الجمهورية: 1/6/2008 أثارت تلك الواقعة التي احتلت مساحات ليست بالقليلة في الصحف القومية وصحف المعارضة والتي دارت حول قيام إحدي المدارس الخاصة بدعوة الراقصة دينا لإحياء حفل مدرسي فزع الكثيرين ولاسيما التربويين والقائمين علي العملية التعليمية فالأمر جد خطير ووضعنا أمام كارثة قومية وليس في ذلك أية مبالغة لأن الأمر في النهاية يتعلق بتربية العقول وتنشئة الأجيال التي تعني المستقبل إذ ان إعدادها وتربيتها يعني تشييد وبناء الأمة وصياغة حياتها القادمة.. إذ ان من شب علي شيء شاب عليه ومن المعروف ان الشباب هم عماد الأمة وهم قوتها ووعيها وكما يقول سيدنا سليمان في الأمثال كسهام بيد جبار هكذا أبناء "الشبيبة" إذا ما أحسن تربيتهم وتنشئتهم ومكمن الخطورة في الواقعة هو المجال الذي وقعت فيه وهم الموضع الذي تليق به القداسة بعد دور العبادة وهو محراب العلم بما يعنيه ذلك من احترام والتزام وهيبة ومهابة هناك لا يتم فقط تلقين العلوم ولكن أيضاً بث القيم والمباديء هناك يتعلم المرء ألف باء ليس اللغة فقط أو العلوم بأنواعها المختلفة ولكن يبث فيه القيم والمباديء ويتم بناء وتشييد نظامه القيمي "value system" والمنظومة الأخلاقية التي تحكم سلوكياته وتصرفاته ويحكم بها علي كل ما يأتيه من أعمال وممارسات وهي تصبح هنا بمثابة اللجام الذي يشكم به الشطحات والنزوات وتتحدد نظرته للأمور ويحكم بها علي الخطأ والصواب في حياته ويتبين المعيب من القويم والصالح من الطالح. وتسهم العلوم الإنسانية والآداب في بناء ميزان التقييم الأخلاقي الذي به يزن الفرد الأمور ويقيمها والتي بدونها يصبح العلم البحثي نقمة لا نعمة وسيلة هدم وتدمير لا بناء وتعمير بل ان الأخلاق تأتي في مرتبة سابقة علي العلم لذلك يقال ان الأدب فضلوه علي العلم ويقول الشاعر: والعلم إن لم تكتنفه شمائل صار مطية الاخفاق.. لذلك فالعلم مطلوب ولكن قبل العلم الأدب والأخلاق لذلك فإن مسمي الوزارة المسئولة عن العملية التعليمية لدينا هو وزارة التربية والتعليم فالتربية تسبق التعليم والتربية تعني التنشئة والإعداد والبناء القيمي والأخلاقي للإنسان.. وليس في ذلك أي مصادرا علي الفن أو التقليل من شأن الفنانين وان التعليم لا يقر بالفن بل انه يعد أحد الأساسيات في التربية والتنشئة فهو يزيد من الاحساس لدي الإنسان وينمي لديه القدرة علي التمييز والتذوق ولكن في نفس الوقت فإن الفن لا يعني الرقص والتمايل الذي لا يخلو من الخلاعة أو الرقص الذي دأب عليه البعض ممن يقحمون أنفسهم في مجال الفن والذي يعد تجارة رابحة هذه الأيام.. وهو ما يعد دلالة علي استشراء حالة من الافساد للذوق العام وأشياء أخري كثيرة لا يسع المجال لذكرها ولكنها تعني حالة من التضارب واختلاط الحابل بالنابل وهي تعد بمثابة عرض ومرض يمكن بالتأكيد الابراء منه مصدره الانفتاحية س التكسير المتعمدة في جدار القيم لدينا الذي يتكون من العادات والتقاليد والأعراف ومباديء العقيدة الدينية تحت مسميات كثيرة كالحداثة والمعاصرة ومجاراة روح العصر وعدم الانغلاقية مثل هذه النوعية من الفنون مع تحفظنا علي التسمية تعد بمثابة ضربة وفي ذات الوقت "سبة" ولا يجوز السكوت عليها أو التهاون معها لذلك فإن تلك الحالة من التشدد من جانب لجنة التعليم بمجلس الشعب وتلك القرارات التي أدانت هذه المدرسة والعمل في حد ذاته لها ما يبررها وان التشدد في القرارات والمطالبة بعقاب من يقدم علي مثل هذه الخطوات لها ما يبررها وفي محلها لأن الأمر يتعلق بإهانة أقدس مهنة وهي العلم والذين يمتهنون هذه المهنة لهم منزلة الرسل إذ كاد المعلم أن يكون رسولاً.. الحفلات المدرسية شيء طيب وهام وكلنا مازال يتذكر بنشوة ذكريات الحفلات المدرسية ولاسيما تلك التي كانت تقام في المراحل النهائية وقبل الانتقال لمرحلة تعليمية مختلفة وهي كانت تحيا بمختلف أنواع الفنون كالشعر والموسيقي والطرب المحترم وكان يدعي إليها شخصيات هامة لها مكانتها ووضعها الأدبي والعلمي الذين يصبحون بمثابة القدوة التي تشحذ الهمم لدي الشباب وأتذكر في الحفل المدرسي بالثانوية العامة قمت بدعوة الأستاذ الكبير مصطفي أمين الذي لبي الدعوة بفرح وأهدانا كتبه وحكي لنا في ذلك اليوم ذكرياته في المرحلة الثانوية وقد وقر ذلك داخل وجداننا ودفعنا للاقتداء بهم.. زميلة في المدرسة المجاورة وكنا في هذه الحفلات نتبادل الزيارات وهي الآن شخصية معروفة في مجال الصحافة في جريدة عريقة قد دعت في الحفلة المدرسية الأستاذ الكبير جلال الدين الحمامصي وتلك كانت حفلاتنا المدرسية ولكن ما عسي أن يكون من وراء دعوة دينا لإحياء هذه الحفلات وما الذي تعنيه لهؤلاء الشباب وهم علي أعتاب المستقبل ولا أعتقد أن من دعوها كانوا يستحضرون بيت الشعر الذي طالما تغنت به سيدة الغناء وهو "إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحي دينا" وبالقطع لا يقصد بها دينا التي من يحييها يعيت نفسه أخلاقياً ولكن المقصود الدين بمبادئه العظيمة التي تهذب وتربي النفوس وتجعل المرء علي خلق عظيم وفوق الكل مرضاة الله سبحانه وتعالي الذي علم الإنسان ما لم يعلم.