نقلا عن /جريدة اخبار الخليج20/7/07 الصراع هو السمة المميزة للعلاقات الأمريكية - الصينية في الأعوام الأولى من الحرب الباردة، وقد انحصرت المواجهة بين الطرفين في موضوعات مهمة على رأسها: حقوق الانسان، وقف سباق التسلح، وكانت ذروة المواجهة في ربيع 1996، عندما أرسلت أمريكا اثنتين من حاملات الطائرات الى منطقة تايوان، حيث كانت تلك هي المرة الأولى التي يتقابل فيها الطرفان في مواجهة عسكرية مباشرة منذ حرب فيتنام. بعد أزمة تايوان 1997 بدأت علاقات العملاقين تتخذ نوعا من الاستقرار ار والايجابية، ولم يتوقف تحسين العلاقات عند الشكل والرمزية فقط، ولكنه تضمن بعض الأمور الجوهرية فعلا فبدت عند البعض كأنها علاقة نموذجية جذابة يحسبها الضمآن ماء حتى اذا جاءها لم يجدها شيئا، لأن علاقات الدولتين غير مؤكدة، فهي ليست علاقة تعاونية بصدق، ولا هي مشاركة في الاستراتيجية، وهي لا تعدو أن تكون احتراما متبادلا مصطنعا تتجه أقرب الى التضاد عند فحصها بامعان، لذلك فإن التسوية على المدى الطويل وفقا لطبيعة واتجاه علاقات العملاقين تعتمد أساسا على تطور العلاقات في السنوات القليلة القادمة، وفي عصر الحرب الباردة كان الهدف الرئيسي للاستراتيجية العامة الأمريكية هو أن تصبح القوة العظمى الوحيدة، وتتقلد دور الزعامة في العالم، ومن الواضح ان هذا يتعارض مع التخطيط الصيني للنظام العالمي، الذي يقوم على مبدأ أن كل الدول سواء كانت صغيرة أم كبيرة يجب أن تتساوى في العلاقات الدولية، وهكذا نرى ان المفهوم الصيني للنظام العالمي اليوم مختلف تماما عن المفهوم الأمريكي. الصينيون يعتقدون أن نظام التعدد القطبي هو الاتجاه الأمثل للتنمية الاقتصادية والسياسية، ويرفضون نظام الزعامة الدولية ويطالبون بالتعاون القائم على أساس المساواة، هذه الاختلافات تعكس اختلاف المفهوم بين أمريكا والصين عن العالم اليوم ومستقبلاً. الدولتان بينهما اختلافات رئيسية حول عدد من القضايا الدولية، فالصين توافق على اعادة النظر في قرارات الأممالمتحدة بالنسبة إلى العراق، وهي تقف ضد استعمال القوة لتنفيذ تلك القرارات، وفي كمبوديا والبوسنة وغيرهما تقف الصين دائما ضد التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى ذات السيادة. على صعيد الأمن الاقليمي ثبتت أمريكا وجودها العسكري في تحالف الأمن الياباني الأمريكي - الآسيوي باعتباره مفتاحا للأمن الاستراتيجي الأمريكي والأمن الاقليمي. والصين خلال فترة طويلة كانت تعارض مبدأ القواعد والتحالفات العسكرية، فالصينيون مرتابون فعلاً من الاشتراك الأمريكي في التحالف العسكري الآسيوي حالياً ومستقبلاً باعتباره يقصد أساساً الصين، وما فعله الأمريكيون خلال أزمة تايوان يؤكد تلك الريبة، لذلك تقف الحكومة الصينية بقوة ضد تقوية وتدعيم التحالف العسكري الأمريكي - الياباني، خاصة خطوط التعاون الأمني الأمريكي - الياباني التي تغطي تايوان، وفقا للترتيبات الأمنية الأمريكية - اليابانية. لذلك وجب ضرورة توسيع التعاون لمنع انتشار الاسلحة خصوصا أن الدولتين قد استطاعتا الاجماع على تأكيد أهمية منع انتشار الاسلحة لحماية السلام والأمن الإقليمين، وقد أكدت أمريكا اهمية الاستخدام السلمي للطاقة النووية في الاتفاقية الموقعة مع الصين عام 1985، التي أوجدت حيزا أكبر للتعاون بين الدولتين، من جانبها بذلت الصين جهودا كبيرة لبناء وتشييد نظام الرقابة على التصدير، وذلك للوفاء بمسئوليتها الدولية عن الرقابة على التسلح والمحافظة على المنطقة المنزوعة السلاح، ولكن عندما بدأت الهند وباكستان اجراء تجارب نووية مؤخرا، فإن امريكا والصين قد وجدتا ضرورة لإدانة تلك الأنشطة، واتفقتا على ضرورة تبادل الرأي والتعاون لحسم قضايا الأمن الاقليمي ومنع انتشار الأسلحة، ومازالت توجد نقاط اختلاف كثيرة بين العملاقين حول قضية تايوان بحيث لا يمكن القول ان القضية قد حسمت، أو ان الاختلافات بين الدولتين في طريقها للزوال قريبا، مع ذلك فما حدث بعد أن أعطى الامريكيون صورة واضحة للخطر المتوقع، إذا قام بعض مواطني تايوان بالبحث عن الاستقلال بصورة خاطئة، في حين يدعم الامريكيون ذلك بصورة خاطئة ايضا، لذلك لابد من التغيير الإيجابي في التكتيك الأمريكي بخصوص تايوان حتى تمنع خلق أجواء متوترة في علاقات الدولتين. ان تايوان هي مفتاح العلاقات الامريكية - الصينية واستقرار تلك القضية يؤدي حتما إلى استقرار وتنمية العلاقات بينهما، لكن عندما نرحب بالتغير الإيجابي والتنمية في علاقات الدولتين، فيجب على المرء ألا يقتنع تماما بذلك التغيير وتلك التنمية، ويتجاهل الاختلافات الجوهرية بينهما. ان وجود علاقة تعاون واستقرار بين أمريكا والصين ليس سهلا من دون إزالة الاختلافات والتقارب حول القضايا الرئيسية وليس التقارب في زيادة التركيز في المشكلات والاختلافات بين الدولتين، فلا يمكن لأحد أن يتوقع يوما تكون فيه علاقات الدولتين أو أي دول أخرى مستقرة تماما لذلك يجب أن تقبلا خلافاتهما وتعملا على إدارتها ولا تدعاها تسيطر على علاقاتهما، فالحوار هو الطريق الوحيد لذلك لأن بعض الاختلافات يمكن حسمها عن طريق المحادثات، وبالنسبة إلى قضايا كحقوق الانسان، توجد حاجة إلى مزيد من الأمريكيين من صانعي الحوار لا يعتمدون على قيمة أمريكا فقط، ولكن ينظرون الى واقع الصين اليوم ووضعها وما أحرزته من تقدم في مجال حقوق الانسان. الخلافات الأخرى يمكن تقريبها من خلال الحوار والمفاوضات وعامل الوقت في ظل التقدم الذي أحرزه الطرفان بشكل فعلي مؤخرا في مجال حماية حقوق الملكية الفكرية وتوسيع اتفاقية منع انتشار الاسلحة، والاستخدام السلمي للطاقة النووية.أما القضايا التي من الصعب الاتفاق حولها، فيمكن إدارتها أيضا مثل مشكلة تايوان، فلم يحل الطرفان تلك القضية منذ 25 عاما، ولكن كانت هناك أوقات خلال تلك الفترة عمل فيها الطرفان على إدارة الخلافات لمنع تلك القضايا من زيادة توتير العلاقات. في عام 1977 كانت الصين تشغل المرتبة الثالثة عشرة في حجم التجارة الدولية، ويتوقع خبراء الاقتصاد الدولي أن تصبح الصين المتعامل الأول من حيث قيمة التجارة الخارجية في العالم خلال عشر سنوات، وهذا يخيف أمريكا ويقض مضاجعها، لم يكن للصين أن تتمتع بهذه النسب العالية من النمو التجاري لولا وجود عدة عوامل أساسية يأتي على رأسها الشراكة التجارية بينها وبين الولاياتالمتحدة التي بدأت بصورة منظمة ومطردة عام 1979، وما تلاها من انضمام الصين إلى منظمة التجارة الدولية ط ش د عام .2001 إلا أن العلاقات التجارية الصينية الأمريكية كانت على الدوام علاقات غير سهلة، وخلال سنوات طويلة استغل الكونجرس الأمريكي مراجعة تشريع "الدول المفضل التعامل معهما حُ ئفُْمل خفىُ" ليربط بين حرية التجارة مع الصين بسجلها فيما يتعلق بحقوق الإنسان، ومؤخرا بدأ الكثيرون في واشنطن التعبير عن قلقهم من الفجوة المتزايدة في العجز التجاري مع الصين، ويحاول أنصار نظريات الحماية التجارية في كل من الدوليتين التأثير السلبي ضد قوى السوق الحرة التي تدفع في طريق زيادة التبادل التجاري، حيث تستجدي الولاياتالمتحدة الصين منذ فترة طويلة ضرورة ترك العملة الصينية لعوامل السوق لتحدد قيمتها، وان تقوم أيضا بمحاربة القرصنة الفكرية على المنتجات الأمريكية ومن هنا تبرز مخاوف الولاياتالمتحدة بشكل واضح عند الحديث عن العلاقات التجارية مع الصين. اما على صعيد سياسات الحماية التجارية المتبادلة فتعرقل إجراءات الحماية نمو التبادل التجاري بين الدولتين لمستويات أكبر مما تبلغه الآن، لأن أمريكا تركيز كثيرا على مواجهة المستثمرين الصينيين بالتركيز في المخاوف الأمنية، إضافة إلى عدم الثقة الكبيرة بالشريك الصيني، وخلال شهر أغسطس 2005 عرقل الكونجرس صفقة شراء شركة طاقة صينية تعرف باسم ددخ لشركة البترول الأمريكية صخدءج وبسبب المخاوف الأمنية لا تصدر الولاياتالمتحدة التكنولوجيا العسكرية المتقدمة، أو المواد والتكنولوجيا التي يمكن أن يكون لها استخدامان مدني وعسكري. من الناحية الأخرى، تقوم الصين أيضا ببعض إجراءات الحماية التجارية، وبسبب الشكوك حول السرعة التي يندمج فيها الاقتصاد العالمي وما حدث من امتلاك الأجانب واستثمارهم نسبا كبيرة من الاقتصاد الصيني، عرقل البرلمان الصيني مشروع قانون يتعلق بحماية الملكية الخاصة يشمل أيضا ممتلكات الأجانب في الصين في مؤتمره السنوي في شهر مارس .2000 ان قضية العملة الصينية المعروفة باسم يوان عفَ تعتبر من أهم القضايا الشائكة المتعلقة بالتجارة بين الولاياتالمتحدة والصين، في حين تنزعج واشنطن من محافظة الصين على قيمة غير حقيقية لعملتها تجعلها 40 بالمائة أقل من قيمتها الحقيقية في حالة تركها لقوى السوق، ولهذا السبب تنخفض أسعار المنتجات الصينية في السوق الأمريكية وترتفع أسعار المنتجات الأمريكية في الصين بما يؤدي إلى وجود هذا العجز الكبير في ميزان التجارة بين الدولتين، وترى واشنطن أن من شأن سياسة الصين بخصوص اليوان أن تؤثر سلبا في قدرة الولاياتالمتحدة التنافسية، لأن زيادة قيمة عملة الصين ستؤدي إلى زيادة كبيرة في الأسعار في السوق الأمريكية، إضافة إلى احتمال حدوث تضخم كبير في أمريكا. اننا لا نعتقد أن العجز التجاري يمثل خطرا على الولاياتالمتحدة، لأن هذا العجز ليس كبيرا جدا إذا ما تم حساب أن الكثير من حجم الصادرات من الصين تقوم به شركات أمريكية وأجنبية أخرى لديها مصانع في الصين ونعتبر ذلك مجرد وساوس وأوهام أمريكية مستمرة بسبب الخوف من ظهور دول عظمى تنافسها بشكل حقيقي. على صعيد آخر، وجد الصينيون موطئ قدم في السودان وهو مدخل استراتيجي لإفريقيا بأسرها مدفوعين لمشاركة غيرهم في كعكة النفط السودانية، فالمنطقة كانت كلها محل صراع بين فرنساوالولاياتالمتحدة، حيث بلغ حجم الاستثمارات الصينية في السودان خمسة مليارات دولار عام 2005، الإمارتيون والسعوديون والليبيون والقطريون والفرنسيون والماليزيون كلهم ساهموا في هذا الوجود من أجل الاستثمار، لكن الوجود الصيني وحده هو ما يقلق الأمريكيين، فالصينيون استغلوا على ما يبدو التوتر الناشئ في علاقة الخرطومبواشنطن منذ عقدين، ذلك التوتر الذي يعود إلى الاتهامات الأمريكية للسودان بإيواء أعدائها وملفات حقوق الإنسان ومواقف الخرطوم حيال واشنطن، ومع انفجار الأوضاع في دارفور، راح الاهتمام الأمريكي بالسودان يتضاعف على الرغم من التنسيق الاستخباراتي بين البلدين عقب الحادي عشر من سبتمبر. المصالح الصينية النفطية في افريقيا محط الاهتمام، باعتبار أن الصين الآن هي ثاني دولة بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية المستوردة للنفط من افريقيا وبالنظر الى حجم التجارة العالي مع افريقيا سيصل 2010 إلى 100 مليار دولار سنويا، فقد غدت الصين تتمتع بوجود مميز في السودان، وسط سعي الولاياتالمتحدةالأمريكية الحثيث إلى طردها من هذه الدولة المهمة في افريقيا التي تعتبر من أكبر الدول الافريقية. ويمكن القول: إن مستقبل العلاقات بين البلدين لم يعد محكوما فقط بالمصالح التجارية والاقتصادية أو بالاستراتيجية العسكرية والأمنية لهما؛ ففي كل الأحوال يستطيع الطرفان تحقيق قدر ما من التوازن في مجمل هذه العلاقات في العقود الثلاثة المقبلة. الود الذي يظهر على السطح يجب ألا يفسر على أنه ثقة متبادلة على الصعيد السياسي في ظل التمكن من إحداث تطوير إيجابي نسبي في علاقتهما معا برز في زيارة الرئيس الصيني للولايات المتحدة مؤخرا، فبالنسبة إلى الصينيين فإن أكبر عقبة يرونها تحول دون تطور العلاقات مع الولاياتالمتحدة تتمثل في الاختلاف الكبير بين حكومتي البلدين في النظام السياسي والأيديولوجيا ووجهة النظر إلى القيم، وماعدا ذلك فإن الصين يمكنها التكيف مع المتغيرات الأخرى رغم صعوبة ذلك. الصينيون باتوا أكثر معرفة بسياسة أمريكا تجاههم، ويقاوم قادتها ذلك بالتمسك بفكرة الأمة الصينية، وعندما تمارس الولاياتالمتحدة التغلغل الأيديولوجي والثقافي تجاه الصين انطلاقا من سيكولوجية الغرور والغطرسة والدولة العظمى، فمن المؤكد أن تتعرض لمقاومة شرسة من جانب مشاعر الوطنية لدى الصينيين، وعلى هذا النحو فإن التناقض الحاد بين القومية الأمريكية والوطنية الصينية سيكون عاملا معنويا مهما لا يمكن تجاهله في العلاقات الصينية - الأمريكية المستقبلية، مما يبين الحقائق عن طبيعة وحجم وتشابك المصالح الاقتصادية بين الصين والولاياتالمتحدة لدرجة تجعل الاحترام الخارجي يخفي مجابهات حقيقية داخلية بين العملاقين، ورغم عدم انتفاء المنافسة الشرسة بين الدولتين على الأصعدة السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية حتى الرياضية كافة، فإن دور عوامل السوق الحرة المفتوحة تضبط وتجعل من المنافسة مباراة ينتصر فيها الطرفان. الصين والولاياتالمتحدة، يجب عليهما عدم اعادة العلاقة العدائية التي كانت في الخمسينيات والستينيات، فهما لا تستطيعان اعادة نسج العلاقة ثانية على أساس العداوة المشتركة كما حدث في السبعينيات والثمانينيات، كما أنه ليس من المحتمل أن يتحالف الطرفان مستقبلا، ومع ذلك فاهتمامات الطرفين تتطلب إقامة علاقة تعاونية بينهما وحان الوقت الآن للطرفين لتقريب الاهتمامات الجوهرية لكلتا الأمتين في علاقاتهما، وتقريب وإدارة الاختلافات وبناء إطار للحوار والتعاون بينهما. يجب على أمريكا ألا تخاف من قوة الصين الاقتصادية ومن نفوذها المتنامي كدولة عظمى، بل يجب أن تحترمها بشكل حقيقي، لأن أمريكا ليست وصية على نمو الدول ولا على تقدمها، فالتاريخ سوف يعطي المساحة الكافية للصين وغيرها لأن تفرض نفسها كما أعطاها لأمريكا سابقا.