على رغم كل ما يقال عن هيبة الرجل في المجتمع المصري، والفوقية الذكورية والهيمنة الرجولية والسيطرة الخشنة على مجريات الأمور في الحياة اليومية، يشير البحث في التفاصيل الدقيقة إلى غير ذلك. ولعل الأمثال الشعبية التي صارعت للبقاء على مدى سنوات طويلة ولم تفلح في زحزحتها رياح العولمة الشرسة ولا ميول التغيير الطاحنة أبرزت قيماً تؤكد عكس ما يطمح إليه الرجال. قبل يومين دبّت معركة حامية في إحدى المناطق الشعبية في القاهرة بين زوج وزوجته وكادت تنتهي في مكتب المأذون بالطلاق، إذ لم تتمالك الزوجة نفسها حين أخبرها زوجها الذي يعمل سمكرياً بأن السوق «راكدة» وأن دخله لم يعد كما كان وقت زواجهما، فما كان من الزوجة إلا أن تفوهت بصوت عال بالمثل الشعبي القائل: «يا واخذة القرد على ماله، يروح المال ويفضل القرد على حاله». هذا المثل الذي كثيراً ما يتردد في المحافل النسائية في الإشارة إلى حال الأزواج أو أزواج البنات، وهو المثل الذي يقول الكثير عن حقيقة «هيبة» الرجل في تلك المحافل ومن دون أي إضافات بدافع الخوف أو الحرج. مواقف شبيهة يستخدم فيها المثل الأشهر «ظل رجل ولا ظل حائط» الذي يوضح بلا شك جانباً لا يستهان به من الفكر الشعبي النسائي تجاه فكرة الارتباط، إلا أن هناك فكراً متنوراً في مجال الأمثال الشعبية يبتعد تماماً من فكرة تزويج الفتاة لمجرد الزواج ومنعاً للقيل والقال ودرءاً للقب «عانس» ذي الإيحاءات النفسية والاجتماعية البالغة السوء، ومنها «قعدة الحزانى ولا زيجة الندامة» وأيضاً «ظل قالب ولا ظل راجل خايب». وعموماً، في حال حدوث الزيجة، فإن الكثير من نصائح أهل العروس، لا سيما من قبل الأمهات ونساء العائلة من صاحبات الخبرة والمعرفة، تدور في فلك «ابنك على ما تربيه وجوزك على ما تعوديه»، في دلالة واضحة على قدرة المرأة الذكية على السيطرة على مقاليد الأمور من خلال إخضاع الزوج لعلميات «تدريب» مركزة وغير مباشرة لإمكانية السيطرة عليه فعلياً وليس بالضرورة ظاهرياً. وضمن سياق السيطرة على الرجل أيضاً ينصح المثل الشعبي بالمتابعة الدقيقة لكل المستجدات التي قد تطرأ عليه، لا سيما المادية، فمثلاً يقول المثل الشعبي «قصقصي طيرك لا يلوف على غيرك»، أي يقدّم المثل نصيحة إلى الزوجة بضرورة تخليص (أو سلب) الزوج من أي مكاسب إضافية، لأنها في نظر المثل الشعبي ومروجيه تؤدي بالضرورة إلى أن يبدأ الزوج في النظر إلى نساء غير زوجته. ومسألة الثقة المطلقة من قبل الزوجة في الزوج أمر مستبعد في عرف الأمثال الشعبية منذ زمن، والدليل الدامغ على ذلك «يا مآمنة للرجال يا مآمنة للمياه في الغربال». وإمعاناً في تأكيد أهمية الجانب المادي، يقول المثل «اطبخي يا جارية، كلف يا سيدي» وهو يدل على أن الزوجة لا يعوقها عن إرضاء زوجها سوى الأسباب المادية التي يفترض أن يكون الزوج مسؤولاً عنها. وهناك من الأمثال الشعبية ما ذهب إلى درجة الإهانة، التي تهوى الكثير من الزوجات استخدامها للإشارة إلى الزوج، فيقال: «لو أبوك البصل وأمك الثوم هتجيب منين الريحة الحلوة يا مشؤوم؟!» كما يقال: «ذيل الكلب عمره ما يتعدل ولو علقوا فيه قالب» ويستخدم في شكل خاص في المواقف التي «تزوغ» فيها عين الزوج إلى نساء وفتيات أخريات، وهي كثيرة. ويبدو أيضاً أن الرجال في مصر لم يتنبهوا إلى ملامح الاضطهاد الواضحة في الكثير من الأمثال الشعبية التي تسخر منهم، وتقسو عليهم، وتنصّب النساء في كثير من الأحوال على قمة هرم السيطرة والقوة والهيمنة، على رغم أنف الرجال.