كثرت الاخبار في الآونة الاخيرة عن ولاية سينالوا في شمال غربي المكسيك حيث مقر اكبر كارتيلات المخدرات في المنطقة مع انها كانت منسية في السابق، او في غيبوبة اعلامية لوقت طويل. ولكن ما كسر هذا التعتيم الاعلامي على سينالوا تمثل بسلسلة جرائم القتل المتبادلة بين أباطرة المخدرات المتنازعين على السيطرة من جهة، والجرائم التي تستهدف عسكريين ومسؤولين سياسين في البلاد من جهة ثانية، ردا على الحملة العسكرية المتسعة النطاق التي أطلقها الرئيس المكسيكي فيليبي كالديرون على تجارة المخدرات المتزايدة في البلاد بدءا من اواخر .2006 «اورينت برس« تراقب تالياً ما يجري في سينالوا: ربما كانت ولاية سينالوا القلعة الاساسية للاتجار بالمخدرات في المكسيك ولتهريب المخدرات الى الولاياتالمتحدة، ولكن هذا لا يخفي حقيقة ان الولاية هي من اولى الولايات الزراعية في البلد بحيث تنشط فيها زراعة الطماطم على الاخص ويتوافد اليها الالاف سنويا لجني المحاصيل بما يوفر فرص عمل كثيرة، كما انها مصدرة بارزة للدجاج، حتى انها تمتلك «اسطولاً« محلياً كبيراً لصيد الاسماك، الا ان هذه النشاطات العادية لم ترق للأمريكيين كثيراً، فخلال الحرب العالمية الثانية، وعندما شعروا بشح بدأ يتسلل الى احتياطي المورفين لديهم جراء اغلاق المعابر للأفيون الاسيوي، عمد المسؤولون في الادارة الامريكية الى اختيار سينالوا، وولايتين مجاورتين هما شيهواوا ودورانغو، لتشكيل «مثلث ذهبي« لانتاج الأفيون في المكسيك ونقله الى الولاياتالمتحدة لانتاج المورفين لغرض تغطية النقص الحاصل بسبب الحرب. اليوم، تحاول الولاياتالمتحدة التكفير عن ذنبها، طبعا من دون الاعتراف به، لذلك فقد اعلن الرئيس الامريكي جورج بوش مساعدات بقيمة ملايين الدولارات لدعم حملة الرئيس المكسيكي لوضع حد لتجارة المخدرات في المكسيك التي تنعكس سلباً جداً على المجتمع الامريكي، ولكن تقارير وسائل الإعلام المكسيكية توضح انه بدلا من أن تؤدي الحملة إلى تهدئة العنف، فإن قرار كالديرون أدى إلى التأثير المعاكس تماما، حتى انه شخصيا تلقى تهديدا بالقتل. الجيش مقابل الكارتيلات وقد زاد كالديرون وحدات الجيش لمقاتلة عصابات المخدرات لتشمل نحو 30 الف جندي، كما وسع مسرح العمليات العسكرية لتدمير محاصيل المخدرات ليشمل ست ولايات اضافة الى سينالوا، وبدلا من قصر دور الجيش على القضاء على محاصيل المخدرات وجمع المعلومات، فإن قوات الجيش تقوم الآن بأعمال هي عادة من مهمات قوات الشرطة مثل القيام بالغارات والتحقيقات ومصادرة المخدرات الممنوعة، وهو ما ادى الى زيادة القتلى، ومنذ يناير 2007 قتل أكثر من 1000 شخص. ويشكك بعض الخبراء في الحكمة من وراء استعمال قوات الجيش لمحاربة كارتيلات المخدرات، فالقوات المسلحة المكسيكية ليست مدربة بصورة مناسبة للقيام بمهام تنفيذ القانون، كما اننا نتحدث عن كارتيلات قوية بشكل ساحق وتعتمد على شبكة واسعة من المخبرين. ولعل أحد أسباب ارتفاع أعداد القتلى في صفوف الجيش هو أن كارتيلات المخدرات في سينالوا تقوم باستخدام بعض الأعضاء السابقين المتدربين تدريبا عاليا في القوات الخاصة المعروفة باسم «زيتا« كقتلة مأجورين لا يخطئون الهدف ابداً. وفيما اغتيل بعض المسؤولين المكسيكيين في اطار انتقامي واضح، ثبت تورط البعض مع تجار المخدرات ومن بينهم العضو الكبير في هيئة موظفي الرئيس المكسيكي، الذي تم اعتقاله للاشتباه في صلته بعصابة للمخدرات عبر تسريبه معلومات عن أنشطة الرئيس. ارتفاع العنف من جهة اخرى، ارتفعت حصيلة العنف في سينالوا هذا العام حيث قتل فيه نحو 300 شخص في مدة قياسية وهو ما لفت انظار العالم والاعلام، ليس فقط جراء حملة الدولة ضدهم، بل ايضاً نتيجة خلاف بين زعيم عصابة «سينالوا« لتهريب المخدرات الشهير خواكيم جوزمان الذي يتصدر قوائم المطلوب اعتقالهم في المكسيك، وفصيل بيلتران ليفا وهو أكثر فصائل عصابته جرأة. ويعتقد على نطاق واسع ان اسرة بيلتران ليفا مسؤولة عن قتل شقيق جوزمان، ارتور، في هجوم شبه عسكري في مايو الفائت. وعلى إثر مقتل أرتور اعتقلت السلطات مدير السجن للتحقيق في الحادث، كما استقال رئيس سجون المكسيك الستة التي تفرض عليها إجراءات أمنية مشددة تحت ضغوط متزايدة. يشار الى ان ماركوس ارتورو بيلتران ليفا ومنظمته العائلية هما مكون تاريخي لكارتيل «سينالوا« احدى المافيات الثلاث الكبرى للمخدرات التي تنشط في المكسيك وعلى طول ساحل المحيط الهادىء، اما الكارتيلان الآخران المنافسان له فهما كارتيل تيخوانا وكارتيل غلف. وكانت القوات المكسيكية قد اعتقلت الفريديو بيلتران ليفا في منطقة حراج في مدينة كولياكان، عاصمة ولاية سينالوا، وعمدت إلى مصادرة اموال بقيمة مليون دولار كان يحملها، وهو ما اثار حفيظة عائلته ودفعها الى الانتقام من رئيس عصابتها لأنه لم يستطع القيام بشيء لاطلاق سراحه. واعتقلت السلطات ايضاً روبن بيلتران ليفا، ولكن لاحقا عمدت مجموعة من المهربين الى اقتحام السجن وخطف ليفا اثناء قيام بعض اطباء السجن بعملية جراحية له. الى ذلك، تمكنت القوات المكسيكية من اعتقال ساندرا بيلتران الملقبة بملكة المحيط الهادئ التي اشتهرت بقيامها بدور رئيسي في تهريب الكوكايين من كولومبيا إلى المكسيك، ولم تكن ساندرا بمفردها بل اعتقل ايضاً عشيقها خوان دييغو إسبينوزا المطلوب لدى الولاياتالمتحدة لكونه الرجل الثاني في عصابة نورت ديل فال الكولومبية التي اعتقل زعيمها دييغو مونتويا في كولومبيا في وقت سابق. نوادر الكارتيلات تمتلك شبكات التهريب في سينالوا طرائق غريبة لتهريب المخدرات وأموالها، وابرزها استخدام الغواصات لنقل الكوكايين عبر المحيط الهادئ، وقد تمكنت القوات البحرية المكسيكية مرة واحدة من اعتراض غواصة كانت تنقل كميات كبيرة من الكوكاكيين عبر استخدام مروحيات عسكرية، ويشتبه ان غواصات كهذه يجرى تصنيعها سرياً في كولومبيا لتوسيع شبكة الاتجار بالمخدرات في امريكا اللاتينية. من جهة ثانية، عثرت الشرطة المكسيكية اخيراً على مبلغ نصف مليون دولار وكمية من المخدرات في علب لحفاظات الأطفال مخبأة في شاحنة كانت آتية في كولياكان وتابعة لاحدى ابرز العصابات فيها، خلال عملية تفتيش روتينية. الى ذلك، لم تتوان احدى عصابات سينالوا للمخدرات عن سرقة كلب بوليسي من مطار في المكسيك حيث تركوا مكانه كلبا صغيرا في عملية وصفت بأنها تمت بحرفية عالية. وكان الكلب ويدعى «ريكس 4« على درجة عالية من التدريب فقد نجح في ضبط كميات عديدة من المخدرات، لذلك فإنه سيساعد المهربين على ايجاد طرائق جديدة لاخفاء المخدرات. وقال متحدث باسم الامن العام انه لم ير طوال 17 عاماً امضاها في الخدمة، مثل هذه العملية التي تمت وسط وجود مئات من عناصر الشرطة في المطار، واعتبر «إنها اشبه بخطف عميل في المخابرات«، ف «ريكس 4« مدرج ضمن وحدة خاصة لنخبة كلاب بوليسية تشكلت في عام 2001 في اطار حملة الحكومة المكسيكية ضد جماعات تقوم بتهريب الكوكايين وغيرها من المخدرات من امريكا الجنوبية الى الولاياتالمتحدة. وكان السارقون قد تمكنوا من استبدال ريكس بعدما تنكر احدهم بزي ضابط شرطة، وطالب بأخذ ريكس لاخضاعه لفحص عام لانه لا يبدو على ما يرام. موطن زورو الى ذلك، تتميز ولاية سينالوا بأنها الموطن الاصلي للبطل دييغو دي لافيغا، المعروف ب «زورو«. وقد وضع تمثال له مع القبّعة والقناع واللباس الأسود الشهير في باحة أشهر الفنادق في بارانكا ديل كوبري، المدينة الصغيرة في سينالوا، حيث ولد عام .1794 وقد دشّن وزير السياحة المكسيكي سينالوا أنطونيو أبارا التمثال المهدى إلى الأسطورة «زورو«. وبحسب الأسطورة، فإن دييغو نجل صاحب منجم اسباني، أقام في 1805 مع والده في كاليفورنيا العليا التي كانت في ذلك التاريخ تابعة لاسبانيا، بعد ذلك تحول الى رجل خارج عن القانون كان رحيماً بالفقراء ويدافع عنهم في مواجهة الاضطهاد الاسباني. ويعتقد بعض سكان سينالوا ان تجار المخدرات يشكلون ما يشبه زورو بالنسبة لهم، اذ انهم يوفرون العمل للكثير من السكان المحليين وان من دونهم لكانت مئات العائلات قد تضورت جوعاً.ولكن لعلهم في هذه المقارنة يظلمون «زورو«.