تمثل أشجار الارز التي تعلو الجبال شامخة بالنسبة للكثير من اللبنانيين رمزا لاستمرارية أراضيهم. لكن بعض خبراء البيئة يشعرون بالقلق من أن الاشجار تواجه تهديدا جديدا من ظاهرة الاحتباس الحراري. وقال نزار هاني المنسق العلمي لمحمية ارز الباروك الطبيعية بجبال الشوف "التحدي الاكبر الان بالنسبة للارز في لبنان هو التغير المناخي." ولا يقطع سكون هذا الملاذ الذي يقع على بعد نحو 90 دقيقة بالسيارة من صخب بيروت الجنوني الا همهمة الحشرات وحفيف النسيم عبر أغصان الارز. ويقول هاني ان النطاق الطبيعي للارز يتراوح حاليا بين 1200 1800و متر فوق مستوى سطح البحر. ويعني المناخ الاكثر دفئا أن أشجار الارز لن تفلح الا في أماكن أعلى. كانت أشجار الارز ذات يوم تغطي أجزاء شاسعة من جنوب تركيا وسوريا ولبنان لكن الطلب على أخشابها والراتينج الخاص بها كان موجودا دائما كما تشير ملحمة جلجامش التي كتبت في الالفية الثانية قبل الميلاد والقصة التي وردت في الكتاب المقدس عن استيراد الملك سليمان لخشب الارز اللبناني لهيكله في القدس. وحظيت الاشجار بتقدير نجاري السفن من الفينيقيين والبنائين المصريين وغيرهم كثيرون مما أدى الى تقلص الغابات على مدار الالفيات. وقطع الاتراك العثمانيون الكثير من أشجار الارز اللبنانية. واستخدمت القوات البريطانية خشب الارز في بناء خط السكك الحديدية بين طرابلس وحيفا في الحرب العالمية الثانية. ولا تغطي أشجار الارز الان سوى خمسة الاف فدان في لبنان حيث لا توجد الا في 12 معقلا على ارتفاع عال من مستوى سطح البحر. وتخضع كلها الان تقريبا للحماية وأشجار أرز الباروك مزدهرة وتتوالد طبيعيا. اما ابناء عمومتها الاكبر حجما وسنا الموجودة في بستان محاط بأسوار قرب بشري في الشمال فأشهر منها لكن لم يبق منها الا القليل. ويعتقد أن أعمار بعضها تتجاوز الالفي عام. وتجادل رانيا المصري أستاذة البيئة المساعدة بجامعة البلمند قرب بيروت بأن طول عمر الارز اللبناني لا يعطيه حصانة ضد التغير المناخي. وتجود أشجار الارز على ارتفاع معين وتحب التربة الرطبة التي يتم تصريف مياهها جيدا وذات مستوى معين من الرطوبة. وأضافت "هذه هي الاوجه التي يمكن أن يؤثر عليها التغير المناخي بشدة خاصة في هذه المنطقة... من الممكن أن يحدث انخفاض كبير في الرطوبة وانخفاض في سقوط الامطار. ومضت تقول ان أشجار الارز تمثل جزءا من بيئة في لبنان خاضعة لضغوط متعددة من صنع الانسان لا تقتصر على التغير المناخي وأضافت "أشعر بالقلق بشأن التهديدات لاشجار الارز بقدر قلقي على الاوضاع البيئية الاخرى في لبنان لكن ليس اكثر." ومنذ عشر سنوات كانت الحشرات تدمر الارز في تنورين بشمال لبنان. وربط باحثون بين هذه الاصابة بزنبور يتغذى على الاخشاب وبين التغيرات في درجة الحرارة ورطوبة التربة غير أنه تمت السيطرة على هذه الاصابة في نهاية المطاف. لكن نصري قعوار الاستاذ المتقاعد بالجامعة الامريكيةببيروت والذي لعب دورا بارزا في تلك الجهود انه لا يمتلك أدلة علمية دامغة وكافية ليتكهن بمدى سوء التأثير الذي سيكون للتغير المناخي على أشجار الارز. وأضاف "التغير المناخي لا يحدث بين عشية وضحاها بل على مدار سنوات كثيرة. لم نر بعد أي تدهور خطير في أشجار الارز على مدار السنين بخلاف هذه الحشرة." ومضى قعوار (75عاما) يقول "بالنسبة لي أشجار الارز رمز للبنان. انها تظهر قدرة البلاد الرائعة على الاحتمال... امل أن يستطيع أحفادي الاستمتاع بها." وقال هاني المنسق العلمي ان المحمية تغطي مساحة 160 كيلومترا مربعا اي 1,5 في المئة من جملة اراضي لبنان وتحتوي على ربع غاباته من الارز. وأضاف هاني أن الارز اللبناني الذي يزين علم البلاد ينمو ليصل الى شكله الاسفيني المميز بعد أن يصل ارتفاعه الى ما بين سبعة وثمانية امتار. ومضى يقول "ثم يموت الرأس. وهذه حالة طبيعية وليست مرضا لان خزان المياه تحت الارض لا يستطيع تغذية الشجرة الا حتى هذا الارتفاع... هذا هو الفرق بين الارز اللبناني في لبنان وفي أماكن أخرى." وتابع قائلا "اذا زرعت ارزا لبنانيا في مكان به المزيد من المياه والجليد لا تستطيع أن ترى هذا الشكل الموجود على العلم." والباروك جنة للتنوع الحيوي حيث يوجد بها 524 نوعا من النباتات اضافة الى تشكيلة غنية من الطيور والزواحف والثدييات التي يقال ان من بينها الخنزير البري والذئب والثعلب الاحمر وابن اوى والضبع.