"المسرح القومي" ليس مجرد مسرح إنما هو تاريخ المسرح المصري على مدى قرن ونصف قرن من الزمان، فهوصرح ثقافي مسرحى له مكانته في مصر والعالم العربي، شهدت خشبته أضخم الأعمال المسرحية في تاريخ المسرح العربي، وذلك منذ افتتاحه عام 1921، وكان يطلق عليه وقتها "المسرح الوطني" حيث برز دوره حينها في مقاومة الاستعمار، إلى أن تحول اسمه إلى "المسرح القومي" بعد ثورة 1952 ليصبح شاهدا على أزهى عصور الفن والثقافة في مصر خلال فترة الخمسينيات والستينيات. لذا فإن الحريق الذي شب داخل "المسرح القومي" يوم السبت 27 من سبتمبر 2008 جراء احتكاك كهربائي تسبب في انفجار لوحة الكهرباء الرئيسية لا يمكن متابعته على أنه حادثة اشتعال للنيران في إحدى دور المسارح المصرية لكنه جريمة – أيا كانت أسبابها - في حق أبو الفنون وتاريخه الذي احترق مع الأجزاء الفنية والتاريخية التي التهمتها النيران. "المسرح القومي" يقع في أحد أقدم مواقع القاهرة المملوكية، التي يرجع تاريخها إلى القرن ال15 الميلادي، ولكونه يطل على حديقة الأزبكية بميدان العتبة أطلق عليه "تياترو الأزبكية"، والذي شهد عروض "خيال الظل"، وهو فن مسرحي شعبي كان منتشرا حينها تصنع فيه الشخوص من الورق المقوى أو الجلد وظل باقيا في مصر حتى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي. ومع قدوم الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت (1799 – 1801) أدخل فن المسرح وعرف بشكله التقليدي وتكونت أول فرقة مسرحية كوميدية فرنسية أطلق عليها فرقة "الكوميدي فرانسيز". وفي عام 1869م شيد الخديوي إسماعيل "دار الأوبرا" إضافة إلى "المسرح الكوميدي"وأعدهما لاستقبال الوفود المشاركة في الاحتفالات الأسطورية التي أقامها بمناسبة افتتاح قناة السويس، كما شيد الخديوي عام 1870 مسرحا آخر في الطرف الجنوبي من حديقة الأزبكية، وعلى هذا المسرح ولد أول مسرح وطني، حيث شهد هذا المسرح عام 1885 م أول موسم مسرحي لفرقة "أبوخليل القباني"، كما قدمت فرقة "إسكندر فرح" وبطلها "سلامة حجازي" أشهر أعمالها على نفس المسرح من عام 1891 إلى 1905. ومنذ عام 1914م تراجع المسرح الجاد وازدهر المسرح الهزلي وحققت الفرق الكوميدية نجاحا هائلا خاصة فرقة "نجيب الريحاني" وفرقة "علي الكسار". ومع تزايد المطالبة باستقلال مصر وإنهاء الاحتلال الإنجليزي علت الصيحات مطالبة بإنشاء مسرح مصري قومي، وبالفعل شهد عام 1921م افتتاح "المسرح الوطني" في مبنى "تياترو الأزبكية" الذي كان يعرض عليه وقتها 4 مسرحيات دفعة واحدة بمعدل يومين لكل مسرحية. وفي عام 1935 تم إنشاء "الفرقة القومية المصرية" بقيادة الشاعر" خليل مطران" تتويجا للجهود المبذولة لحل أزمة المسرح، حيث قدمت الفرقة عروضها على "المسرح الوطني". كما افتتحت الفرقة معهدا للتمثيل وأرسلت البعثات للخارج إلى أن صدرا قرار بحل الفرقة في أغسطس 1942، وذلك لتقديمها أعمالا ضد الاحتلال. ومع قيام ثورة يوليو 1952 تحول اسم "المسرح الوطني" إلى المسرح القومي" معتمدا على فرقتين مسرحيتين كبيرتين هما "الفرقة القومية المصرية" وفرقة "المسرح المصري الحديث". وتعد فترة الخمسينيات والستينيات من أزهى عصور الثقافة والفن التي شهد عليها "المسرح القومي" بما عرضه على خشبته من أعمالا أبدعها كبار الكتاب المسرحيين، ومنهم "يوسف أدريس" و"نعمان عاشور" و"سعد الدين وهبه" و"ألفريد فرج"، وأخرجها عمالقة الإخراج المسرحي في مصر أمثال "عبد الرحيم الزرقاني" و"سعد أردش" و"كرم مطاوع"، وبالطبع جسدها تمثيلا نجوم المسرح في زمنه الجميل وفي مقدمتهم سيدة المسرح العربي "سميحة أيوب" والفنانة "سناء جميل" و"سهير المرشدي" و"عايدة عبد العزيز" و"عبد الله غيث" و"حمدي غيث" و"شفيق نور الدين" وغيرهم. كما تخرج من هذا المسرح نجوم كبار منهم "محمود ياسين" و"أشرف عبد الغفور" و"نور الشريف". وإلى يومنا هذا يظل الوقوف على خشبة "المسرح القومي" فخرا وشرفا لأي فنان، وقد شهد المسرح خلال الأعوام الأخيرة عروضا ناجحة لنجوم حاليين من بينها، مسرحية "أهلا يا بكوات" بطولة "حسين فهمي" و"عزت العلايلي" ومسرحية "الملك لير" بطولة "يحيى الفخراني". من جهة أخرى، يتمتع مبنى المسرح القومي بجمال التصميم وروعة الديكور داخليا وخارجيا، ويعد المبنى تحفة معمارية أثرية. يغلب على مواد بنائه الخشب، ويتكون من قاعة كبيرة تحمل اسم رائد الفن المسرحي "جورج أبيض"، بالإضافة إلى قاعة صغيرة تحمل اسم المخرج المسرحي والممثل "عبد الرحيم الزرقاني"، وقاعة صغيرة أخرى خاصة بالملابس وأجهزة الإضاءة، فضلا عن مكاتب إدارية خاصة بهيئة رئاسة المسرح و"مسرح الشباب".