادة إسرائيل كل المناسبات للتأكيد على أهمية جذب مزيد من يهود العالم إلى إسرائيل والأراضي العربية المحتلة، حيث تعد الهجرة اليهودية من أهم ركائز استمرار إسرائيل دولة استثنائية في المنطقة، بيد أن ثمة أسبابا كامنة لنضوب الهجرة اليهودية، أو على الأقل تراجع أرقامها باتجاه إسرائيل والأراضي العربية المحتلة في المستقبل القريب. لقد عقد في إسرائيل في الفترة بين السنوات (2000-2008) مؤتمرات دورية سنوية إستراتيجية في مدينة هرتسيليا ومراكز بحث إسرائيلية مختلفة، وفي المقدمة منها مركز جافي للدراسات الإستراتيجية، وأكد المؤتمرون في توصياتهم ضرورة إعطاء الهجرة اليهودية إلى إسرائيل والأراضي العربية المحتلة أهمية فائقة نظرا لتراجع موجات الهجرة اليهودية، في مقابل النمو الطبيعي المرتفع بين العرب سواء في داخل الخط الأخضر أو في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتبعا لذلك ركزت وسائل الإعلام الإسرائيلية على ضرورة تهيئة الظروف المختلفة لجذب مزيد من يهود العالم إلى الأراضي العربية المحتلة لتحقيق التفوق الديموغرافي على العرب في حدود فلسطين التاريخية في المستقبل. وتأتي هذه التحركات الإسرائيلية تعبيرًا عن الهاجس الذي تعيش فيه إسرائيل من اختلال ديمجرافي (سكاني) في غضون العقود القادمة بين السكان اليهود والعرب في ظل تراجع نسبة المواليد اليهود إلى 1.2% سنويًا، مقابل 3.94% بين الفلسطينيين، طبقًا لإحصائية نشرتها صحيفة "التايمز" البريطانية في وقت سابق. ومن المتوقع ألا يحصل تطور كبير في أرقام الهجرة اليهودية في السنوات القادمة، هذا في وقت تزداد فيه احتمالات ارتفاع وتيرة أرقام الهجرة المعاكسة حيث هناك استعداد لنحو 40% من الشباب اليهود في إسرائيل للهجرة المعاكسة. وتخفي وزارة الهجرة والاستيعاب أعداد اليهود الإسرائيليين الذين هاجروا إلى خارج إسرائيل، لكن هناك دراسات تشير إلى أن ثمة 400 ألف يهودي إسرائيلي لن يعودوا إلى إسرائيل، خاصة أن غالبيتهم يحملون جنسيات دول أخرى في العالم. وأخيرا، تثبت لنا الأرقام والاحصائيات حول معدلات الهجرة الى اسرائيل وانخفاضها الحاد فى السنوات الماضية ان اليهود لم يعودوا يحلمون او حتى يفكرون فى حلمهم القديم وهو "أرض الميعاد"، فلم تعد تلك الأرض حلما لهم او هدفا يرجوه يهود العالم ويسعون اليه، فالارض أصبحت لا تحتملهم وهم أصبحوا غير راغبين فيها، وكأن أرض فلسطين تكرههم وتطردهم خارجها، وترفض ان تكون أرضاً لميعادهم.