الأهرام: 21/7/2008 أن نفخر بالإنجازات.. شعور إيجابي وأمر مطلوب ليس بهدف الإشادة بما حدث والتوقف عنده ولكن لصيانة ما تحقق ثم البناء عليه بما يواجه احتياجات المستقبل.. تلك هي الريادة كما يجب أن تكون ويضاف إلي ذلك أهمية امتداد الإحساس بما تحقق إلي جميع فئات الشعب.. لأن ذلك يستفز الطاقات ويدفع الناس للاتجاه إلي المزيد.. لأنهم سيلمسون الرخاء بأيديهم.. وتدخل ثمار التنمية إلي بيوتهم وتتراجع السلبيات والأقاويل إلي الخلف.. لا تجد من يرددها لأن الناس يلمسون ما تحقق بعيونهم ويدركون ان التضحية في مرحلة المتغيرات ضرورة لها ثمنها.. وفاتورة يعقبها التحسن الملموس في الاقتصاد والمجتمع ونواحي الحياة.. فليست المشكلة في ارتفاع سعر السلع أو الخدمات "لأنها ترتبط بمتغيرات ومخططات عالمية وأن ما يتخذه المستوردون أو المصدرون المصريون من قرارات.. ليس مؤثراً ربما بسبب قلة المنافسة والاندفاع إلي الاستيراد دون التمسك بآليات التصدير الرشيد كما يحدث للبطاطس مثلا" ولكنها في توازن الأجور مع الأسعار.. وتدخل الدولة وتحمل مسئولياتها عند اللزوم.. بدون الإضرار بثوابت الاقتصاد الحر الذي اتجهت مصر إليه عن اقتناع وإصرار. وقد يبدو للبعض ان هذه المقدمة لا تخص موضوعنا.. تطوير هيئة النقل العام الذي يرتبط دون شك بمشروعات الخطوط المتتالية لمترو الأنفاق وتحديث السكة الحديد علي الأقل فيما يختص بالخريطة التبادلية للإهمال واحياء فكرة احالة محطة مصر للمعاش بعد خدمة قاربت من 150 عاماً.. ولكن هذا الظن غير صحيح لأن المقدمة تشير بوضوح إلي أن مصر عندما بدأت مشروع التنوير في القرن التاسع عشر كانت سباقة في مجالي الثقافة والنقل.. الأول بإنشاء أوبرا القاهرة وسلسلة المسارح والفنادق.. والثاني بحفر قناة السويس أهم شريان مائي في العالم كله وشبكة النقل النهري عبر سلسلة من الترع التي شقت الوجه البحري.. وكذلك إنشاء أول خط للسكة الحديد بين القاهرة والإسكندرية سرعان ما أمتدت حتي أسوان ووادي حلفا.. وشرقا حتي مدينة غزة بفلسطين وجاء ترتيبها الثانية علي العالم بعد السكة الحديد الملكية البريطانية.. وكانت الهند هي الدولة الثالثة في هذا الإنجاز.. وهذان المجالان اللذان يعقد رئيس الوزراء الآن اجتماعات وزارية لتطويرهما تعد استمرارا لما تحقق في القرن قبل الماضي.. وتستحق منا مشاعر الفخر والموافقة علي الصيانة والتحديث.. في هذا الاطار نستطيع أن نضع بحب وتقدير ما قامت به الدولة من مشروعات ضخمة للبنية الأساسية.. وإصلاحها وتوفير الاعتمادات لها بعد حرب أكتوبر المجيدة. وقد تحدثنا في مقالات سابقة عن أمور السكك الحديدية والنقل النهري والنقل البري قبل أن يتجدد الحدث عنها هذا اليوم.. ضمن حوار ترشيد الدعم وباعتبارها أي وسائط النقل تستهلك مع رغيف الخبز النسبة الأكبر من اعتمادات الدعم والتي تري الحكومة ضرورة ايصاله لمستخدميه بصياغة مصرية وليست مكسيكية أو برازيلية.. تعتمد كما قال رئيس الوزراء علي اريحية المواطن.. وان يتقدم فقط ما يري أنه يستحق الدعم وبالطبع بالنسبة للوقود والنقل هناك حسابات أخري.. إلا ان سياسة التطوير والتحديث بشكل عام توفر قاعدة اتخاذ القرار الرشيد.. وترفض علي الأقل اعتمادات البذخ والفاقد والذي يذهب لغير مستحقيه. وإذا ما تحدثنا عن هيئة النقل العام.. نتناول بالتخصص قضية لا تهم العاصمة فقط كما قد يتهم البعض ولكنها تمتد إلي تحمل الهيئة لجانب كبير من عبء زوار وضيوف العاصمة وسكانها الجدد في العمارات والأبراج والعشوائيات أيضا.. بعد أن انتهي واندثر تماما درس البارون إمبان لمخططي المدن الجديدة والمنتجعات والأحياء المضافة داخل العاصمة وعلي اطرافها.. ونعني به توفير وسيلة المواصلات قبل السكن وفي هذا الإطار لم يكتف البارون وشركة مصر الجديدة بإقامة خطوط مترو عبدالعزيز فهمي والميرغني والنزهة وألماظة ولكنه منح كل ساكن اشتراكا رمزيا للمترو.. الأمر الذي ساهم علي نمو سريع لأنجح ضاحية مصرية ومن هنا نتوقف أمام التقرير الذي عرضه د.عبدالعظيم وزير محافظ العاصمة في الاجتماع الوزاري.. موضحا ان هيئة النقل العام تغطي 80% من خريطة القاهرة الكبري "الباقي هناك شركة أتوبيس القاهرة الكبري" بما يصل إلي 2.3 مليون رحلة يوميا وان خدمات الهيئة تغطي القاهرة الكبري وجزءا من محافظة الشرقية... وبها 3 آلاف أتوبيس وألف ميني باص ويصل عدد العاملين بها 34 ألف عامل وفني.. يتم التطوير والتحديث ضمن منظومة النقل العام.. النظرة المتكاملة كي نحقق التغطية الشاملة للمناطق السكنية والوصول إلي أفضل معدلات التشغيل والصيانة والاستفادة بالخبرات المحلية والتجارب الدولية وهنا نستطيع التأكيد علي: * تكامل وسائط النقل الجماعي لقلب العاصمة والضواحي واعتماد محاور التشغيل الرأسي والأفقي والمتداخلة دائريا.. بالنسبة للوحدات الأساسية وهي الأتوبيس والقطار والمترو ثم الترام والميكروباص والوسائل المساعدة الأخري مثل الأجرة وربما استخدام الدراجات والموتوسيكلات كما تفعل بعض الدول الأخري. * المحور الأساسي والرئيس يتمثل في وسائط تحت الأرض لتخفيف الزحام واجتذاب الركاب بما يضمن إيقاف التكدس الرهيب في ساعات الذروة.. ومن هنا يأتي الاعتماد علي مترو الأنفاق الذي حقق خطاه الأول والثاني نجاحا رائعا.. تمثل في انضباط المواعيد والتقاطر والسرعة في قطع المسافة داخل مسار منفرد مما جعل الكثيرين من أصحاب السيارات يفضلون ركوب المترو وترك سياراتهم خارج المحطات. * أن تؤدي الشبكة في مجموعها الخدمة المطلوبة لجميع مستخدميها وامتصاص التكدس بكفاءة خاصة ساعات الذروة. وهذا لن يتحقق إلا بتعدد المنافذ بدقة.. بحيث يستخدم الراكب تذكرة واحدة في الذهاب والإياب.. تغطي طريقه سواء باستخدام الأتوبيس أو المترو أو غير ذلك كما يحدث في العواصم الكبري ومن المهم ادخال الوسائل الجديدة في الأماكن المناسبة مع اخضاعها للتقييم الدقيق حسب معيار خدمة الراكب.. وكذلك تحسين الوسائل القديمة خاصة صديقة البيئة والتي لاتزال تستخدم بالخارج بكفاءة مثل الترام الذي أوشك علي النهاية داخل القارة.. رغم حاجة الأحياء الشعبية والمدن الجديدة إلي خدماته. * الاهتمام بمعالجة موضوع الدعم مع هذا التطوير بمعني التخطيط للوحدات المركزية بهيئة النقل العام لتعميم استخدام الغاز الطبيعي في السيارات.. والإخلال من الاعتماد علي السولار والبترول.. وإعادة برمجة مسارات الخطوط "طبقا للتعامل سالف الذكر" بحيث يتم توفير مسارات غير اقتصادية ولا ضرورة لها.. مع الحفاظ علي عمر السيارة الافتراضي بنظافتها وإصلاح عيوبها أولا بأول وتحديث ورش الهيئة للاعتماد علي الذات فيما يتعلق بالعمرات مع إعادة رقابة وجرد المخازن وتحديثها للعمل بالكمبيوتر لمنع ضياع محتمل لهذه القطع المهمة أو عجز بها.. ويلحق بذلك إعادة هيكلة للعمالة تعطي المزيد من الاستغلالية لوحدات التشغيل.. لتتنافس في خدمة الراكب وتزيد حوافز السائقين والمحصلين لضمان حسن التعامل الإنساني مع الركاب والالتزام بالوقوف في المحطات وعدم خرقها.. ولنفتح الباب مجددا لتحصل الهيئة علي كفاءات تحتاج إليها.. وتحتفظ بها في ضوء التنافس المشتعل مع القطاع الخاص.. والحوافز وظروف العمل التي يوفرها للسائقين. * ولعلها فرصة لتقييم تجربة شركات النقل الجماعي "قطاع خاص" والجمعيات التعاونية لنقل الركاب المرتبطة اشرافيا بهيئة النقل العام بعد التفاهم علي رفع محدود لأسعار التذاكر لأنها تسير علي مسارات تملكها الهيئة أساسا.. لكن تسربت العيوب إلي هذه الخدمة وبالغ أصحاب الشركات في رفع أسعار الركوب ولم يلتزم بضرورة جلوس الركاب وعدم ازدحام السيارة بأكثر من حمولتها.. وهو المرض الذي تسلل لسيارات الميني باص التابعة لهيئة النقل العام والتي كانت مثالا يحتذي في الخدمة. * لا ينكر أحد مدي الفوضي الموجودة في مجال نقل الركاب.. والتي لا تحتمل مسئوليتها الهيئة.. بل المحافظة والمرور ويتسبب فيها أساسا خطوط الميكروباص المرخص والعشوائية والتي تمارس مهمة نشل الركاب إليها وليس توصيلهم وحكايات البلطجة والممارسات غير الشرعية معروفة للجميع وإذا ما نجحت المحافظة والمرور في تهيمنا داخل الحظيرة تكون قد فعلت خيرا كثيرا وان تختفي بالتالي عبارة "اللي يحب النبي يزق". * إيقاف الزيادات العشوائية في أسعار التذاكر والإعلان عن الزيادات المتوقعة قبل اعتمادها بفترة مناسبة والسعي لتحويل الهيئة من الخسارة إلي المكسب أو الإدارة الاقتصادية لتوفير جزء كبير من الدعم ولن يتسني ذلك إلا باطلاق يد المسئولين فيها لفتح خطوط جديدة إلي مناطق العمران داخل العاصمة وعلي سبيل المثال الشروق والقاهرةالجديدة والعبور وامتدادات مدينة نصر.. الخ ولنذكر في كل الأحوال ان انجاز النقل العام كفكرة وتاريخ يسجل للمصريين مركزا متقدما وان تاريخنا يعود إلي أيام سوارس ومحمد سالم سالم وعبداللطيف أبورجيلة وبه العديد من الصفحات البيضاء التي نرجو أن يضيف إليها التطوير والتحديث والتجديد لأكثر الهيئات تعاملا مع 16 مليون إنسان يوميا.. وليس العكس.