الأهرام: 4/8/2008 أشعر بتعاطف مع موقف السيد أحمد رفعت النجار, القاضي الذي احيلت اليه المهمة القاسية, وهي الحكم في قضية ممدوح اسماعيل ونجله عمرو، ذلك انه بالرجوع الي الجرائد وما نشر في وسائل الإعلام آنذاك, فقد كان من شبه المعلوم, ان قاضي الموضوع في الجنحة المنسوبة اليهما لن يمكنه ان يفلت من الحكم ببراءة المتهمين من التهم الموجهة اليهما في عريضة الاتهام, والتي تنحصر في عجالة ودون الدخول في التفاصيل والجدل القانوني اللذين لا يتسع لهما المكان في ارتكاب جنحة الاهمال الذي ادي الي القتل الخطأ, الناتج عن تقاعسهما عن القيام بواجباتهما منذ أن علما بغرق العبارة, وهو ما تسبب في غرق بعض الضحايا الذين كانوا مسافرين علي العبارة السلام98 التابعة للشركة التي يمتلكانها, هذا في الوقت الذي اكد فيه تقرير الاحالة من النائب العام ان التحقيقات قد أثبتت خلو العبارة من أي عيوب فنية قد تكون تسببت في غرقها, وفي النهاية فقد حمل قرار الاحالة, ربان السفينة والذي تردد آذاك انه اما غرق او اختفي المسئولية الحقيقية, عن غرق العبارة وموت الضحايا وعددهم اكثر من1032 شخصا اغلبهم من المصريين. والسؤال الذي حير الكثير من المتابعين للموقف آنذاك هو: مادام ممدوح اسماعيل كان يعلم ان الحكم سوف يصدر ببراءته, ومادام النائب العام قد حصر القضية في فرعية من الصعب اثباتها عليهما, فلماذا هرب المتهمان؟!! والرد ببساطة ودون الدفع بالأداحيض القانونية ينحصر في التالي: ان في قضايا الجنح لا يلزم مثول المتهم بذاته وبشخصه امام المحكمة, إنما يمكنه ان يوكل من يحضر نيابة عنه, ولا يعيب هذا الاجراء صحة موقفه القانوني.. أما من المنظور غير القانوني, فالمعتقد ان المتهمين كانا ولا زالان غير قادرين علي مواجهة الرأي العام, ولا القضاء الذي يفرزه ضمير الشعوب. فقد يفلت من القانون الوضعي من أجرم, إلا انه لا يمكنه ان يفلت من قانونين غير مكتوبين وليس لهما مواد اتهام ولا عقوبات محددة: انهما الضمير الشخصي, والضمير الانساني الشعبي أو ما يطلق عليه الرأي العام, وأنه مهما برأ المحامون, شخصا قانونا من تهمة منسوبة إليه, فلن يمكنهم ان يبرئوه من حكم قانون اسمه العدل الانساني... وهنا تكون عدالة الضمير, اقوي من صوت القانون والمحامين.. ناهيك عن عذاب الضمير وعدالة السماء. وهنا يلزم أن نقطع, بأنه ليس من حق اي شخص قانونا ان يجرح في حكم صادر من جهة قضائية إلا عبر قنوات حددها القانون سواء بالاستئناف او بالنقض في الحكم وفقا للأصول القانونية المرعية.. وعليه فقد قام السيد النائب العام بالطعن بالاستئناف في الحكم لمخالفته الثابت بالاوراق, والفساد في الاستدلال, والقصور في التسبيب, والتعسف في الاستنتاج, كما وتبين لفريق من النيابة العامة والذي تدارس الحكم فور صدوره, ان به اعورارا استوجب الطعن عليه بالاستئناف.. وأؤكد ان هذا الموقف من النائب العام ورجال النيابة العامة, يعكس دليلا لا يقبل الجدل, علي نزاهة وعدالة ونزاهة القضاء المصري, إلا أن توقعي من المنظور القانوني والتطبيقي, ومن دراسة السوابق يقودني الي ان استئناف حكم البراءة الصادر من محكمة أول درجة, لن يمكنه ان يغير من مضمون هذا الحكم في مرحلة الاستئناف, للعديد من الأسباب, اهمها ان الاجراءات القانونية التي سوف تتبع في نظر الدعوي الجديدة, ستقف عائقا في وجه الخروج بحكم مخالف, حيث يشترط للموافقة علي الحكم الجديد صدوره بإجماع الآراء, من قبل القضاة الثلاثة الذين سينظرون في الدعوي. ولي كلمة لابد ان اسجلها في هذا المقام والمقال, فأنا أحترم موقف من قاموا بالدفاع عن المتهمين, وعليه فإني اعترض علي سلوك من طعنوا في نزاهتهم القانونية.. لأنهم قد قاموا بالدفاع عن المتهمين من التهم المنسوبة اليهما بكفاءة واقتدار, وعرضوا موقف المتهمين امام القضاء بالصورة التي تدعم تبرئتهم.. وأري انهم كمحامين قد ادوا مهمتهم المقدسة, واثيبوا بالبراءة لموكليهما.. الا انني اتحفظ علي ظهورهم علي شاشات التليفزيون ووسائل الإعلام للدفاع عن موقف المتهمين, وفي مواجهة ثورة الثكلي واليتامي والمجروحين والمطعونين في مستقبلهم, وضد من لم يتعاطفوا مع منطوق الحكم من الناحية الانسانية.. ذلك ان دور المحامين في الدفاع عن المتهمين محصور أساسا في ساحة القضاء, وأمام من يملك النطق بالحكم.. ولا يتعداه في تقديري الشخصي للدفاع عن المبرئين او عن الحكم الذي أصدره قاضي الموضوع أمام وسائل الإعلام, بهدف تبرئة المتهمين امام محاكم العدل الانساني, الذي لا يخضع الا لقرارات الاحالة التي يفرزها الضمير الانساني, ولا تقيده الا حرية الاقتناع والضمير وعدالة السماء.. وربما كان رد ما قام به محامو المبرئين من ظهورهم في وسائل الإعلام, في هذا التوقيت الحرج, وأمام هذه القضية الحساسة من منظوري الشخصي وليس القانوني قد أساء إلي موكليهما أكثر مما أفادهما. كلمة أخيرة, أقولها بكل الصدق.. فليس من المقبول ان نتوجه الي المحكمة الجنائية الدولية, دون ان نكون قد تدارسنا الموقف القانوني بكل الدقة والفعالية.. فاتهام شخص بتهمة الابادة الجماعية, او الجرائم ضد الانسانية, امر يستلزم تقديم دفوع حول الواقعة ودوافعها ونتائجها والدور الذي قام به المتهمون في اطار هذه التهم.. علاوة علي ان تحرك المحكمة الجنائية الدولية لا يتم الا بالنسبة للدول المنضمة لإعلان روما ومصر ليست منضمة للمحكمة ومن ثم فإن تحرك المحكمة الجنائية في هذه الحالة لا يتأتي إلا بصدور قرار من مجلس الأمن بنظر المحكمة الجنائية الدولية لهذه الحالة.. وأخيرا فيلزم لتتحرك المحكمة الدولية في نطاق دورها التكميليSUPPLEMENTARY لدور القضاء المحلي في الأساس, أن يثبت قطعيا, أن القضاء المصري غير قادر أو مؤهل للنظر أو الحكم في هذه القضية.