من قبل توليه رئاسة المكسيك، وهو يري، ويؤمن، ويثق، في أن السبب الرئيسي وراء كل الأزمات التي يعاني الشعب المكسيكي منها هو تقاعس الدولة وعدم جديتها في محاربة المخدرات والقضاء علي المسئولين عن انتشارها: زراعة، وتصنيعاً، وتوزيعاً. وكم قرأنا للرجل »فينست فوكس« من تصريحات هاجم فيها حكومات بلاده التي اتهمها الواحدة بعد الأخري بالتخاذل في تصديها الهزيل لأباطرة المخدرات، مؤكداً أنهم خلقوا لأنفسهم »دولة داخل الدولة« وسرعان ما عاثوا في المكسيك فساداً، وإفساداً، وتدميراً لكل شيء وأي شيء حياً كان أم جماداً. قضية التصدي للمخدرات والعاملين فيها، حولها »فينست فوكس« إلي قضية »حياة أو موت« للمكسيك. وعندما فاز في الانتخابات، وأصبح رئيساً للبلاد في عام2000 كان أول ما نطق به بعد انتهائه من ترديد القسم الدستوري هو إعلان الحرب بكل ما لدي البلاد من قوي وأسلحة علي »امبراطورية الكارتل« والقبض علي قادتها ومحاكمتهم ، وسجنهم، إن لم يتمكن من إعدامهم! حكم »فينست فوكس« المكسيك من عام2000 إلي 2006وهي نفس المدة التي استمرت خلالها الحرب المعلنة ضد المخدرات وزرّاعها، وصناعها، وتجارها، ومروجيها. وكان الرئيس »فوكس« قد اهتم فور جلوسه علي مقعده باشراك الجيش المكسيكي في تلك الحرب، إلي جانب قوة الأمن المكلفة بمكافحة المخدرات. وقتها.. قيل أن »أباطرة الكارتل« اخترقوا بسهولة رجال مكافحة المخدرات، مما أفقد تلك القوة مقومات وجودها، وبدلاً من أن يكافح أفرادها انتشار المخدرات أصبح بعضهم »عملاء« للأباطرة لدي كل الأجهزة الأمنية المعنية. وتصوّر الرئيس »فينست فوكس« أن مشاركة القوات المسلحة في عمليات مكافحة المخدرات ستحقق إنجازات ملموسة، كما ستضع حداً للاختراق، والفساد، والإفساد. ولم يتردد في إرسال قوات كبيرة إلي المناطق في المرتفعات والمنخفضات التي يسيطر عليها »أباطرة المخدرات« ليس فقط من أجل قصف مخازنهم ومخابئهم، وإنما الأهم محاصرة أكبر عدد من »القيادات« للقبض عليهم : موتي أو أحياء. استمرت الحرب مشتعلة طوال فترة حكم الرئيس »فوكس« راح ضحيتها آلاف القتلي من الجانبين. ورغم هذه الخسائر البشرية فلا الحرب انتهت، ولا عصابات المخدرات المكسيكية تراجعت أو حتي تأثر نشاطها. فالقتلي من أفرادها يسهل جداً تعويضهم. وكثرة السيولة النقدية في أيديهم »الناركو والدولارات« قادرة علي حجب »البصر« و إفقاد »السمع« في أي وقت وكل مكان! أنهي الرئيس المكسيكي »فوكس« مدته في ديسمبر 2006، وتولي الرئاسة بعده: »فيليب كالديرون« الذي ينتسب إلي نفس الحزب الديمقراطي المسيحي ويواصل نفس الحرب التي بدأها من سبقه.. لعل وعسي يُحقق »نصراً« لم يتحقق من قبل، خاصة مع الصلاحيات الجديدة التي أعطيت للجيش وجعلت منه المسئول الأول أو الأوحد عن مجريات تلك الحرب.. التي بلغ عمرها الآن أكثر من 10سنوات! في الأسبوع الماضي.. صدر في المكسيك بيان يؤكد أن عدد ضحايا »الحرب ضد المخدرات« تخطي ال 28ألف قتيل. ولا تبدو في الأفق البعيد قبل القريب بادرة أمل في انقطاع نزيفها، وتوقف إطلاق نيرانها! مناسبة هذا الموضوع.. تعود إلي أن رئيس المكسيك السابق: »فينست فوكس« إعترف يوم السبت الماضي علي موقعه الإلكتروني بفشل الحرب التي أعلنها، من2000 إلي 2006، ونفسها الحرب التي واصلها خليفته، من ديسمبر 2006 وحتي اليوم. لعلها من المرات النادرة التي يعترف فيها مسئول كبير، بعد ابتعاده عن منصبه.. طبعاً، بأن ما قام به فشل فشلاً ذريعاً مادياً وبشرياً! العادة أن »الكبار« الذين يتركون مقاعدهم، يحرصون أو معظمهم علي الأقل علي إتهام من جاءوا بعدهم بإفشال مشروعاتهم عمداً أو جهلاً التي أقاموها وأداروها وسلموها ناجحة قبل انتهاء خدمتهم! رئيس المكسيك السابق اختلف عن كل هؤلاء.. وفاجأنا بالاعتراف بأنه كان ساذجاً، و مخطئاً، عندما تصوّر أن الحرب الكاسحة، المدمرة، هي الحل الأوحد للقضاء علي المخدرات وأباطرته! اللافت للنظر.. أن رئيس المكسيك الحالي: »فيليب كالديرون« خليفة: »فينست فوكس« لم يوقف الحرب، ولم يندد بخسائرها، كما لم ينتهزها فرصة للتشهير بمن سبقه، وإنما علي العكس رأيناه يسير علي هداه، ويواصل حربه ضد المخدرات، مسئولاً عنها وعن اخفاقاتها، وعن تزايد عدد ضحاياها البالغ 28ألف قتيل! الأهم، والأخطر، من هذا كله وهو ما حفّزني لنشر هذه القصة أن رئيس المكسيك السابق، »فينست فوكس«، لم يكتف بالاعتراف بفشل سياسته، وعجزه عن تصفية أباطرة المخدرات و زرّاعها، وصناعها، وتجارها، وإنما فاجأ الدنيا كلها يوم السبت الماضي بطرح حل جديد، و سهل، لتجارة وانتشار المخدرات. الحل كما يراه »فوكس« يتلخص في جملة واحدة: »إصدار تشريع جديد يٌقنّن زراعة، وصناعة، وتجارة، كل أنواع المخدرات.. في المكسيك«! وتحفظاً من جانبه، أضاف »فوكس« قائلاً: »ليس معني اقتراحي أن المخدرات لا ضرر من تعاطيها«.