«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في جوائز البوكر هذا العام.. فتش عن المرأة والمغرب ودار النشر للمرة الأولي.
نشر في القاهرة يوم 12 - 04 - 2011

منذ أن أُعلن رسمياً عن تأسيس جائزة البوكر العربية للرواية، عام 2007، تفوز روايتان بالجائزة الأولي، مناصفة، مما أثار جدلاً في الوسط الأدبي، فمنذ إعلان لجنة التحكيم، برئاسة الكاتب العراقي، فاضل العزاوي، عن فوز روايتي: "القوس والفراشة"، للمغربي محمد الأشعري، و"طوق الحمام"، للسعودية رجاء عالم، الصادرتين عن المركز الثقافي العربي، بالجائزة العالمية للرواية العربية، "البوكر" 2011، ولم تهدأ التساؤلات حول أسباب صعود الروايتين معاً للمركز الأول! فلِمَ لمْ يتم اختيار واحدة منهما؟ وكانت القناعة الأوسع بأن ذلك يعود لفشل لجنة التحكيم في الوصول إلي رأي بالإجماع، وذهبت ظنون أخري بأنه لإرضاء المغرب، بالنظر إلي وجود كاتبين منها في القائمة القصيرة، وناقد في لجنة التحكيم، وهو سعيد يقطين، مع إرضاء المرأة التي غابت عن منصة التتويج بالجائزة الأولي في الدورات الثلاثة السابقة، وإن لم تخل قوائمها القصيرة من كاتبات. وفيما توقف بعضهم عند دار النشر، فصدور الروايتين عن المركز الثقافي العربي، والموجود في بيروت والدار البيضاء، نوع من الاحتفاء بالدار، ويبقي الرأي الأخير للجنة التحكيم؛ فقد أعلن رئيس اللجنة، أن المعيار هو مستوي الإنجاز الإبداعي والجمالي للروايات المتنافسة، ولا معيار لبوكر العربية، منذ بدايتها، سواه، وقد جاء في تقرير اللجنة، أنهما تناقشان، بشكل عقلاني ومنطقي، مسائل وقضايا حساسة، تخص منطقة الشرق الأوسط، وهي مشكلات شاهدناها مكتوبة علي اللوحات، في التظاهرات الأخيرة المطالبة بالتغيير، والتي هزت المنطقة العربية؛ "فالقوس والفراشة"، تتناول موضوعي التطرف الديني والإرهاب، من زاوية جديدة، وتستكشف تأثيرات الإرهاب علي المنطقة العربية، لا علي المغرب فحسب، فيما تكشف "طوق الحمام"، ما تخفيه مدينة مكة المكرمة من عوالم سرية، تنطوي علي المظاهر السلبية في حياة البشر، موضحة أنه خلف أستار قدسيتها، هناك مدينة أخري عادية، تحدث فيها الجرائم، وتعاني الفساد والدعارة ومافيا المقاولين، الذين يدمرون المناطق التاريخية في المدينة، وبالتالي، يقضون علي روحها، وذلك كله من أجل الكسب المادي. النزوع إلي الحرية لفت العزاوي رئيس لجنة التحكيم إلي أن عاصفة النزوع إلي الحرية والديمقراطية في البلاد العربية هذه الأيام، والتي هتف بها الملايين في شوارع مصر وتونس واليمن وليبيا والبحرين والعراق والأردن، ما كانت ممكنة، دون أعمال عشرات، بل مئات الكتاب العرب، في العقود الماضية، الذين أعلنوا رفضهم الصريح للفساد والعسف والظلم السياسي والاجتماعي، وقد أشار العزاوي إلي أن قرار لجنة التحكيم اتخذ بالإجماع، وبعد أخذ موافقة مجلس أمناء الجائزة، فكان القرار "استثنائياً جداً جداً"، فليس من تقاليد الجائزة منحها لروايتين، بدلاً من واحدة، وليس ذلك دليلاً علي ارتباك أصاب اللجنة، وإنما هو نوع من الإنصاف، وقد صدر القرار بعد نحو عشر ساعات من المناقشة بين أعضاء لجنة التحكيم، في محاولة لتجاوز إحدي الروايتين، ولكن لاعتبارات خاصة بتفهم اللجنة، رأت أن المفاضلة بين الروايتين، سيكون فيه ظلم لإحداهما، وقد تحدث الناقد المغربي، وعضو لجنة التحكيم، سعيد يقطين، عن خصوصية الروايتين، فقال: رغم تعبيرهما عن تيارين مختلفين، فالأولي عن التطرف الديني، وهي "القوس والفراشة"، والثانية فيها اهتمام بالتاريخ والأسطورة والفانتازيا وأنسنة الأشياء، وهي "طوق الحمام"، إلا أنهما اتفقتا علي خصوصية اللغة وشفافيتها وعمقها وكثافتها، بالإضافة إلي توظيف مختلف التقنيات الفنية في البناء السردي، ولكن هل هناك اعتبارات أخري، في الشكل والمضمون، يمكن اكتشافها في الروايتين؟ فبالاقتراب من الروايتين، لمعرفة التفاصيل الدقيقة لكل منهما، يمكن أن نحصل علي إجابة لهذا التساؤل؛ "فطوق الحمام"، تقدم رؤية عميقة لتداعيات التطور العمراني والاقتصادي، الذي تشهده السعودية بصفة عامة، ومدينة مكة بصفة خاصة، وعن طريق فتح السدود بين العصور، واستلهام التاريخ لقراءة الحاضر، واستلهام الحاضر لإعادة قراءة التاريخ، يظهر خوف الروائية الشديد علي مدينة مكة، من أن تفقد ذلك البريق الديني والمقدس، ويذهب العبق الروحاني بذهاب آثارها العريقة، التي تزول بالتدريج، وتشيد بدلاً منها العمارات والأبراج الشاهقة، في الجبال البركانية، ويظهر الزحف المخيف للأسواق التجارية، ببضائعها التايوانية والصينية والكورية، ومطاعم الوجبات السريعة، والبقالات والمخازن، فتضىّق أنفاس الحرم المكي، وتخنق هواءه المقدس، وبهذا تكشف عالم في روايتها عن تاريخ المملكة العربية السعودية، الاجتماعي والإنساني من ناحية، ومن ناحية أخري، تكشف عن تحولات الأمكنة والعقليات والنفوس، مما يولد صراعات بين البشر علي النفوذ والمال والسلطان. موضوعات حساسة تنهل الروائية مادتها من منبعين، الأول: إقحام موضوعات حساسة لم تجرؤ كاتبة سعودية علي الاقتراب منها من قبل، والثاني تجارب شخصية، وإثارة الكامن من الحياة، والمسكوت عنه والممنوع والحرام والعيب، في سياق خلل اجتماعي، تسببه، بالدرجة الأولي، السلطة الذكورية الطاغية، تأخذ الرواية الصبغة البوليسية، وذلك من خلال اكتشاف جثة عزة، ابنة حارة "أبو الروس"، المكية الشعبية، والسعي المحموم للمحقق خليل لمعرفة القاتل، وعن طريق عائشة التي تقوم بالسرد، تكشف الكاتبة عن البيئة المكية الكوزموبوليتية، كما يكشف المحقق خليل، عن تغير ديموغرافي خطير، طرأ علي مكة، حيث يتفاعل فيه خليط من الأجناس والثقافات والألوان، "مكة حمامة تطوق عنقها ألوان متجاورة لتدرجات الطيف البشري"، ففيها يتجاور السائق الباكستاني، والمحاسب السوداني، والشيخ الحبشي، والبائع الأفريقي اليمني، والممرض الفلبيني، والخياطة التركية، وكل العمالة الهاربة، أو المتبقية من موسم الحج، وينتظر زقاق أبو الروس مصيره الآيل إلي الدمار، والزوال عن الخريطة، بعد أن تم تحويل اسمه إلي "حي النور". فيتناقض الاسم الجديد مع انهيار مبانيه المتآكلة، والطفح الدائم لمياه الصرف الصحي، وازدحام العمالة المخالفة لأنظمة الإقامة، وتكاثر مروجي المخدرات والدعارة والشذوذ، وتشير الكاتبة لتاريخ تسمية الحي بأبي الروس، حيث يرجع لحادث سطو من مجموعة من اللصوص علي كسوة الكعبة القديمة، بعد وصول المحمل من مصر بكسوة الكعبة الجديدة، فقطعت رؤوسهم، وعلقت علي الأشجار لفترة، والآن يتعرض الحي لسطوة الحداثة التي تغزوه بآلاتها، فيستسلم لقدره المحتوم، ويري أنها مرحلة انتقال من أجل التخلص من رائحة الجريمة التي علقت به، وهي جريمة قتل عزة، التي تزامن انتهاء التحقيق في مقتلها، علي يد المحقق خليل، مع تهجير الحي وتفريغه من قاطنيه، وهدم بيوته، وكأن من قام بقتل عزة، حقيقة أم مجازاً، هو الحي الذي يغتال نساءه، قهراً وعسفاً، قبل أن تغتاله يد التغيير، فتستنطق الكاتبة الحي الذي يقر بجريمته، ويعلن أنه أيضاً ضحية، "المجرم والقتيلة هو أنا أبو الروس"، فتتحول قضية القتل من قضية فردية، إلي قضية عامة، فالقتل جماعي، ويحمل وزره من صنع التاريخ النسائي، تاريحاً قائماً علي الكبت والحصار والرقابة والإقصاء واللامبالاة. تطويع تقنيات السرد استخدمت الكاتبة قدرتها الأدبية في تطويع تقنيات السرد المتنوعة، فربطت بين الماضي والحاضر، متطلعة نحو المستقبل، من خلال بنية دياليكتية، وذلك عن طريق التقطيع الزمني أحياناً، أو التذكر والتداعي والمونولوج الداخلي، فأحكمت بنية السرد، مستخدمة فيها لغة حلمية ساحرة، موظفة الرمز في تعميق الرؤية، فمكة هي طوق الحمام الذي تتداخل فيه الألوان البشرية، وتحيط بها أسراب الحمام التي تحوم حولها، فهي "تجمع شظايا هوية الجيل النفطي"، كما كتب يوسف لحبيبته عزة المقتولة، الجيل الذي يعاني، رغم رخاء الحياة، من تمزقات وجودية، فيحاول أن يتصالح مع عالم يبهره، بقدر ما يجهله، تتمحور الرواية حول الذاكرة المكانية، والأمكنة التي درست أو تداعت، فنتعرف علي ما بقي من أسواق مكة وأزقتها ودكاكينها وعطورها وحليها وتمائمها وأقمشتها، وعلي مذاق طعامها وأطباقها وأصنافها. كما تنطبع في الذاكرة، طقوس مكة ومناسك الحج، من طواف وسعي ووقوف واعتمار وتقصير وحلق، فتجتمع بذلك "رائحة خلاصة رغبات البشر والتكفير عن ذنوبهم"، فالبطل الحقيقي في الرواية هو المكان، أماالمرأة، فتبدو مخلوقاً معجوناً بماء العذاب والقهر، تمثل بطلتها عائشة، الوجه الآخر المخفي لعزة، برسائلها الإليكترونية، وما تبثه فيها من لواعج وصبابة وتحرق، وما تتخيله، أو تنسجه، من أحداث مختلقة، مستلهمة فيها قراءتها لرواية "نساء عاشقات"، لدي إتش لورانس، فهي فتاة موجودة عضوياً علي سطح الأرض، يما يحمله اسمها من معني، "عائشة"، ولكنها محرومة من أنوثة لا تتفتح في الضوء والهواء، إنما تعيش في عوالم تحت الأرض، وتتشرنق حول نفسها، فهي خائفة من الحياة، "أنا قطة مدعوسة بإسفلتي"، وتتخيل نفسها ذاهبة إلي مدريد، علي صورة نورة، فعائشة تمتص حياة عزة، كما تمتص حياة نورة التي تحطم أصفاد الجسد وأغلال الحواس، لتنطلق في شوارع مدريد حرة، فترقص وتغني وتسمع الموسيقي وتزور المعابد والمتاحف، وتستجيب لنداء خفي، "انتشري بأطرافك لكل أركانه، احتلي كل زواياه، انبسطي إلي اللانهاية التي بوسع أطرافك أن تبلغها". أما عزة، فخائفة، وجلة من جسدها وحواسه وأسراره، مغلولة الإحساس بالذنب واللعنة والفتنة النائمة في هذا الجسد، والرسائل الموقعة باسم عائشة، هي العصب الحي لرواية "طوق الحمام"، فتلاعب أوتار القلب بما فيها من عذابات وتباريح وخواء روحي، وليس إلا عالم الكتابة يحرر المرأة، عائشة أو عزة، من أغلالها الظاهرة والباطنة، لتحلق في فضاء الفكرة الأثيرية، بعد أن قتلتها العادات، وعندما تماهت مع نساء لورانس العاشقات، اكتشفت كيف تعرج الأجساد إلي مدارج الروح، وهكذا، تمثل رسائل عائشة الإليكترونية منفذاً للهروب من الواقع المغلق والمحاصر، إلي حيز متخيل، تمارس فيه الذات حريتها، عبر لعبة الكلمات. ولغة الكاتبة بليغة ومطواعة، فهي ترتقي معارج العرفان والتصوف، حين تصف حلقات الذكر وإنشاد المجتمعين فيها لبردة البوصيري، إنشاداً يفيض بالوجد وتسابيح الدفوف، وفي مواضع أخري، تستخدم لغة متوهجة، تتلبس ملمساً حسياً وذائقة إيروسية، حين يشف الوصف عن فتنة الأجساد، ويتأجج الشبق في عيون الرجال المكبوتين المحرومين، ورغباتهم الجارفة، حتي أمام دمية من البلاستيك. أجيال الأشعري أما رواية الأشعري، "القوس والفراشة"، فراح يرصد فيها مصير أجيال ثلاثة من "آل الفرسيوي"، يمثل الجيل الأول محمد الفرسيوي، الجد الذي اكتشف كنوز الشعر الألماني، أثناء إقامته بألمانيا لمدة عشرين عاماً، ثم عاد للمغرب برفقة زوجته الألمانية "دويتيما"، والتي يحيل اسمها إلي اسم زوجة الشاعر الألماني "هولدرن"، طمعاً في استرجاع أمجاد أجداده الأمازيغ، لكن الأقدار تحول بينه وبين تحقيق حلمه، فتتحول حياته إلي كابوس، إذ يتعرض لحادث سير، يفقد علي اثره بصره، فيصبح دليلاً أعمي للسياح، فيما تبقي من خراب مدينة "دليلي" الأثرية، أما الجيل الثاني، فيمثله يوسف الفرسيوي، الابن، الذي عاش في ألمانيا فترة مهمة، وعاد إلي بلده، واكتوي بالتجربة السياسية التي أخذت منه سنوات في سجن القنيطرة، بسبب انخراطه في حركة يسارية، ويوسف صحفي، يكتب عموداً في جريدة الحزب اليساري الذي ينتمي إليه، وهو صاحب موهبة، يتنقل بين الحانات والحضارات، ويكتب رسائل إلي حبيبته، ويواصل البحث عن الحقيقة، خاصة حقيقة مقتل والدته الألمانية، التي قيل له إنها انتحرت، ويمثل الجيل الثالث ياسين الفرسيوي، الحفيد، الذي يتابع دراسته في شعبة الهندسة المعمارية بفرنسا، ليقرر بعد ذلك الالتحاق بأفغانستان، والانتماء إلي حركة طالبان، ليلقي مصرعه هناك، في محاوله لمنع أحد أصدقائه من تفجير نفسه، فيتفجران معاً. وتنتهي بذلك قصة آل فرسيوي، وبالنظر إلي الأجيال الثلاثة، نجد أن ثمة أشياء تقترب من الكاتب نفسه، فقد اكتوي بنار تجربته في السياسة، وذاق مرارة الحسرات، مما يعطي الرواية بعداً ذاتياً، وقد حملها الكاتب جملة من الأسئلة حول المصير السياسي والاجتماعي والثقافي للمغرب، مما جعلها رواية تنتقد مغرب اليوم، وعلي الرغم مما تحمله الرواية من مغزي سياسي، وبرغم من اشتغالها علي قضايا إنسانية
واجتماعية، إلا أنها تنتصر لأدبيتها، مما يمنحها قوة وتفرد، ويجعلها تقدم إضافة نوعية للأدب المغربي، بشكل عام، وللأدب الروائي، بشكل خاص. فساد الساحة المغربية انشغلت الرواية بما يحيط بالساحة المغربية من مواضع الرشوة والبيروفراطية والفساد والاستبداد، في عمل أقرب إلي الملحمة، أو تراجيديا حقيقية، يواجه فيها الأبطال مصيرهم المأساوي، تذكرنا الرواية بالأدب اللاتيني، وروايات جارسيا ماركيز، التي تدور أحداثها من خلال أسرة واحدة، وبتعاقب أجيالها، يتم تسجيل الوقائع التاريخية لتلك البلدة، وكذلك ثلاثية نجيب محفوظ، "بين القصرين، وقصر الشوق، والسكرية"، التي دارت أحداثها ما بين 1914، 1942، وانتهت بخيبة آمال الأجيال الثلاثة، لأسرة السيد أحمد عبدالجواد، وهو انعكاس لخيبة آمال الوطن في تلك الفترة، وكذلك روايات الروائي الأمريكي ويليام فوكنر، الذي قص، من خلال سلسلة "الوكنابوتاونا"، عن تعاقب الأجيال لأسرته، بدءاً بالجد الكبير الذي استوطن أمريكا، الأرض الجديدة، ثم نشبت الحرب الأهلية بين الجنوب والشمال. قبل أن يتوحدا، ومثل هذا النوع من الروايات، يكون البطل الحقيقي فيه هو التاريخ، أو الزمان، وبالتالي، يمكن القول إن كلاً من المكان والزمان، شكلا الأبطال الحقيقيين لروايتي: رجاء عالم والأشعري، مما أعطاهما بعداً إنسانياً عاماً، فارتقتا إلي العالمية. حاول الأشعري أن يتأمل لحظة أن يكون الفرد تحت الفجائع، فجاءت الرواية كنوع من المقاومة لكل أشكال القبح المحيط بنا، من خلال إنتاج المزيد من الجمال الأدبي والفني، وفي حوار معه حول مخاوفه علي هويته الشعرية، لأنه عرف كشاعر قبل أن يعرف روائيا، ًقال: "لا أخاف علي هويتي الشعرية..لأنني أكتب كل ما أكتبه بانشغال شعري بالأساس"، وقد ظهر ذلك في لغة الرواية التي مزج فيها بين الشعري والسردي، بفنية عالية، فجعل من الواقع وتحولاته، مادة الشعر.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.