مازالت أحداث 11 سبتمبر عام 2001 عالقة بالأذهان، ولا يزال مشهد انهيار برجي مبنى التجارة العالمي بنيويورك وحالة الفزع والهلع التي أصابت الأميركيين لا تفارق مخيلة الكثيرين، فما حدث في ذلك اليوم لم يكن حادثا إرهابيا عارضا وإنما كان انتهاكا صارخا وفاضحا للأمن القومي لأقوى دولة في العالم ، كان اختراقا لأعظم الأجهزة الأمنية والاستخباراتية على مر التاريخ . وكان بمثابة لطمة قوية على وجه القوة الأعظم في العالم ما أصاب كبرياء الولاياتالمتحدة في مقتل. واليوم فإنه ومع مرور 7 سنوات مازالت تأثيرات أحداث ذلك اليوم الأسود تنعكس على سياسات الإدارة الأميركية ومازالت منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية تدفع مرغمة الفاتورة المؤلمة لهذا العمل. يؤكد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية الدكتور عمرو هاشم ربيع علي الانعكاسات السلبية لأحداث 11 سبتمبر علي السياسة الخارجية الأميركية خاصة تجاه الشرق الأوسط والمنطقة العربية ، منوها في هذا الإطار بما طرأ على السياسة الأميركية من تغييرات كبيرة وما اتسمت به تلك السياسة بالشك والريبة تجاه المنطقة العربية والمسلمين وتراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية التي أصبحت في أدنى اهتمامات صانع القرار الأميركي. وأضاف : أن من تلك التأثيرات السلبية أيضا لأحداث 11 سبتمبر على المنطقة العربية والشرق الأوسط الغزو الأميركي للعراق وأفغانستان والتدخل السافر للإدارة الأميركية في الشؤون الداخلية لدول المنطقة بحجة دعمها للإرهاب والادعاء بتورط صدام حسين وأسامة بن لادن في أحداث 11 سبتمبر كمبرر لغزو أفغانستان ومن بعدها العراق. وأشار ربيع إلى تأثيرات أحداث 11 سبتمبر الدراماتيكية على حالة حقوق الإنسان في المنطقة وفي العالم ككل ، ففي الوقت الذي تتخذ واشنطن وحلفاؤها من العواصم الأوروبية ملف حقوق الإنسان لممارسة الضغوط على الدول المختلفة وخاصة المناوئة لها والتدخل في شؤونها الداخلية بل وإسقاط أنظمتها السياسية . نجد أن الولاياتالمتحدة الأميركية قد غضت الطرف عن الكثير من انتهاكات حقوق الإنسان لحلفائها بل وحفزت عددا من الدول المتعاونة معها على انتهاك حقوق الإنسان لخدمة مصالح الولاياتالمتحدة ودعمها أمنيا ولا أدل على ذلك من فضيحة المعتقلات السرية التابعة للولايات المتحدة بأوروبا وكذلك فضيحة التعذيب بالوكالة والمتورط فيها عدد من الأجهزة الأمنية بدول المنطقة ودول أخرى. وقال ربيع : إن الإدارة الأميركية في أعقاب أحداث 11 سبتمبر لم تكتف بمجرد تشجيع الأنظمة المتحالفة معها على انتهاك حقوق الإنسان أو غض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان وإنما تورطت هي نفسها وبشكل سافر وغير مسبوق في انتهاكات حقوق الإنسان سواء على أراضيها أو خارج أراضيها حيث حدث ذلك في معتقلات جوانتانامو بالولاياتالمتحدة نفسها وأبو غريب بالعراق وقندهار بأفغانستان وغيرها الكثير والكثير بشكل يتنافى مع ما تزعمه الولاياتالمتحدة الأميركية من أنها راعية وداعية حقوق الإنسان في العالم. واستطرد قائلا: ليس هذا فحسب ، فقد تسببت أحداث ذلك اليوم الأسود في إصابة الأميركيين بالذعر والهلع وافتقاد الأمن والأمان وهو ما تم ترجمته بشكل سلبي في قرارات عنيفة ويمكن وصفها هي أيضا بالتطرف والعنصرية من خلال إغلاق مطاراتها في وجه العرب والمسلمين لفترات طويلة واتخاذ إجراءات احترازية متشددة جدا أقل ما توصف «أنها تتعارض مع أدنى مستوى لحقوق الإنسان وكذا وضع الكثير من المنظمات والجمعيات العربية والإسلامية تحت الرقابة الشديدة». وقال ربيع: إنه بدلا من أن يدفع هذا الحادث الإدارة الأميركية للسير قدما للأمام وإدراك أن هذا العمل الإرهابي قامت به جماعات متطرفة بعد أن أصابها اليأس والإحباط من اتباع سياسة الكيل بمكيالين والانتقائية في تنفيذ القرارات الدولية وأن هذه الجماعات أقدمت على هذا العمل بعد أن فقدت الأمل في حل الكثير من القضايا العالقة مثل القضية الفلسطينية باعتبارها لب المشكلة في الشرق الأوسط ، نجد الولاياتالمتحدة تستمر في غطرستها واتباع سياساتها الحمقاء وتضع رأسها في الرمال بعيدا عن أرض الواقع. ومن جانبه، أكد الخبير الإستراتيجي اللواء كمال عامر على أن أحداث 11 سبتمبر عام 2001 كان لها تأثيرات بالغة الخطورة على العالم ككل وعلى المنطقة العربية بوجه خاص فقد كانت الأحداث بداية الإعلان عن انتهاء ما كان يسمى بالحرب الباردة بين الكتلتين الغربية بقيادة الولاياتالمتحدةوالشرقية برئاسة روسيا الوريث الشرعي للاتحاد السوفييتي رسميا. ومثلما أن هذه الأحداث أعلنت رسميا انتهاء الحرب الباردة فقد أعلنت كما أكد على ذلك العديد من الخبراء والمراقبين بداية الصراع الفعلي والعلني بين الغرب والإسلام باعتباره التهديد الحقيقي للغرب من وجهة نظرهم في إطار ما سبقه من عمليات تنظير لما يعرف بصراع الحضارات على أساس أن الإسلام هو الخطر القادر على التصارع مع الغرب بعد أن تم تقليم أظافر الكتلة الشرقية وأصبحت مستأنسة من جانب الغرب. وأضاف: أن الفكر الجديد الذي سيطر على القيادة الأميركية والذي قاده المحافظون الجدد في واشنطن برئاسة الرئيس الأميركي جورج بوش الابن وديك تشيني ورونالد رامسفيلد وغيرهم وجد أن العمل في إطار نظرية صراع الحضارات التي روج لها مفكرو المحافظين الجديد من شأنه تحقيق العديد من المكاسب السياسية والعسكرية والإستراتيجية والاقتصادية والفكرية بل والعقائدية. وظهر هذا جليا في جملة من الأخطاء التي وقعت فيها الإدارة الأميركية وحاولت تداركها فيما بعد والاعتذار عنها منها عندما أعلن بوش الابن أن ما يجري في أفغانستان والعراق وغيرها هو بمثابة «حملات صليبية جديدة» وسعيه لمقابلة بابا الفاتيكان والتبرك به وطلب العون والمساعدة منه. وأشار عامر إلى أنه يأتي في الإطار أيضا لتنفيذ الفكر الجديد للمحافظين الجدد السعي لتغيير وجه المنطقة العربية وتغيير جغرافيتها تمهيدا لتغيير تاريخها وحاضرها من خلال عدة مشروعات منها الشرق أوسط الجديد ثم الشرق أوسط الكبير ثم شراكة جنوب المتوسط إلى غير ذلك من المبادرات . وقد ترتب على أحداث 11 سبتمبر أيضا الغزو الأميركي لأفغانستان وبسط نفوذها على باكستان في إطار إستراتيجية مكافحة الإرهاب وغزو العراق بحجة التعاون مع بن لادن ومساعدته والتدخل في السودان بهدف تقسيمه بحجة تعاون النظام الحاكم مع المنظمات الإرهابية تارة وانتهاكات حقوق الإنسان تارة أخرى وأسباب اقتصادية تارة ثالثة كذلك ما حدث من ممارسة ضغوط كبيرة على إيران والتهديد المستمر بضربها بحجة أنها تروج للتطرف والعنف في العالم. وقال : إن الإدارة الأميركية استغلت هذه الأحداث في إعادة صياغة العلاقات الدولية من جديد في إطار مفهوم جديد في العلاقات الدولية وهو «من ليس معي فهو ضدي» وترسيخ دورها كقوة مهيمنة ومسيطرة في العالم وبوصفها شرطي العالم والحاكم الفعلي لهذا العالم في إطار الإستراتيجية الجديدة للمحافظين الجدد.