في امتدادها الساحر من أعالي جبل صنين المكلل بالثلوج نزولاً إلي بحر بيروت، تختزل أشجار الصنوبر في لوحة خلابة طبيعة لبنان، جمالاً نادراً في اتساق لوني رائع من الأبيض إلي الأخضر فالأزرق، في منطقة كانت تعرف في الماضي بوادي حمانا في قسمها العلوي وبنهر بيروت في قسمها السفلي، إلا أن هذه التسمية اختزلت في ما بعد بوادي لامارتين. تيمناً باسم الكاتب والشاعر الفرنسي الكبير ألفونس دي لامارتين (21 أكتوبر 1790 - 28 فيراير 1869) زعيم الحركة الرومانطيقية الذي زار الشرق وشغف به، وتوقف ملياً عند هذا الوادي وكتب يقول: وادي حمانا ... تحفة الخالق علي الأرض . هذه الأشجار غرست بعد أن جلب أغراساً منها الأمير فخر الدين بعد عودته من رحلة إلي إيطاليا (1613 - 1618)، وتوسعت زراعتها لتشمل مناطق عدة من لبنان، وهي تتعدي جمال الأخضر الأخاذ إلي نمط حياة ومصدر لتأمين لقمة العيش، وليس من قبيل الصدفة أن تكون في عرف اللبنانيين ثروة جمال ومال ، وهم الذين طالبوا مرات كثيرة بأن تتصدر شجرة الصنوبر العلم اللبناني، ليس انتقاصاً من رمزية الأرز، وإنما إنصافاً لشجرة مباركة شكلت عامل أمان اجتماعي واقتصادي في الأزمات الصعبة، فضلاً عن أنها شجرة بيئية بامتياز: تنقي الهوا من الملوثات، تمنع انجراف التربة، تعطي الشجرة الواحدة منها مائتي ليتر أوكسيجين في اليوم الواحد، يستفيد المزارع من إنتاجها ومن مخلفات الانتاج الذي يقارب قيمة الثمار البيضاء، من كسر الحبوب والأكواز وبقايا الأغصان الناجمة عن التقليم التي تستخدم وقوداً في مدافئ الشتاء، إضافة إلي أهميتها المناخية وما تمثل أيضاً من عامل جذب لاستثمارات سياحية. هذه الثروة مهددة اليوم بالاندثار، بفعل الحرائق التي حولت مناطق شاسعة من الغابات الي أراض جرداء، إلا أن قلة من الباحثين والبيئيين والمزارعين تنبهوا لهذا الخطر، وقدموا مقاربة علمية أطلوا من خلالها علي غابة الصنوبر قبل خمسين سنة، يوم لم تكن ثمة طرق توصل إليها، وكان المزارعون يستخدمون وسائط النقل البدائية، وكانت الأشجار متلاصقة أكثر وبأعداد كبيرة، وكانت الحرائق أقل وتأثيرها محدود.