تهمس بكلمات رقيقة حنونة، بصوت خافت يمتزج بالرقة والعذوبة، مشحون بنبرات الحنان، يعكس صفو حالها، وبكثير من الدلال ترسل ضحكاتها سهاماً لقلب محبّها، فلا يتوانى في إرضائها، بكل شوق ولهفة يتحدثان، ينسجان خيوط المستقبل، يخطان قصة حياتهما، ويسطران تفاصيل أيامهما الآتية، يتوقان لبناء بيت جميل أركانه محبة يزينها ويؤثثها حبهما الأزلي، ويروي خضرة ربيعه الدائم انسجامهما، ويتعاهدان ألا تشوب حياتهما شائبة، وألا تعكر عتمة تفاصيل السكينة في قلوبهما.. هكذا هو حال رجل وامرأة في فترة الخطوبة: نعومة، حنان، تفاهم، تشارك وتقاسم كل النوايا، وأحاديث سيّالة لا تنضب. تعقب هذه الفترة الرومانسية المفعمة بكل تلاوين العواطف الجميلة البراقة، ويجتمع الشخصان تحت سقف واحد، تتوالى الأيام وأماسيها الجميلة، ليحط الواقع أوزاره بكل ثقله عندهما، ويفصح عن متطلبات الحياة ورغباتها التي لا تنتهي، فتتغير نبرة الصوت وطريقة الكلام بالإيحاءات، وتأخذ طريقة الحديث المباشر طريقها المعتاد في كل جوانب الحياة، هذه التغيرات قد تلحّها ضروريات الحياة التي تستدعي الحسم في كثير من الأمور، لكن طرفي الحياة الزوجية قد يبدو لهما أن هذا الأمر تحول في حياتهما الجميلة، لهذا يجد الصراع مكانه بين بعض الزيجات وتدب الخلافات وتتسلل لتسكن البيت، وقد تعبر المرأة عن قلقها بالحديث والمناقشة بينما الرجل غالباً ما يتوارى خلف الصمت ويسكن لنفسه، الأمر الذي يزرع الشك والريبة في نفس الزوجة خوفاً من هذا الصمت، وتفسره برفض الرجل لها، أو أن صمته وراءه حكاية ما. الصمت سكينة النفس الصمت ظاهرة تزعج الكثير من النساء وتريح العديد من الرجال، وعن سبب صمتهم يقول محمد عبد الماجد، موظف : ''يزعجني حديثها المسترسل بدون انقطاع، تتحدث عن كل شيء مرة واحدة، لا ترتب أفكارها، مرات أدخل للبيت منهكاً من التعب، لتبدأ بالاستفسارات عن كل كبيرة وصغيرة، وهذا مزعج بالنسبة لي، فهي تحب معرفة كل تفاصيل العمل، يعني ذلك أن مشاكله تتبعني لغاية البيت، يعني لا مجال للراحة، فلا أجيبها إلا بالصمت، وهذا يسبب خلافاً بيننا بحيث تفكر هي دائما أنني مشغول عنها بأشياء أخرى''. بينما يؤكد توفيق (عامل): ''أشعر أنها تستدرجني في الكلام، فلا أحب إجابتها، وألوذ بالصمت، خوفاً من انفجار بعض المواقف، فقد أحكي لها أشياء لا تحب سماعها، فيبدأ العتاب والخصام، وقد جربت في بداية الزواج أن أصارحها في كل كبيرة وصغيرة، فما كان بعد ذلك إلا سيل من الانتقادات والتنقيص من أهميتي في كل مرة مهما عملت، فأخذت هذا الموقف، الصمت هو العلاج''. في حين يقول أبوشهد: ''بطبعي لا أحب الكلام الكثير، وأعتبر الثرثرة من سمات النساء، ولا أحب الخوض في تفاصيل كل كبيرة وصغيرة والبوح لها بكل شيء''. ويقول سعيد أبوليلى: ''فعلاً، مرات يكون لدي ما أخفيه، ويعبر صمتي عن شيء يقلقني، وتدرك زوجتي ذلك لأني أتحدث كثيراً معها، وعندما أصمت تدرك هي أن في الأمر شيئاً يستدعي القلق، فقد تعترضني مشكلة ما في العمل أو في بيت أهلي فلا أريد الخوض فيها، فألجأ إلى الصمت''. عندما تحتد المشكلة بيننا، يقول أبومروة: ''أدخل غالباً الى غرفتي، وأترك لها البيت كاملاً، مفضلاً الصمت على الكلام، لأن فترة الغضب في نظري يحضرها الشيطان ويكون سعيداً بزرع الفتنة بين الرجل والمرأة، لهذا أفضل ألا أتحدث وأنا غاضب، فقد أتلفظ بكلام جارح يؤثر على علاقتنا، ومع إصراري على الصمت تلاحقني وتحاول معرفة السبب، وتتهمني بأنني إنسان غير محاور''. إذا كانت هذه وجهة نظر بعض الرجال الذين يلجأون للصمت في كثير من الأحيان لعدة أسباب، فيسكنون لأنفسهم، فإن النساء يفكرن غير ذلك ويفسرن الصمت بأشياء أخرى. يقتلني بصمته تفيد سلوى الحاج، مدرسة: ''بالنسبة لي صمت الرجل قاتل، فمرات يتأجج الخلاف بيننا لسبب ما يخص الأطفال، أو عن مصروف البيت أو عن الخادمة، وغالبا ما يلوذ بالصمت ويغرس عينيه في شاشة التلفزيون ولا يولي ما أقوله أي اهتمام، كأن الأمر ليس أمره، وحتى لو تحدث في أمر يخص البيت يطلب مني ألا أتدخل وينصب نفسه هو الفاهم والعارف ولا يحب المناقشة والكلام، فهو غير مبال بما يدور في البيت''. في حين ترى أمينة سعد الدين، مدرسة: ''أخاف من صمت زوجي، ويقلقني عدم ردة فعله عندما أخاصمه أو حتى أثناء حديث عابر، فمرات أحب جس نبضه، وهل هو راض عن تصرفاتي أو لا، فأجر أطراف أي حديث، وعند تجاوبه أشعر برضاه، لكن عندما يصمت أنزعج كثيراً لأن صمته يخفي الكثير من العتاب وعدم الرضا''. وقالت أم محمد ''كان زوجي كثير الحديث ويحب مناقشة كل كبيرة وصغيرة معي، كنا بداية أصدقاء، لكن كل شيء تغير، صار يدخل إلى غرفته ويجلس ساعات أمام الشاشة الصغيرة، وشاشة الهاتف النقال دون الحديث، وبالفعل اكتشفت الطامة الكبرى فقد كان على علاقة بأخرى، وعندما انفجر الموقف بيننا كانت ردة فعله عنيفة جداً، تركنا وغادر البيت أياما عديدة''. وتقول أم شهد: ''يصيبني الضجر والقلق عندما أواجهه ببعض تصرفاته يلوذ بالصمت ويتهمني بالسطحية في مناقشة بعض المشاكل المطروحة، أحاول اختراق صمته، وألح في الحديث، لكن ذلك لا يزيده إلا عنادا وتسلطا وتجبرا فيصمت، صار يعرف نقطة ضعفي، حيث ألاحقه وأستفزه ليتكلم بينما هو يستمتع بصمته''. هكذا تسود لغة خرساء بين بعض الأزواج، قد يخفي الزوج وراءها سرا، وقد تكون خوفا من وصول المرأة إلى كنهه، فتصل العلاقة الزوجية الى حد المكاشفة فتسري الخلافات والشجارات الدائمة بينهما، وقد يهرب الرجل من متاهات الحياة ليعتكف داخل صومعته ولا يحب من يخلخل طقوس الصمت داخله، يعذب هذا السكون القاهر الزوجة، وغالبا ما تعتبر الصمت ليس دليل زهد. فما رأي المختصين؟ رأي المختصين في هذا الخصوص تقول فاطمة الراشدي، ماجستير في العيادات النفسية، واستشارية في العلاقات الزوجية ومستشارة ومدربة في التنمية البشرية، ''يأتي كثير من النساء للمركز بحثا عن حل لهذه المشكلة، إذ تشتكي الزوجة غالبا من صمت زوجها، وهناك العديد من الحلول لهذه المشكلة. نطلب من الزوجة ملء بعض الاستمارات، ومن خلالها نلاحظ طريقة الكتابة وأي نوع من الخطوط تكتب به، ومن هنا يمكن تحليل نمط المرأة المشتكية. وهذا العلم يسمى الجرافولولجي، أي تحليل الشخصية من خلال الكتابة، وبذلك نستطيع تمييز شخصية المرأة، هل هي من النمط المشاعري الذي تغلب عليه العاطفة والمشاعر، أو المفكر المنطقي، أو من النوع الحسي الذي يستخدم حواسه في كل شيء، هذا النوع يدقق في كل شيء قد يتعب نفسه ومن حوله، والنوع الحدسي الذي يتوقع الأشياء قبل حدوثها. نحلل شخصية المرأة بهذه الطريقة حتى نستطيع إيجاد حل توافقي بين شخصية المرأة التي تميل للحديث الكثير والخوض في كل التفاصيل، وبين الزوج بطبعه الذي يميل للصمت والهدوء، ونسدي النصائح الملائمة لكل الأنماط''. طريقة ''الساندويتش'' حوار ناجح وتفيد فاطمة الراشدي في هذا الإطار: ''الرجل من الناحية العلمية ليس كالمرأة في التعبير عن الأحاسيس، إذ تختلف طريقة الرجل في التفكير، وقدرته على التحمل ومجابهة كل المشاكل، فالمرأة تستطيع القيام بأشياء كثيرة في آن واحد: الحديث وعينها على أولادها وتجهز الأكل والتفكير في الزوج، بينما الأخير لا يفكر إلا في مشكلة واحدة تشغله يحلها ثم ينتقل لحل المشكلة الثانية، كما أن الرجل عندما تعترضه مشكلة ما يصمت، وهنا يجب على المرأة أن تراعي هذا الجانب، وتقدر صمته وتترك له حيزاً من الخصوصية، كما أن اختيار وقت وطريقة الكلام لهما أهمية قصوى في إنجاح الحوار بين الزوجين، بحيث أستطيع إجبار زوجي وأخرجه عن صمته بعدة طرق منها: ''وقت الحديث بحيث لا أتجاذب أطراف الحديث معه مباشرة بعد رجوعه من العمل وأنهال عليه بالشكاوى والطلبات، بل أختار وقتا آخر، وطريقة الحديث نفسها يجب مراعاتها، فهناك طريقة جديدة في فن الحوار مع الزوج تسمى طريقة الساندويتش، أي يجب أن يكون الحوار على ثلاث طبقات، الأولى المدح والإعجاب ثم ندخل الملاحظة التي نريد ونرغب بها، بشرط ألا نتفوه بكلمة ''بس'' أو ''ولكن'' لأنه هنا ينتبه الزوج على سلبية تمرير الخطاب، ونختم الطبقة الأخيرة بالمدح والثناء، وكل ذلك له رد فعل إيجابي، وأكون دقيقة الملاحظة إذا حصل التجاوب اكون قد نجحت وأستمر في الطلب، وإذا كان العكس أصمت لأجل مسمى، فالرجل غالبا لا يحب الطريقة المباشرة في الكلام ويحب التلميحات، فلو عدنا لأيام الخطوبة لوجدنا الحوار جميلاً مملوءاً بالثناء وبعيداً عن المواجهة وغالبا ما يكون ناجحا، والرجل بنظري يحب الثناء دائما والشعور بالايجابية، ولا يحب المرأة المستبدة برأيها والتي تقلل من قيمته خصوصا أمام الغير، المرأة قد تحرر ما بداخلها بالكلام، أما الرجل فالصمت هو ملاذه، لذا يجب على المرأة في مثل هذا الموقف ألا تطارد الرجل داخل كهف صمته وإذا فعلت قد يحرقها غضبه، فالمرأة بطبيعتها متسرعة، ولو نستقي حكما من السلف الصالح لصلح أمر حالنا، وأذكر هنا حادثة أم طلحة (رضي الله عنها) حيث كان لها ابن مريض، توفي عند ساعة العشاء، وكان والده خارج البيت وعندما عاد سألها عنه، فقالت لقد سكن وهي تعني أنه مات، فأمرها بأن تتزين له ففعلت وكتمت لوعتها على ابنها وصبرت، وبعد ذلك قالت له ماذا تقول في جار له سارية عندنا طلبها، قال نرجعها له، فقالت هذا ابنك أمانة ائتمننا الله عيها وأخذها. هنا نلاحظ طريقة التدرج في الكلام حتى في تبليغ المصائب، فكيف بنساء اليوم وما بهن من الاستعجال والحديث في كل كبيرة وصغيرة، الجدية والتفاهة بينما الرجل يركز ويلاحظ ويوم ينفجر الموقف قد يقول كل ملاحظاته مما يسيء للزوجة''