تتباين المشاعر تجاه تدفق العمالة الصينية على افريقيا بين الإعجاب بتفانيهم في العمل واحترام كفاءتهم في الادارة من ناحية والإستياء من سعيهم لتحقيق الثراء. ويمثل رد الفعل المتباين خطرا مُحتملا لمسعى الصين لكسب العقول والقلوب في افريقيا وهو تحرك توليه بكين أولوية وسط اتهامات غربية بتغاضيها عن معايير حماية العمالة وحقوق الإنسان في استثماراتها الافريقية. ففي الجزائر، بينما ينظر العمال الوطنيين بعين الاعجاب لتفاني نظرائهم الصينيون، يبدون دهشتهم لتنامي الصلات بين بلادهم والدولة الآسيوية، وهو ما جاء على لسان عامل البناء الجزائري جمال العاري، الذي قال أنه من الغريب اتجاه الصين للاستثمار في الجزائر التي كان يتجنبها مستثمرون أجانب في وقت ما بسبب البيروقراطية التي لا يمكن اختراقها والعنف السياسي في فترة سابقة. ويتعجب من إرسال الصين أعدادا كبيرة من العمالة لمجتمع أرهقته الحرب، مجتمع هش سياسيا، يعاني فيه 7 من كل 10 بالغين دون سن الثلاثين من البطالة. وأضاف أن الكثير من الجزائريين غير راضين عن توافد العمالة الصينية، لما تلقي به بمزيد من الظلال السلبية علي اي مسعى لمواجهة البطالة. ويقدر مسؤولون جزائريون عدد العمال الصينيين في بلادهم بنحو 19 الفا في عام 2007 ومعظمهم عمال بناء وحرفيون ينفذون أعمالا ضمن خطة تنمية اقتصادية وطنية تتكلف 200 مليار دولار، ويعتقد بعض الجزائريين ان الرقم الحقيقي أعلى كثيرا. وارتفع حجم التجارة الثنائية بين البلدين الى 3.8 مليار دولار في عام 2007 من أقل من مليار دولار في عام 2002 مدفوعة بزيادة صادرات الصين للجزائر التي فازت بنحو مليار دولار من الاستثمارات الصينية. وفي دولة المغرب، يشوب الاحترام السائد بين تجار التجزئة للعزيمة التجارية للصينيين ضيقا من انخفاض هامش ربحهم بسبب منافسة الأسعار الصينية واستعداد الصينيين للعمل بأجر منخفض. ويقول عز الدين لاحلو الذي يدير متجرا لبيع الملابس بحي درب عمر في الدارالبيضاء، أن هجوم الصينيين قلص من ارباح التجار حتى أن الكثير منهم مهددين بعدم القدرة على دفع مصروفات تعليم أطفالهم . واستطرد أن العامل الصيني يحصل على حوالي 300 درهم (41 دولارا) في الشهر، بينما يريد المغربي نحو الفي درهم. ويكسب كثيرون من العمال الصينيين في افريقيا أكثر من ذلك بكثير وعادة يكسبون بضع مئات من الدولارات في الشهر ومن يكسب أقل يتلقى مساعدة من أقارب يعملون في افريقيا أيضا. وتفيد دراسة مشتركة لباري سوتمان أستاذ العلوم السياسية في جامعة هونج كونج للعلوم والتكنولوجيا ويان هيرونج أستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة الفنون التطبيقية في هونج كونج، ان الهجرة الصينية لافريقيا نمت منذ عام 2000. وتقدر وسائل الاعلام الصينية عمالة بلادها في القارة السمراء بنحو 750 الف صيني، وهو رقم معقول لتصبح واحدة من أكبر الجاليات الأجنبية في افريقيا. وينمو أُفق المهارات الصينية في افريقيا كل شهر من أطباء الى مربي أسماك وحلاقين وخبراء تجميل. وتعمل أكثر من 800 شركة صينية مملوكة للدولة في الاقتصاد الافريقي الى جانب عدد غير معروف من الشركات الخاصة. وفي يونيو/ حزيران 2008، قدر هوتشي رونج نائب رئيس صندوق التنمية الصيني الافريقي وهو صندوق استثمار خاص الاستثمارات الصينية المباشرة في افريقيا زادت الى 13.7 مليار دولار عام 2007 من 500 مليون دولار في عام 2000. وساهم اتساع نطاق النشاط الصيني في افريقيا في تحقيق القارة أقوى نمو لها منذ الستينات، ولكن في افريقيا جنوب الصحراء لم يؤثر التقدم على البطالة التي لازالت عند حوالي 10% في عام 2006 حسب بيانات الأممالمتحدة. وتقول منظمة العمل الدولية ان حوالي 55% من العاملين في افريقيا جنوب الصحراء لا يحصلون على ما يكفيهم لانتشال أنفسهم وأُسرهم من تحت خط الفقر الذي يتحدد عند دولار واحد في اليوم، وذكرت ان حوالي 86% يعيشون على دولارين في اليوم. وهذا الفقر المدقع يعني ان يصبح سوق العمل في افريقيا منطقة شديدة الحساسية للمستثمرين الأجانب. ففي ابريل/ نيسان 2008، سحبت الصين أكثر من 400 عامل من غينيا الاستوائية إثر مقتل عاملين صينيين في مصادمات مع قوات الامن خلال اضراب لموظفين محليين. ورغم عدم وضوح التفاصيل يعتقد انها اول حالة قتل لعمال صينيين في احتجاج عمالي في افريقيا وعلى ما يبدو من أكثر المنازعات التي تؤثر على مشروع صيني في أفقر قارات العالم خطورة. وفي السودان الذي تنامت ثروته بفضل صادرات النفط للصين يعمل آلاف من العمال الصينيين في مشروعات رئيسية للطاقة والطرق والسدود والاتصالات. وهم يميلون للعيش بمعزل عن السودانيين ولديهم اماكن اقامة ومطاعم ومتاجر خاصة بهم وهو ما تفعله شركات صينية كبرى عادة في اماكن اخرى من افريقيا. ونتيجة لذلك فان معظم التعاملات بين الافارقة والصينيين تجري عادة في متاجر صينية تنتشر بسرعة كبيرة في القارة السوداء في المناطق النائية غالبا لبيع سلع منزلية أساسية. ويتوقع سوتمان مزيدا من الاندماج في مكان العمل مع تعيين مدراء افارقة في شركات صينية، كما تمت زيجات بين الافارقة والصينيين ولكن يصعب الحصول على احصاءات موثوق بها بشأنها. ويضيف، ان ثمة امثلة على اقامة مدراء صينيين بشركات صغيرة ومتوسطة الحجم علاقات طيبة مع مرؤوسيهم واتصالات اجتماعية متزايدة بين عمال صينيين وأفارقة رغم عدم فهم لغة الآخر. غير ان غالبية القادة الأفارقة لا يبدون أي تحفظ تجاه مليارات الدولارات التي تنفقها الصين في أفريقيا للحصول على النفط والمعادن التي يحتاجها اقتصادها الآخذ في النمو. وحرصا على مواجهة حساسيات الاستثمار الأجنبي تعهد اجتماع وزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية الافريقية في موريتانيا في الاول من اغسطس/ اب 2008 بشفافية أكبر في التعاملات مع الصين وغيرها من المستثمرين الجدد الذين يتوافدون على القارة. (رويترز)