الأهرام المسائي 21/9/2008 أزمة القوقاز أو الحرب الروسية الجورجية التي جرت مؤخرا بين حليفي الأمس وأعداء اليوم كانت لها انعكاساتها علي منطقة الشرق الأوسط البعيدة بآلاف الآميال عن مكان الصراع والحرب ذلك ان العالم اصبح وحدة صغيرة متشابكة واقرب ما يكون الي القرية الكونية الصغيرة التي تتأثر بأي حدث يقع في اركانها ولكن بنسب مختلفة تبعا لاهمية الحدث. الحرب في القوقاز كانت لها انعكاسات علي ثلاث من دول الشرق الاوسط وهي اسرائيل وسوريا وتركيا وسوف نتناول اليوم انعكاسات هذه الحرب علي الدولة العبرية من حيث مواقف الأخيرة منها وكانت اسرائيل قد أنشأت علاقات مع جورجيا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينيات من القرن الماضي وحسب التقرير الامريكي الذي كتبه الكاتب بريان هارينج فان جورجيا قد أصبحت مصدرا مهما للنشاطات العسكرية الإسرائيلية سواء علي مستوي الحكومة أو شركات الأسلحة وقد بدأت تل أبيب في بيع الأسلحة الي تبليسي منذ أكثر من سبعة أعوام بمبادرة من مواطنين جورجيين هاجروا إلي اسرائيل واوضح التقرير ان التعاون العسكري بين الدولتين يرجع في الاساس الي كون وزير الدفاع الجورجي دافيد كيزبر اشفيلي يحمل الجنسية الاسرائيلية الي جانب الجنسية الجورجية وقد زودت وزارة الدفاع الإسرائيلية جورجيا بطائرات تجسس من طراز يو اي في450 لاستخدامها في طلعات جوية فوق مناطق تقع جنوبروسيا وبصفة خاصة في ايران تحت مراقبة صارمة من الاستخبارات الإسرائيلية من اجل تحديد اهداف قد تكون عرضة لهجوم في المستقبل وقد خصص مطاران في جورجيا لطائرات عسكرية اسرائيلية مهمتها مهاجمة اهداف محددة لها علاقة ببرنامج ايران النووي وقد حظي هذا الهجوم بموافقة الرئيس الامريكي جورج بوش في تفاهم وقع مع الحكومة الاسرائيلية في واشنطن في الرابع من يوليو عام2006 ووفقا لهذا الاتفاق فإن إسرائيل يمكنها استخدام مطارات جورجية غير محددة تحت مراقبة أمريكية تستطيع المقاتلات الإسرائيلية من خلالها التحليق عبر الأجواء التركية بموجب اتفاق سري مع أنقرة لضرب ايران ذلك أن المسافة بين جورجيا وايران أقل من تلك التي بين اسرائيل وايران وأشار التقرير إلي انه من خلال استخدام القواعد الجورجية والحصول علي المساعدة الامريكية يمكن لهذا الهجوم ان يكون اكثر ملاءمة وفعالية من تنفيذه من قواعد اسرائيلية قد تكون لها تبعات دبلوماسية خطيرة وقد أكد التقرير ان هذا التخطيط الاسرائيلي لضرب المنشآت النووية الايرانية من الأراضي الجورجية قد وضع منذ اكثر من عامين وقد رصدت الاستخبارات الروسية مواقع الاستطلاع الاسرائيلية في جورجيا وقامت الطائرات الروسية بضرب هذه القواعد الموجودة قرب العاصمة تبليسي في الحرب الأخيرة مع جورجيا كما انها الحقت اضرارا بالطرق السريعة والمواقع المحيطة بها. وفي الحرب الروسية الجورجية اتهم نائب رئيس الاركان الروسي الجنرال اناتولي نوجوفيتش اسرائيل بمساعدة جورجيا بشكل جوهري ضد روسيا وقد رأت مصادر اسرائيلية في هذا الاتهام امرا ينطوي علي مخاطر وعواقب خطيرة علي مستقبل العلاقات بين الدولتين وذكرت صحيفة معاريف الاسرائيلية في تقرير لها في19 اغسطس الماضي ان المسئولين السياسيين الاسرائيليين يخشون من نشوب أزمة في العلاقات بين اسرائيل وروسيا بسبب النزاع الروسي الجورجي والدعم الاسرائيلي لجورجيا وأشارت الصحيفة الي ان السبب الرئيسي لاحتمال نشوب ازمة في العلاقات بين الجانبين هو ان الروس يرون ان اسرائيل حليفة للولايات المتحدة ولان ثمة ازمة قادمة في العلاقات الروسية الامريكية وذكرت الصحيفة ان غضب روسيا علي اسرائيل بسبب دعم الاخيرة لجورجيا هو سبب ثانوي لازمة محتملة بين اسرائيل وروسيا وخشيت اسرائيل من ان تقوم روسيا بالغاء صفقات ومشاريع مشتركة بين الجانبين يفترض تنفيذها قريبا ومن شأنها ان تعمل علي تعزيز العلاقات بين البلدين وقد نفت اسرائيل تزويد جورجيا بالسلاح كحكومة وان شركات خاصة اسرائيلية هي التي قامت بعقد صفقات بيع وتدريب لجورجيا بموافقة وزارة الدفاع. وبالرغم من التخوف الاسرائيلي من تدهور علاقاتها مع روسيا بسبب موقفها الداعم لجورجيا في حربها مع روسيا الا ان العلاقات لم تتدهور بسبب تدارك الساسة الاسرائيليين لمواقفهم من جورجيا بتوقفهم عن الانحياز اليها حرصا علي مصالحهم الاقتصادية مع روسيا واتخاذ الدولة العبرية موقف الحياد من الاعتراف الروسي باستقلال جمهوريتي أوسيتيا الجنوبية وابخازيا الانفصاليتين فقد امتنعت عن اصدار أي بيان يتعلق بالاجراء الروسي الاخير كما قررت اسرائيل في محاولة واضحة للمحافظة علي التوازن في علاقاتها مع موسكو ارسال شحنات مساعدات انسانية الي كل من جورجيا واوسيتيا الشمالية وكان قد عقد اجتماع في27 اغسطس الماضي في وزارة الخارجية الاسرائيلية لمناقشة مسألة اعتراف روسيا بالجمهوريتين الانفصاليتين واتخذ في هذا الاجتماع قرار محتواه انه في الوقت الذي ستقرر فيه اسرائيل علي الارجح الاستمرار بالتمسك بوحدة اراضي جورجيا الا انها لن تنضم الي جوقة الادانات التي تصدر بحق روسيا من دول مثل الولاياتالمتحدة والمانيا وبريطانيا وانها من المؤكد لن تعترف باستقلال الجمهوريتين الانفصاليتين. وقد اوضحت صحيفة جيروزاليم بوست الاسرائيلية الموقف الجديد الذي اتخذته اسرائيل تجاه ازمة القوقاز فقالت ان الموقف السائد في اسرائيل يعتبر ان المعركة الحرب في القوقاز ليست معركتها وان لها مصالح استراتيجية حيوية مع موسكو وانها أي اسرائيل ليست قوة عظمي عليها ان تطلق مواقف حول كل مسألة تبرز حول العالم وقد ارضي الموقف الاسرائيلي الاخير روسيا وقد نقلت جيروزاليم بوست عن القائم باعمال السفارة الروسية في تل ابيب اناتولي يوركوف قوله ان موسكو تقدر الموقف الاسرائيلي المتوازن الذي انتهجته حيال الازمة وبقاءها وراء الستار وان هذا الموقف قد يكون له تأثير إيجابي علي العلاقات الروسية الاسرائيلية واضاف يوركوف انه خلال الاشهر القليلة الماضية توقفت اسرائيل عن بيع جورجيا اسلحة هجومية وانها اوقفت نهائيا عملية بيع الاسلحة الي جورجيا منذ بدء الازمة وزعم المسئول الروسي ان جورجيا كانت تحاول ايجاد هوة بين موسكو وتل ابيب من خلال الحديث عن صفقات الاسلحة الاسرائيلية وفعالية هذه الاسلحة ضد القوات الروسية وهو ما نفته اسرائيل وان احد مؤشرات الموقف المتوازن الذي تحاول اسرائيل انتهاجه انها بعد ارسالها مساعدات انسانية الي اوسيتيا الشمالية في روسيا لمساعدتها علي مواجهة سيل اللاجئين الذين تدفقوا اليها خلال الازمة بين روسيا وجورجيا وقال الدبلوماسي الروسي ان المساعدات الاسرائيلية الجاري الحديث عنها تتضمن ادوية ومعدات طبية واضاف ان رمزية المساعدات تعني اكثر من اهميتها علي الرغم من عدم تحديد موعد لارسالها وهكذا غيرت اسرائيل من موقفها المنحاز الي جورجيا الي موقف الحياد وهي في كلتا الحالتين كانت تضع مصالحها القومية والاستراتيجية في المقام الاول رغم التناقض الظاهري وفي موقفيها هذا فيما يتعلق بموقف اسرائيل من الحرب الروسية الجورجية وسنحاول في المقال القادم باذن الله تعالي ان نعالج موقف سوريا من هذه الازمة.