تعد الكاتبة والصحفية السعودية "زينب حفني"- من خلال مسيرتها الادبية- فارسا وضع قضايا نصب عينيه، وقرر الدفاع عنها بقوة. بطلة روايتها الاخيرة بدت- رغم السرد الجيد- كأنها لا تقول جديدا، باستثناء انتقالها من الصمود داخل بلدها الى شيء من اليأس منه والتمرد خارجه. تجسد زينب حفني في روايتها الجديدة "سيقان ملتوية" دفاعا عن الانسان وحقوقه من خلال الدفاع عن المرأة المظلومة منذ ايام حواء التي وصفتها في اهداء عمل سابق لها بانها "المتهمة الوحيدة في قضية اخراج ادم من الجنة..." وتنتهي في روايتها الحالية الى ان تمتع المرأة بحقوقها ومحافظتها على كرامتها وقيمتها كانسان يعني عمليا ان عليها الانتقال الى عالم يحترم الانسان مهما كان جنسه ولونه ومعتقده، وهذا لن يتحقق كما يبدو الا خارج وطنها. رواية "سيقان ملتوية"- التي جاءت في نحو 130 صفحة متوسطة القطع- صدرت عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر"، وبغلاف حمل رسما للفنان الامريكي "الفرد جوكل". تبدو الرواية اقرب الى مجموعة قصص تتناول شخصيات مختلفة، بينها " خط ناظم" هي بطلة الرواية، الا ان هذه الشخصيات تتحدث مباشرة عن الظلم الذي يلحق بالمرأة حتى وان أتى عبر نية طيبة ومحبة كما جرى في الخلاف بين الاب وابنته الحبيبة. انه التحكم الدائم بالمرأة زوجة وابنة والذي يتجسد احيانا في تصرفات ابوية تستند الى اعتقاد الرجل الاب او الزوج بانه يفهم اكثر منها ويعرف مصلحتها افضل من معرفتها هي بها بل انه يعرف مشاعرها اكثر مما تعرفها هي. الا ان هذا "الشقاء" او الالم الذي ينتج عن معاملة من هذا النوع لا يصيب المرأة " المظلومة" وحدها، بل يصيب بالقدر نفسه وأكثر احيانا الرجل الظالم نفسه ايضا، كما حدث للوالد في الرواية اثر صفعه ابنته الحبيبة و"المتمردة" التي تطلب حريتها في الحياة. ويذكر هنا ان هذه العائلة السعودية تعيش في بريطانيا لا في المملكة العربية السعودية، ومع ذلك فربّ العائلة مصرّ على المحافظة على تقاليد بلده وقيمه. وشخصيات زينب حفني متمردة في كل اعمالها السالفة، لكن تمردها يختلف عما ألفناه من صور التمرد عند عدد من الكاتبات الخليجيات، حيث يتخذ التمرد اشكالا مغرقة في التحرر الجنسي بحجة ان هذا هو بعض من ممارسة الانسان لحقوقه. معظم اشكال التمرد عند زينب حفني كانت تمردا على ما تعانيه المرأة من ظلم واستبداد وحرمان؛ انه مطالبة بحقوق المرأة، لكنه في الوقت ذاته رفض للرذيلة والفحشاء، ودعوة الى المرأة لاحترام الذات. احداث الرواية تكاد لا تقدم جديدا مما لم نقرأه سابقا عند حفني وعند غيرها، الا انها تسرد هذا الجديد الذي يشبه القديم بطريقة جيدة. بطلة رواية "سيقان ملتوية" ولدت وعاشت في لندن، وبدت في مجالات عديدة اقرب الى فتاة غربية تمردت على والدها الذي تحبه وتحترمه.. فعندما صفعها لانها امضت الليل خارج المنزل، غادرت هذا المنزل، واختفت مما بدا اقرب الى صاعقة ضربت البيت والاب بصورة خاصة؛ فنقل الى مستشفى. الا انها خططت لتعيش حبها وحياتها وتتزوج بكرامة. كانت تريد عندما تعود فتلتقي عائلتها ان يكون الجميع - خاصة الاب- راضين عنها فخورين بها. اما التطور الذي سجلته الرواية من حيث المواقف فهو اختلاف عن مواقف سابقة وهو يظهر لنا بوضوح قدرا من اليأس من النضال في الداخل اذا صح هذا القول. ففي رواية سابقة "لم اعد ابكي" تقول بلسان احد اشخاصها "ان مشكلة مجتمعنا انه غارق في الازدواجية... كل شيء فيه مباح ما دام يتم في سرية." وتشير الى موجات تطرف تعصف بوطنها، وتدعو الى عدم مهادنتها فتضيف "العرف اشد وقعا من القانون في بلدنا؛ لذا فانني متوجس مما سيحمله الغد لنا. سيخرج من ظهرانينا يوما ما مارد متطرف يقوم برمي مادة حارقة على وجوهنا لتشويه معالمنا، وسنكون نحن السبب في تقوية شوكته وتسهيل خرجه من الزجاجة." ورغم حزن بطلة تلك الرواية؛ فانها تقرر الصمود، والمقاومة، وترفض السفر الى خارج بلدها؛ فهناك كثير مما عليها ان تقوم به. تقول في هذا المجال "امامي قضايا انسانية كبيرة تحتاج الى دفاع مستميت. وقفت امام المراة. مسحت دموعها مرددة.. لا دموع بعد اليوم ..." بطلة سيقان ملتوية الا ان لبطلة "سيقان ملتوية" موقفا اخر؛ فانها متمردة تمارس تمردها من "الخارج" دون شك، لكنها في الوقت نفسه تؤمن بأن والدها سيتفهم موقفها لاحقا وسيكتب قصتها بقلمه الرائع. قالت في نهاية الرواية "كنت اريد ترك اقصوصة صغيرة لابي اقول له فيها ان الحياة مثل رقصة السامبا الشهيرة تستلزم منا تحريك الوسط وهز الارداف، لكنها لا تفرض علينا الدهس على رقاب حرياتنا باقدامنا. انني بطبعي ابغض الجحود ولا احمل كرها لوطني، لكنني ارفض ان احيا في ارض تلتهم حريتي وتصادر كينونتي باسم الاعراف والتقاليد. "انني لا ارغب في الانتماء الى تربة تشعرني انني مطية سهلة لكل من هب ودب. تراجعت في اللحظة الاخيرة موقنة بأنه عندما يتصفح مذكراتي سيتفهم بأن الاوطان تفقد بريقها وتذبل سلطتها اذا قست اكثر من اللازم..." وهنا تستشهد بقول لصديقتها التي كانت قد قالت لها "... قد تكون جذوري عربية من وجهة نظرك، لكنني تربيت على ان اصنع قدري بيدي..." من جورج جحا (رويترز)