والإتجار فيها بكل أنواعها مشكلة أزلية في قارة أمريكا الجنوبية ليس فقط علي صعيد التعاطي وارتفاع نسبة المدمنين بل تعتبر القارة اللاتينية المكان الأمثل وجنة لمافيا المخدرات وأباطرتها الذين يعيثون في بلاد أمريكا الجنوبية فسادا ويقودون حرب نفوذ لا تنتهي بينهم ويعملون علي شراء الذمم ، وتعتبر المكسيك علي وجه الخصوص بوابة أمريكا الجنوبية و الدولة الأبرز من حيث تواجد عصابات التهريب الدولية التي أدي الصراع بينها إلي وفاة المئات خلال عام 2009 فقط من أفراد عصابات وأفراد من الجيش والشرطة وحتي القضاة ورغم إعلان السلطات فيها حربا لا هوادة فيها ضد تلك العصابات إلا أن هذه الحرب ومنذ سنوات تواجه فشلا ذريعا وهو الحال المماثل في جميع دول أمريكا اللاتينية حيث تزداد تلك العصابات قوة ونفوذا . كتاب " المخدرات : الحرب الفاشلة " يستعرض تنامي ظاهرة مافيا المخدرات وحرب عليها من جانب الدولة في المكسيك التي تعتبر منفذا مهما ًلتهريب المخدرات كونها تقع علي الحدود مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ويشير الكاتب روبين أجويلار مؤلف الكتاب إلي أن قضية المخدرات في المكسيك تعتبر القضية الأولي في العصر الحديث في البلاد دون عن سائر دول العالم والتحدي الأكبر الذي يواجهها منذ عشرات السنوات ، والكاتب هو أحد مستشاري الرئاسة في المكسيك بالفترة بين 2000 و2006 وهو ما جعله يطلع علي القضية عن قرب واصفا الحرب التي تشنها الدولة وهيئاتها علي مافيا المخدرات بالفاشلة وسقطت أجهزتها تماما في الحد من العنف والإجرام وإزهاق الأرواح وتداول المخدرات وقارنها بالحرب التي شنتها أجهزة الدولة في الولاياتالمتحدةالأمريكية علي الإتجار بالسلاح كما قارن الوضع في المكسيك بالوضع في كولومبيا وأوجه الشبه الكبير بينهما إلا أن الوضع الأكثر تعقيدا مازال في المكسيك علي حد وصفه. وقد ازدادت قوة هذه العصابات وزعمائها ،ونفوذها بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة في المكسيك وهو ما لخصه أحد أكبر زعماء عصابات تهريب المخدرات هناك في مقابلة صحفية مؤخرا بقوله إن حرب المكسيك علي تجارة المخدرات لا جدوي منها حتي اذا تم اعتقال زعماء من العصابات أو قتلوا فهناك الملايين مازالوا يمارسون نشاطهم وهو ما يظهر قوة أباطرة المخدرات داخل البلاد وثقتهم الكبيرة في أنفسهم وفي أتباعهم من أفراد العصابات.. وتعتبر ولاية سينالوا القلعة الأساسية للإتجار بالمخدرات في المكسيك وتهريب المخدرات إلي الولاياتالمتحدة ولكن هذا لا يخفي علي أحد حقيقة أن الولاية هي من أولي الولايات الزراعية في البلاد بحيث تنشط فيها زراعة الطماطم علي الأخص ويتوافد إليها الآلاف سنويا لجني المحاصيل بما يوفر فرص عمل كثيرة كما أنها مصدرة بارزة للدجاج حتي أنها تمتلك أسطولاً محلياً كبيراً لصيد الأسماك إلا أن تلك النشاطات العادية لم ترق للأمريكيين كثيراً فخلال الحرب العالمية الثانية عمد المسئولون في الإدارة الأمريكية إلي اختيار سينالوا وولايتين مجاورتين هما شيهواوا ودورانجو لتشكيل مثلث لإنتاج الأفيون في المكسيك ونقله إلي الولاياتالمتحدة لإنتاج "المورفين" بغرض تغطية النقص فيه بسبب الحرب ، واليوم تحاول الولاياتالمتحدة التكفير عن ذنبها من دون الاعتراف بأخطاء الماضي بمساعدات تصل إلي ملايين الدولارات سنويا كمساهمة في الحرب علي المخدرات للمكسيك. ويشكك بعض الخبراء في الحكمة من وراء استخدام قوات الجيش علي وجه الخصوص لمحاربة كارتيلات المخدرات فالقوات المسلحة المكسيكية ليست مدربة بصورة مناسبة للقيام بمهام تنفيذ القانون كما أننا نتحدث عن كارتيلات قوية بشكل ساحق وتعتمد علي شبكة واسعة من المخبرين ولعل أحد أسباب ارتفاع أعداد القتلي في صفوف الجيش هو أن كارتيلات المخدرات في سينالوا تقوم باستخدام بعض الأعضاء السابقين المتدربين تدريبا عاليا في القوات الخاصة المعروفة باسم "زيتا" كقتلة مأجورين لا يخطئون الهدف أبداً. وهو ما أدي لاغتيال بعض المسئولين المكسيكيين في إطار انتقامي واضح وثبت تورط البعض مع تجار المخدرات ومن بينهم العضو الكبير في هيئة موظفي الرئيس المكسيكي الذي تم اعتقاله للاشتباه في صلته بعصابة للمخدرات عبر تسريبه معلومات عن أنشطة الرئيس.. وتمتلك شبكات التهريب في سينالوا طرائق غريبة لتهريب المخدرات وأموالها وأبرزها استخدام الغواصات لنقل الكوكايين عبر المحيط الهادي وقد تمكنت القوات البحرية المكسيكية مرة واحدة من اعتراض غواصة كانت تنقل كميات كبيرة من الكوكايين عبر استخدام مروحيات عسكرية ويشتبه أن غواصات كهذه يجري تصنيعها سرياً في كولومبيا لتوسيع شبكة الاتجار بالمخدرات في أمريكا اللاتينية. وتعرف ولاية سينالوا بأنها الموطن الأصلي للبطل "دييجو دي لافيجا" المعروف ب "زورو" وقد وضع تمثال له مع القبّعة والقناع واللباس الأسود الشهير في ساحة أشهر الفنادق في بارانكا ديل كوبري المدينة الصغيرة في سينالوا وبحسب الأسطورة فإن "زورو" هو نجل صاحب منجم اسباني أقام في 1805 في المكسيك بعد ذلك تحول إلي رجل خارج عن القانون كان رحيماً بالفقراء ويدافع عنهم في مواجهة الاضطهاد الاسباني ، ويعتقد بعض سكان سينالوا أن تجار المخدرات يشكلون ما يشبه "زورو" بالنسبة لهم إذ إنهم يوفرون العمل للكثير من السكان المحليين وأن من دونهم لكانت مئات العائلات قد تضورت جوعاً