وصف مسؤول فرنسي كبير رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة عشية زيارته إلى باريس بأن “يجسد الشرعية والديمقراطية، والمهم انه بات يجمع بين سلطات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة”. كادت هذه الجملة أن تثير أزمة، لأن بعضهم فسرها على غير ما تحتمل، فبدلا من أن يأخذ منها معناها المباشر، وهو أن باريس ترى أن واجب دعم السنيورة اصبح مضاعفا، اعتبر أن باريس تستقبل السنيورة كرئيس للجمهورية. بعيدا عن اللعب على الكلام تبدو جولة السنيورة في بريطانيا، فرنسا، المانيا تحضيرا لنفسه لتبعات تولي مهام رئيس الجمهورية. وتقول مصادر دبلوماسية غربية واكبت الجولة، إن الاستعدادات لفراغ رئاسي مديد في لبنان بدأت تأخذ مجراها، ولهذا شرع السنيورة في حركة دبلوماسية عربية ودولية من اجل اتخاذ الترتيبات اللازمة لادارة المرحلة المقبلة. ما يحتاجه رئيس الحكومة اللبنانية هو دعم حكومته اقتصاديا وسياسيا، من اجل استمرارها في ادارة الوضع الراهن من جهة، ومنع لبنان من الانهيار من جهة ثانية، وتلتقي هذه الحاجة مع تقديرات ومخاوف عربية ودولية، في أن الموقف العام محفوف بالمخاطر، واذا كانت الحرب الاهلية مستبعدة مثلما ترى باريس وعواصم اخرى، فإن الوضع العام يسير من سيئ الى اسوأ. فعلى المستوى السياسي يتراجع الرصيد الداخلي لحكومة السنيورة، في وجه الضغوط المتواصلة لقوى المعارضة، ولا تتوقف العقدة عند تعذر اجراء الانتخابات الرئاسية فقط، بل هناك مشكلات يومية ترتبت على فاتورة الجانب الاقتصادي الكبيرة، من جراء حالة شبه شلل عام يستمر منذ اكثر من سنة، بسبب تضرر القطاع السياحي على وجه الخصوص، ولا شك في أن الأزمة مرشحة للتفاقم اكثر في ظل دعوات دول عربية وأجنبية رعاياها الى عدم التوجه الى لبنان، كما السعودية والكويت. ويسود اعتقاد في عواصم غربية أن الفترة المقبلة سوف تكون قاتمة، حيث لا تلوح في الافق اي بادرة انفراج سياسي، وبسبب تصلب الأطراف المعنية بالأزمة الرئاسية، فإن هذا الملف قد يستمر مفتوحا حتى الانتخابات التشريعية المقررة في ربيع السنة المقبلة، وعليه فإن الدول المعنية بالأزمة اللبنانية أخذت على عاتقها دعم حكومة السنيورة، لكي لاتنهار في هذا الظرف، لأن في انهيارها يمكن أن يدخل لبنان في المجهول الكلي، ومن هنا وضع السنيورة هذه الدول في صورة الموقف السياسي والاقتصادي، وأوضح للمسؤولين الذين التقاهم أن الدعم الاقتصادي من شأنه أن يمكن حكومته في الاستمرار بتصريف الاوضاع، حتى تتضح الصورة النهائية للتجاذبات القائمة. وهذا ما يفسر اهتمام باريس بالزيارة، خصوصا لجهة تحريك المرحلة الثانية من التزاماتها في مؤتمر “باريس 3”، الذي انعقد في الشهر الأول من السنة الماضية، وتمثلت الدفعة الأولى من الالتزامات بتبرع مالي تجاوز 150 مليون يورو، تم تسديده في العام الماضي، والدفعة الثانية هي التي وقع عليها اول امس في “الأليزيه” بحضور الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والسنيورة، كل من وزير المالية اللبناني جهاد ازعور ووزيرة الاقتصاد الفرنسية كريستين لاغارد، وتتمثل في قرض مالي فرنسي طويل الاجل يقدر ب 375 مليون يورو، وكذلك تحريك الدفعة الثالثة من الالتزامات المتمثلة في المساعدات العسكرية التي ستقدمها فرنسا للجيش اللبناني. ولوحظ في باريس أن السنيورة استغل الفرصة، فطلب اللقاء مع السفراء العرب المعتمدين في العاصمة الفرنسية، لكي يحملهم رسالة الى حكوماتهم تدعو لمساعدة لبنان، من اجل اجراء الانتخابات الرئاسية وتجاوز الفراغ الرئاسي، وكان صريحا حين شخص الأزمة الراهنة، وعزا ذلك الى مصاعب اقليمية وقصد من كلامه تدخلات سورية وايرانية. ونقل مصدر دبلوماسي عربي انه كان متوترا، ما يعكس حالة الوضع العام في لبنان. وقال المصدر إن الدعم الغربي الذي تلقاه السنيورة لن يتجاوز مساعدته على تصريف حالة الفراغ الذي بدأ يصبح امرا واقعا لأطراف كثيرة، لكن ذلك لا يعني أن الموقف غير مرشح لمفاجآت.